المغرب: قطاعات الزراعة والأدوية والمنتجات الإعلامية والفنية مهددة بسبب اتفاق التبادل الحر المزمع توقيعه بين الرباط وواشنطن

TT

تستأنف المفاوضات بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية حول اتفاق التبادل التجاري الحر، نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الحالي في الرباط، وتتركز اجندة الجولة السادسة من المفاوضات حول قطاعي الزراعة والأدوية اللذين شكلا العقبة الأساسية في سبيل التوصل للاتفاق. ويضاف الى لائحة القطاعات التي تواجهها صعوبات قطاعات النسيج والملابس وميدان الانتاج الفني والاعلامي والثقافي.

وفيما توقعت الدوائر الرسمية الأميركية والمغربية أن تكون الجولة المقبلة هي الحاسمة لتذليل الصعوبات التي تواجه اتفاق التبادل الحر الذي ينتظر توقيعه في غضون شهر أبريل (نيسان) المقبل، أعربت فعاليات من قطاعي الزراعة والأدوية المغربية عن مخاوفها من تضرر القطاعين نتيجة عدم تكافؤ المنافسة مع الشركات الأميركية. وتستند مخاوف العاملين في القطاع الزراعي بالمغرب الى ضعف تأهيل القطاع وضعف الاعتمادات المخصصة لحمايته، بينما تشكل الزراعة نسبة 20 في المائة من الناتج الداخلي الخام في البلاد. ويوظف القطاع الزراعي زهاء 40 في المائة من اليد العاملة النشيطة. ولا يوظف المغرب حاليا سوى نسبة محدودة من أراضيه الصالحة للزراعة بسبب قلة الوسائل والاعتمادات المالية. وكان رئيس الحكومة المغربية ادريس جطو قد خصص حيزا مهما من محادثاته مع كبار المسؤولين الأميركيين في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي ، حول الأوضاع التي يجتازها الاقتصاد المغربي وضرورة تضمين اتفاق التبادل الحر تدابير انتقالية لمساعدة القطاعات التي يمكن ان تتضرر من المنافسة مع نظيراتها الأميركية، وفي مقدمتها الزراعة التي ترتبط بها ايضا قطاعات صناعية وغذائية. ومن جهته اعترف امحند العنصر وزير الزراعة المغربي بالتحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع الزراعي المغربي في مواجهته للمنافسة في الأسواق العالمية، ولاسيما السوقان، الأوروبي الذي تربطه حاليا بالمغرب اتفاقية للتبادل الحر، والسوق الأميركي الذي ستربطه به اتفاقية في المرحلة المقبلة. واعلن ان استراتيجية تطوير القطاع الزراعي وتأهيله ستتطلب 15 عاما لإنجازها، ومساهمة مشتركة من الحكومة والقطاع الخاص. وأوضح وزير الزراعة المغربي امس الأول في تصريحات له ، ان مشاكل القطاع الزراعي المغربي تنحصر في انخفاض مستوى التكوين وضعف تأهيل المزارعين وسوء تنظيم الجانب العقاري، حيث تشير الدراسات الى أن 70 في المائة من المزارعين المغاربة لا يتوفر لهم سوى خمسة هكتارات مشتتة ويصعب استغلالها بطرق عقلانية وحديثة. وتضاف الى هذه المعطيات محدودية وسائل تقوية الانتاج مثل الأسمدة والأدوية، وضعف الجانب التسويقي وحاجة قوية للشركات المغربية العاملة في القطاع الزراعي الى رفع مستوى جودة منتوجاتها وملاءمتها مع متطلبات الأسواق العالمية.

