المغرب وأميركا يتوصلان إلى توقيع اتفاق للتجارة الحرة في يونيو المقبل

الاتفاق يلغي تدريجيا الرسوم المغربية على الصادرات الزراعية الأميركية على مدى 15 عاما

TT

بعد ثلاثة عشر شهرا من المفاوضات الماراثونية أعلن المغرب والولايات المتحدة امس أنهما توصلا الى اتفاق للتجارة الحرة سيعزز الروابط الاقتصادية والاستثمارية بينهما ويخفض الحواجز أمام التجارة. والاتفاق الذي يتعين ان يوافق عليه الكونغرس سيسقط على الفور الرسوم الجمركية عن 95 في المائة من المنتجات الصناعية والاستهلاكية التي يتم تبادلها بين البلدين. الا ان الاتفاق تعامل بمزيد من الحذر مع مجالات اخرى مثل الزراعة وصناعة النسيج وهما المجالان اللذان عبرت الدولتان عن قلقهما بشأن تزايد المنافسة فيهما.

وينتظر توقيع هذا الاتفاق في شهر يونيو (حزيران) المقبل. وكان قد قاد المفاوضات من الجانب المغربي الطيب الفاسي الفهري الوزير المغربي المنتدب في الشؤون الخارجية، بينما رأست كاترين نوفيلي فريق المفاوضين الأميركيين. وجاء في بيان أصدره الفريق المغربي في المفاوضات أن المغرب «يجد في هذا الاتفاق تأكيدا جديدا لدعم خيارات الانفتاح والتسامح والديمقراطية التي يسهر على تطبيقها». وأضاف البيان أن المغرب «يجدد من خلال ابرام مثل هذا الاتفاق انخراطه في طريق الانفتاح التدريجي والمتوازن لاقتصاده واندماجه المتزايد في التجارة الدولية لمواكبة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بفعالية».

وأوضح البيان ان الاتفاق يأخذ «بعين الاعتبار وبشكل كامل الخصوصيات الاقتصادية والمعطيات الاجتماعية في المغرب في مسلسل تحرير المبادلات التجارية والاستثمارات» في المغرب. واشار البيان الى أن التوصل الى هذا الاتفاق يعكس «الارادة السياسية القوية للبلدين للدفع بشراكتهما الاستراتيجية وتقديم مساهمتهما في التنمية الاقتصادية وخصوصا في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا».

ووصف الجو الذي جرت فيه المفاوضات المتواصلة والتي توزعت على سبع جولات من التفاوض المكثف، بأنها جرت «في مناخ من الوفاق والتفاهم حول مختلف المواضيع. وفي مواجهة الصعوبات الموضوعية التي اعترضت المفاوضات تم التوصل إلى حلول توافقية وخلاقة ومتميزة مقارنة بالمقتضيات التي يتم التنصيص عليها عموما في مثل هذه الاتفاقيات».

وحسب نفس البيان «يفتح الاتفاق افاقا كبيرة وحقيقية لتنمية صادراتنا من منتجات الصناعة والنسيج والفلاحة والصيد البحري».

وأكد البيان أن الدخول الحر للسوق الاميركية عند دخول اتفاق التبادل الحر حيز التنفيذ «سيضمن لـ99 في المائة من المنتوجات الصناعية المغربية. وهو ما ستستفيد منه على وجه الخصوص المنتجات التي كانت تخضع لرسوم جمركية عالية نسبيا والتي يتوفر المغرب بخصوصها على انتاج ذي تنافسية كبيرة».

وأوضح البيان أن نفس الامر ينطبق على «قطاع النسيج حيث يفتح اتفاق التبادل الحر بشكل مهم وملموس السوق الأميركية أمام المصدرين المغاربة. وثمة فرص عديدة فور دخول الاتفاق حيز التنفيذ وكذا على المدى المتوسط».

كما يسمح بالدخول «التفضيلي للسوق الاميركية وكذا المرونة الممنوحة في ما يتعلق بقواعد المنشأ في هذا القطاع بتوقع ارتفاع ملموس في حجم الصادرات والاستثمارات ببلادنا وبالتالي خلق مناصب للشغل». وورد في نفس البيان أن قطاع الصيد البحري سيستفيد هو الاخر من من امكانيات عديدة للرفع من حجم الصادرات المغربية الى السوق الاميركية.

