كبير اقتصاديي الشرق الأوسط في البنك الدولي: 80 مليون شاب سيدخلون سوق العمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العقدين القادمين

TT

كبير الاقتصاديين في دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي، مصطفى نابلي، لم يتردد في القاء الضوء على المشاكل الاقتصادية الجمة التي تعانيها المنطقة، وان كان يفضل تسميتها ـ كما يفعل البنك الدولي ـ بالتحديات. وقال نابلي، الذي شغل ضمن مناصب عديدة، منصب وزير الاقتصاد في تونس (1990 ـ 1995)، في كلمة ان 80 مليون عامل سينضمون الى القوة العاملة في العقدين القادمين، ما يساوي ارتفاع العمالة في الفترة بين 1950 ـ 2000 . وقال نابلي في كلمته خلال فعاليات المنتدى السنوي الثاني للمعرفة من اجل التنمية الذي انعقد في مرسيليا، ان الشباب هم اكثر من يتأثر بالبطالة التي يفوق مستواها 15 في المائة. ولفت الى ان نسبة الشباب الباحثين عن العمل لاول مرة تمثل 90 في المائة من البطالة في مصر, وتفوق الثلثين في اليمن والامارات. كما اشار الى ان البطالة بين النساء تفوق مثيلتها للرجال بنسبة 30 في المائة. ولم يفت الاقتصادي نابلي ان يشير الى ان اساليب توفير فرص العمل التي اتبعت في المنطقة في السابق تعجز الان عن القيام بهذا الدور. فهذه الاساليب اعتمدت، حسب نابلي، على النفط والمساعدات وتحويلات العمالة المهاجرة الى الخليج واوروبا. وكل هذه المصادر تتضاءل الان. وقال نابلي ان المنطقة بحاجة الى نموذج تنمية جديد للاستفادة من امكانياتها. وهذا الاسلوب يتطلب ـ حسب نابلي ـ تقليص دور القطاع العام وتحفيز القطاع الخاص، بالاضافة الى تنويع المداخيل في الدول المعتمدة على النفط. الاقتصادي مصطفى نابلي تحدث لـ«الشرق الأوسط» على هامش المنتدى عن التحديات التي تواجه اقتصادات المنطقة. وفيما يلي نص الحوار:

* رسمت صورة سوداوية كئيبة لاقتصادات منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في كلمتك اثناء المؤتمر. هل ترى من سبيل للخروج من هذا الوضع الاقتصادي المأساوي؟

ـ هذه ليست الرسالة التي اريد ايصالها، الصورة ليست سوداوية. اردت القول ان التحديات كبيرة. ليس بامكاننا وصف المستقبل، لكن بامكاننا تصوره وتوقع المشاكل التي تظهر تدريجيا. ونحن قادرون على رؤية مشاكل كبيرة تظهر تحتاج لمجهود حثيث. احدى النقاط التي تم التركيز عليها في هذا المؤتمر هي ان المنطقة بحاجة للتحرك بسرعة. فالتحديات كبيرة والعالم يتقدم بسرعة، لكن المنطقة تتحرك ببطء.

* لكن محاضرتك اظهرت وضعا حاضرا كئيبا في اقتصادات المنطقة ؟

ـ ليست كئيبة، لم استخدم هذه الكلمة ابدا.

* لكن الارقام التي استخدمت قالت ذلك؟

ـ لا. نحن نتحدث عن مستوى بطالة بحدود 10 في المائة. هذا مستوى وسطي مرتفع، ويصل الى اعلى من ذلك في بعض الدول. لكن ذلك ليس سوداويا، فبعض الدول الاخرى لديها بطالة اعلى من هذا المستوى ووضعها الاقتصادي ليس كئيبا.

* الارقام الاخرى تزيد من كأبة الوضع؟

ـ النمو ضعيف والبطالة مرتفعة، صحيح. لكن علينا الا ننسى ان هذه المنطقة لديها الامكانية لتحقيق اداء افضل. فقد طورت رأسمال بشري جيد، من خلال التعليم. العناصر الشابة في مجتمع منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا متعلمة، تتمتع بنظام تعليمي متوفر، ورعاية صحية جيدة. الاناث ايضا اصبحن اكثر تعلما وصحة، مشاركة النساء تطورت، بينما انخفض مستوى الخصوبة ومعه ارتفاع عدد السكان. المؤسسات تطورت بشكل كبير ايضا.