واكد المسؤول المغربي ان الرباط تدافع من خلال مفاوضاتها مع واشنطن، عن القطاع الزراعي لتحميه من المخاطر التي تتهدد بسبب الانعكاسات السلبية المحتملة على القطاع جراء تنفيذ اتفاق التبادل الحر. وقال ان بعض المنتوجات الأميركية التي ستلج السوق المغربي لن يكون لها تأثيرات سلبية ، لكن هناك أنواعا أخرى ستؤدي إلى مشاكل لأنها ستؤثر على المنتج المغربي ومن بينها الحبوب واللحوم الحمراء والبيضاء. ومن جهته قال عبد الرزاق مويسات رئيس الجمعية المغربية لمنتجي ومصدري الخضر والفواكه لـ«الشرق الأوسط»، ان القطاع الزراعي ظل دائما عنصرا حساسا في اتفاقيات التجارة الحرة العالمية ، وخلال مفاوضات اتفاقيات «الجات» تحفظ الأوروبيون على الجانب الزراعي بسبب مخاوفهم من عدم قدرته على التنافس مع المنتوجات الزراعية الأميركية المتفوقة جدا ، وهو ما يشير الى حجم المشكلة بالنسبة للمنتوجات الزراعية المغربية التي تقل تنافسيتها حتى عن المنتوجات الأوروبية. وقال مويسات ان الفاعلين في القطاع الزراعي المغربي ليسوا ضد الانفتاح وتحرير التجارة ولكنهم مع توخي خطوات تدريجية في نهجه، وتمكين المنتوجات الزراعية المغربية من تدابير مالية وتقنية لمرافقتها في عملية تطورها بهدف ملاءمتها الى مرحلة متقدمة من المنافسة، مقترحا ان تشمل تلك التدابير مستويات انتاج المواد الزراعية وتغليفها ونقلها وتسويقها، اضافة الى تدابير مالية وميكانيزمات لحماية المنتوج الزراعي المغربي وتوخي آليات مرنة بحسب الفصول والمواسم والظروف المناخية التي تشكل عنصر حساسية وتأثير كبير بالنسبة للقطاع الزراعي المغربي.

وقال مويسات ان المغرب له تجربة تاريخية غنية مع أوروبا في ميدان صادرات الزراعة تعود الى 60 عاما وكان أول دولة عربية وافريقية توجه صادراتها للقارة الأوروبية التي لا تفصلها عنه سوى 12 كيلومترا. واعتبر ان السوق الاوروبي يوفر فرصا وطلبا ويصدر نحوه نسبة 90 في المائة من صادراته الزراعية ، فلماذا يعرضها الى هزات مقابل توقيعه على اتفاق مع أميركا غير محسوب العواقب بالنسبة للزراعة على الأقل. واوضح ان عائدات المغرب من صادرات الخضروات والحوامض ترتفع أحيانا الى سبعة مليارات من الدراهم أي ما يعادل 700 مليون دولار أميركي. ويشكل السوق الأوروبي مصدرها الرئيسي بينما لا يستقبل السوق الأميركي حاليا سوى نسبة 0.01 في المائة من صادرات المغرب من الطماطم والخضروات ، ولا تتجاوز صادرات المغرب من الحوامض سوى نسبة 10 في المائة الى أميركا الشمالية موجهة على الخصوص الى كندا. وأوضح مويسات ان المنتوجات التقليدية للزراعة مثل الحبوب واللحوم والحليب ستكون المتضرر الأكبر من ولوج نظيراتها الأميركية، موضحا ان الحبوب ورغم حاجة المغرب اليها بسبب ضعف حجم انتاجها وخصوصا في سنوات الجفاف التي يضطر فيها المغرب الى استيراد حوالي 50 في المائة من حاجته للحبوب، فإن المنتوج المغربي سيكون معرضا الى مخاطر كبيرة بل للموت. واضاف مويسات ان أسعار الحبوب الأميركية منخفضة بنسبة 50 في المائة قياسا لنظيرتها المغربية التي سيقضى عليها نهائيا في حالة عدم اتخاذ تدابير حمائية للمنتوج المغربي.