وبخصوص «المنتوجات الفلاحية ومنتوجات الصناعات الغذائية فان الاتفاق يوفر فرصا هامة لتطوير وتنويع الصادرات المغربية نحو السوق الاميركية ذات الامكانيات الواسعة. ومن شأن ذلك أن يشجع بشكل ملموس على تحديث القطاع الفلاحي والغذائي بما يخلق فرص الشغل ويرفع مداخيل السكان القرويين».

وبالمقابل «ستنفتح السوق الفلاحية المغربية تدريجيا على ايقاع تفعيل الاصلاحات المسطرة. ولن يكون هذا الانفتاح الا جزئيا بالنسبة للمنتوجات الاساسية للفلاحة المغربية وخصوصا الحبوب التي تم منحها أفضلية تتمثل في وضع حصص محددة في حدود حاجة المغرب للاستيراد».

وأوضح البيان أنه «بالنسبة لمنتوجات أخرى ذات حساسية فقد تم سن فترات انتقالية طويلة جدا وتدابير حمائية ملائمة واستثنائية». أما بالنسبة للفصول المتعلقة بقواعد ومجالات المبادلات والاستثمارات بين البلدين فان الاتفاق «يؤكد التزاماتنا في نطاق منظمة التجارة العالمية ويروم المساهمة في تحسين وتحديث محيط الأعمال بالمغرب بهدف الرفع من تدفق الاستثمارات الاجنبية نحو بلادنا».

وفي ما يخص الادوية المستنسخة أكد البيان على أن الاتفاق «يكرس اجمالا التزاماتنا في اطار منظمة التجارة العالمية. وتجدر الاشارة في هذا الباب الى أن الاتفاق لا ينص على تمديد مدة براءة دواء ما ولا يمس بمكتسبات صناعتنا الوطنية. وعلى كل حال فان اتفاق التبادل الحر ينص صراحة على امكانية استفادة المغرب من التسهيلات الضرورية لحماية الصحة العامة وضمان الحصول على الادوية للجميع وفقا لاعلان الدوحة حول مظاهر الملكية التجارية المتعلقة بالتجارة».

وفي ما يتعلق بالخدمات أوضح البيان أن المفاوضات أجريت «على قاعدة التزامات المغرب في اطار منظمة التجارة العالمية مع الاخذ بعين الاعتبار حقائق وآفاق التنمية الوطنية لمختلف القطاعات المشمولة بالاتفاق. كما أخذت استراتيجيتنا التفاوضية بعين الاعتبار المفاوضات الجارية في نطاق منظمة التجارة العالمية وتلك المقرر اجراؤها مع شركاء اقليميين آخرين وكذا المواقف التي عبر عنها المغرب في عدد من التجمعات الدولية».

وأضاف البيان أن الاتفاق «يؤكد بطريقة واضحة جدا موقف المغرب المتعلق بالتنوع الثقافي وخصوصا في لحظة تباشر فيها بلادنا اصلاحات جديدة لتشريعاتها في المجال السمعي البصري».

وخلص البيان أنه «بشكل عام فان اتفاق التبادل الحر يندرج في استراتيجية عامة ومنسجمة للمغرب في علاقاته متعددة الاطراف والجهوية مع الشركاء الرئيسيين لبلادنا آخذا بعين الاعتبار أولويات سياستنا في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وآفاق تعميق علاقات التعاون مع شركائنا التقليديين». من حهة أخرى أكد ممثل الولايات المتحدة في التجارة الخارجية روبرت زويليك أن المفاوضين الأميركيين عملوا إلى جانب نظرائهم المغاربة لكي يكون اتفاق التبال الحر بين البلدين أداة لتعزيز الاستثمار الذي يخلق مناصب الشغل في المغرب وفي نفس الوقت ليأخذ في الاعتبار القطاعات الإنتاجية الحساسة وكذا الواقع السوسيواقتصادي للمغرب.

وأعلن زويليك في تصريح صحافي أن الجانبين انكبا في ما يخص الاستثمار على إقامة إطار قانوني قادر على أن يجعل من المغرب وجهة أكثر جذبا للفاعلين الاقتصاديين ليس فقط الأمريكيين بل ومن بلدان أخرى كذلك.

وأوضح زويليك أن الاتفاق واعد جدا بالنسبة للمغرب سيما أنه يحتل «موقعا استراتيجيا عند ملتقى عدد من القارات» مشددا على الأهمية التي يكتسيها المغرب بالنسبة للقطاع الخاص باعتباره قطبا للإنتاج والتصدير.