* اذا كان التعليم تطور بشكل كبير، لماذا فشلت المنطقة بجذب الاستثمارات الاجنبية في الصناعات التكنولوجية؟

ـ المطلوب العمل للتخلص مما يعيق الاستثمار. البيئة الاستثمارية ليست جيدة بشكل كاف. هناك قضايا كثيرة تتعلق بانظمة المؤسسات وقواعد العمل التي تحتاج لان تكون جذابة ليس فقط للاستثمارات الاجنبية بل للاستثمارات المحلية ايضا. الحلول لا تقتصر على الاستثمارات الاجنبية فقط. نحن نريد تشجيع الاستثمارات بكل اشكالها اكانت محلية او اقليمية او اجنبية، وللوصول لهذا المستوى نحتاج الى تحسين البيئة الاستثمارية. أي حكم القانون وتطبيقه بشفافية وعدل. هناك حاجة الى نظام قضائي كفؤ وعادل مصحوب بحماية حقوق الملكية وتقليص البيروقراطية. هناك الكثير لتحقيقه وتبقى منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بطيئة في هذا المجال.

* لكن معظم دول المنطقة تتباهى بما حققته في مجال تحسين البيئة الاستثمارية وتطوير البنى التحتية. ما هو المطلوب اذا؟

ـ كل ما ذكر، لأن ما تحقق حتى الان رغم اهميته لا يكفي لأنه علينا المقارنة بدول اخرى حتى عندما تتحقق هذه التحسينات، لن تكفي اذا لم تكن سريعة بشكل كاف لأن دولا اخرى تحقق نفس التطور بسرعة اكبر. انظر الى الدول النامية في جنوب وشرق اسيا واوروبا الشرقية والمركزية التي تحضر للانضمام الى الاتحاد الاوروبي. صحيح ان انضمام هذه الدول الاوروبية الى الاتحاد يزيد من حصتها من التدفقات الاستثمارية، لكن الحقيقة انها تطورت بسرعة، وتنافس دول المنطقة على الاستثمارات. اذا لم تتطور المنطقة بسرعة، لن تفلح في المنافسة.

* هل تعتقد ان القطاع الخاص المحلي قادر على تأمين فرص العمل المطلوبة في دول المنطقة؟

ـ طبعا، اذا اعطي الفرصة ليس هناك من سبب يمنع. المستثمر العربي كغيره من المستثمرين اذا اعطي الفرصة سوف يستثمر.

* هل تعتقد هناك رأسمال خاص في المنطقة يكفي لخلق هذه الفرص؟

ـ نعم. بالطبع.

* في كل دول المنطقة؟

ـ هذا يختلف من بلد الى اخر وهو امر طبيعي. فالدول التي تملك رؤوس المال عليها خلق البيئة المناسبة لجذب رؤوس المال من الخارج، بينما تستطيع دول المنطقة الغنية الاستثمار في دول المنطقة الاخرى. علينا ان نتذكر ان الاستثمارات البينية في المنطقة ليست ذات اهمية، وهناك فرصة لتطوير هذا الوضع.

* هناك تركيز ملحوظ من قبل البنك الدولي على قضايا الحكم والمؤسسات والبيئة القانونية في دول المنطقة. هل في هذا ابتعاد عن سياسة تمويل مشاريع البنى التحتية التي عمد البنك الى التركيز عليها في السابق؟

ـ لقد حصل ذلك التغيير منذ زمن بعيد. البنك الدولي اتجه، كما كل العالم في السنوات العشر الاخيرة، نحو التركيز على بناء المؤسسات كأفضل طريق لخلق البيئة المناسبة. المسألة لا تقتصر على بناء الطرقات والمدارس بل تتعلق ايضا باستخدام هذه المشاريع بطريقة منتجة.

* لكن التمويل مازال مهما؟

ـ نعم. التمويل مهم، لكن المال بدون نظام مؤسسات لا ينفع، كما ان المؤسسات بدون المال لا تنفع، هنالك حاجة لهذين العاملين معا.