وفي قطاع الأدوية يرى مسؤولو منظمة «التكتل المغربي من أجل الدفاع عن الأدوية المستنسخة» في الدار البيضاء ، ان الأدوية المستنسخة التي تصنع بالمغرب وتستخدم على نطاق واسع في مستشفيات المغرب ، ستكون متضررة أساسية من المنافسة مع نظيراتها الأميركية. وقالت الدكتورة نادية بزاد رئيسة المنظمة ان مخاوف اعضاء منظمتها من تضمن اتفاقية التبادل الحر المزمع توقيعها قائمة بسبب امكانية تضمنها بنودا تكرس الزيادة في مدة احتكار إنتاج المواد الصيدلية، والتي تحددها اتفاقية باريس حول حقوق الملكية الصناعية ومعاهدة منظمة التجارة العالمية في 20 سنة. وحسب تلك الاتفاقية الدولية فإن أي تركيبة صيدلية تمر عليها تلك المدة تنتهي مدة حمايتها القانونية من طرف براءة الاختراع وتسقط في مجال العام ويصبح تصنيعها حرا ولا يتطلب الحصول على أي ترخيص من المالك الأصلي أو أداء أية حقوق لهذا المالك، مما يجعل هذه الأدوية أرخص بنحو 30 إلى 50 في المائة من الأدوية التي تؤدى عنها اتاوات حقوق الملكية. ويشكل هذا النوع من الأدوية حاليا نحو 15 في المائة من الاستهلاك المغربي، ونحو 45 في المائة من الاستهلاك في الولايات المتحدة الأميركية. وفي المغرب تعتبر المستشفيات التابعة للقطاع العام ، أكبر مستهلك للأدوية المستنسخة. وتصل مبيعات هذه الأدوية في المغرب سنويا الى نحو 742 مليون درهم (74 مليون دولار أميركي) ، في حين يصل الحجم الإجمالي لمبيعات الأدوية بالمغرب الى 5 مليارات درهم.

ومن جهته قال مصطفى أقسيمان، المستشار في ميدان الملكية الصناعية، «لدينا وضع خاص في المغرب، فكل القوانين المتعاقبة مند 1916 تمنع بصريح العبارة تسجيل براءات اختراع في مجال صناعة الأدوية، في المغرب يمكنك أن تسجل أي شيء ما عدا الأدوية، وهذه القوانين لا يزال العمل جاريا بها حتى الآن. إضافة إلى ذلك فإن لائحة المنتجات الصيدلية في المغرب والتي تضم 500 تركيبة في غالبيتها الساحقة قد تجاوزت مدة 20 سنة المنصوص عليها في إطار منظمة الصحة العالمية. وهذه مكتسبات أساسية لتطور صناعة الأدوية في المغرب ولا يجب أن نسمح بالتفريط فيها».

ومن جهته قال حسن النفالي، المتحدث الرسمي باسم الائتلاف المغربي من أجل التعددية الثقافية الذي يضم 11 نقابة وجمعية ثقافية وفنية وإعلامية، ان مخاوف منظمته نابعة أساسا من قرائته لتجارب سابقة للولايات المتحدة الأميركية مع دول أخرى.

ودعا النفالي الى وضع ضمانات احترازية لحماية المنتوج الثقافي والفني المغربي عبر تنصيص الاتفاقية على فرض اعتماد حصة 50 في المائة للإنتاج المغربي في نشاط الشركات الأميركية التي ستدخل المغرب، كما يطالب الائتلاف بالمحافظة على كل آليات الدعم التي توفرها الدولة المغربية حاليا للإنتاج الفني والثقافي والإعلامي المغربي وتطويرها وحصر الاستفادة منها على الإنتاج المغربي. والنقطة الرئيسية الثالثة التي يركز عليها الائتلاف هي عدم تضمن الاتفاقية لأية بنود تقيد علاقات المغرب مع البلدان الأخرى وحرية إبرامه لاتفاقيات ثنائية معها دون تدخل الجانب الأميركي.