وفي ما يتعلق بالقطاعات الإنتاجية الحساسة أشار ممثل الولايات المتحدة في التجارة الخارجية إلى أن القطاع الفلاحي حظي باهتمام خاص وتطلب مفاوضات معمقة وجهدا وروحا ابتكارية أكبر من الطرفين. وأوضح أن الطرف الأميريكي «واع تماما» بعدد الأشخاص الذين يعيشون على الفلاحة في المغرب وإكراهات الفلاحين الصغار وكذا مربي الماشية مؤكدا أن الاتفاق ينص على آليات حماية استثنائية وفترات انتقالية طويلة الأمد لفائدة المنتجات الفلاحية. وقال زويليك إنه علاوة على ذلك وفي ما يتعلق بمنتوجات مثل القمح الذي يكتسي أهمية من حيث تنافسيته بالنسبة للمنتجين الأميركيين في مواجهة منافسيهم خاصة الأوروبيين والكنديين فإن الاتفاق ينص على فتح جزئي للسوق المغربي يواكبه نظام للحصص مرتبط بشكل واضح بالحاجات الاستهلاكية للمغرب.

وبخصوص لحوم الأبقار أكد المسؤول الأميركي أن الاتفاق يخضعها كذلك لنظام للحصص معد لتزويد المطاعم والمؤسسات الفندقية باللحوم ذات الجودة العالية لكنه ينص كذلك على نظام ترخيص خاص بالاستيراد يمنع كل منافسة مع الإنتاج العادي من لحم البقر المحلي.

وأوضح في ما يخص قطاع النسيج أن الولوج التفضيلي إلى السوق الأميركية مفتوح أمام المنتوجات المغربية وأنه بإمكان المغرب حسب مقتضيات الاتفاق من وجهة النظر هذه الاستفادة من امتياز على المدى البعيد مقارنة مع بلدان مثل الصين والهند.

ولدى تطرقه للأدوية المستنسخة اعتبر زويليك أن المخاوف الناجمة عن كون مقتضيات الاتفاق ستلحق الضرر بالحقوق التي يتمتع بها المغرب في إطار التزاماته تجاه المنظمة العالمية للتجارة عارية من الصحة.

وأوضح أن الاتفاق ينص على العكس من ذلك على أوجه مرونة خاصة لفائدة المغرب ويضمن الولوج المعمم إلى الخدمات الصحية وللأدوية.

كما لاحظ زويليك أن من إيجابيات الملكية الفكرية المساعدة على النهوض بالمعرفة والمقاولة المجددة مستشهدا بمثال الأردن الذي جذب بفضل الإجراءات الحمائية التي نهجها استثمارات شركات مثل (ميكروسوفت) وشركات صيدلية وغيرها.

وأكد زويليك أن الاتفاق سياهم أيضا في تحفيز تدفق الاستثمارات الخارجية بالمغرب وتعزيز الإصلاحات الجارية وإقامة مناخ يساعد أكثر على جذب الاستثمارات.

وكانت المفاوضات بشأن هذا الاتفاق قد بدأت في أوائل العام الماضي وكان من المقرر في بادئ الامر ان تختتم في ديسمبر (كانون الاول). الا أن المفاوضات تعثرت بسبب خلافات حول المسائل الزراعية التي تمثل قضية حساسة في المغرب اذ يخشى المزارعون تدفق طوفان من المنتجات الاميركية الرخيصة على البلاد. ويعالج الاتفاق هذه المخاوف من خلال تحديد حصص برسوم جمركية تفرض على الصادرات الاميركية من الدواجن ولحوم البقر التي ستزيد مع مرور الوقت. ويتبنى الاتفاق آلية مشابهة بشأن القمح.

الا ان مسؤولين تجاريين اميركيين قالوا ان الحصص ستسمح لمزارعي القمح الاميركيين بالمنافسة في ظل شروط افضل مع المنتجين في الاتحاد الاوروبي. وبمقتضى الاتفاق ستزيل الولايات المتحدة تدريجيا كل رسومها الجمركية على المنتجات الزراعية ومعظمها خلال 15 عاما. وقال رئيس مجموعة مغربية لصناعة النسيج «كنا نأمل ان نحصل على حصص واردات اكبر من المواد الخام غير الاميركية الا انهم جادلوا بأن منطقة التجارة الحرة يجب ان تفيد كلا الاقتصادين». ومراعاة لمنتجي النسيج الاميركيين فان الاتفاق يستلزم ان تحوي الالبسة غزولا ونسيجا أميركيا أو مغربيا لتتمتع برفع الرسوم الجمركية عنها. الا ان الاتفاق يحدد حصة استيراد مؤقتة قدرها 30 مليون متر مربع من الملبوسات تشتمل على مواد من بلد ثالث.