ارتفاع أسعار الأراضي في الخرطوم وسط إقبال السودانيين في الخارج على الشراء بهدف الاستثمار والسكن

TT

شكل أرتفاع أسعار الأراضي السكنية في الخرطوم (العاصمة السودانية) ظاهرة لافتة في الآونة الأخيرة وبوجه خاص في احياء الخرطوم واحد، والخرطوم اثنين، والرياض وجاردن سيتي والطائف والمعمورة والمنشية.

مدير وكالة النخيل للعقارية قال لـ «الشرق الأوسط» ان قطعة أرض ناصية على ثلاثة اتجاهات مساحتها 560م.م بمربع 21 الرياض معروضة للبيع بما يعادل 235 الف دولار، وقبل ثلاث سنوات هناك قطعة أرض مماثلة لها في المساحة والموقع وفي ذات الحي بيعت بما يعادل 50 ألف دولار، أي أن السعر تضاعف نحو أربع مرات، وعلى شارع حي الطائف الفاصل ما بين حي الرياض 21 والطائف قطعة أرض مساحتها 570 م.م معروضة للبيع بـ 300 الف دولار، وقطعة أرض اخرى مساحتها 600م.م بـ 350 ألف دولار، قطعة أرض مساحتها 225 م.م في مربع 7 بالرياض معروضة بـ 100 الف دولار.

قال مسؤول بمكتب علاء الدين للعقارات بحي الرياض لـ «الشرق الأوسط» انه في عام 1998 بلغ سعر قطعة الأرض السكنية 600 م.م في الرياض نحو 120 الف دولار وأرتفع سعر قطعة الأرض في عام 2004 الى 260 الف دولار، وهنالك قطع سكنية تعرض بسعر 320 الف دولار، واخرى بـ 450 الف دولار، ولكن للمساحات الكبيرة ما بين 850 و 950 م.م، وهنالك اقبال من جانب التجار وأصحاب المحاصيل وكذلك المغتربين على شراء الأراضي السكنية الخالية من الموانع في هذه الأحياء فيعتبرونها الأضمن من حيث حفظ السيولة الى جانب الحصول على ربح مجز ووفير لدى البيع، مسؤولو وكالات النخيل والحجرات وعلاء الدين للعقارات اتفقوا على ان الاراضي السكنية وبالترتيب الخرطوم واحد والخرطوم اثنين والرياض وجاردن سيتي والمنشية والطائف والمعمورة والمجاهدين وربما مدينة الازهري وحي الصفاء، وكذلك مناطق اركويت وامتداد ناصر رغم أنها تعتبر من دون الاحياء الراقية، أو الأولى، وتصنف كأراض سكنية (درجة ثالثة) الا ان وجودها قرب احياء الرياض والطائف والمعمورة أدى الى رفع قيمتها بشكل حاد، علما بأن هذه الأراضي في احياء اركويت وناصر وزعت لذوي الدخل المحدود في حقبة الستينات والسبعينات، وقيمة قطعة الأرض (مساحة 300 م.م) بـ ثلاثين جنيها فقط، الآن تعرض قطعة الارض فيها بـ420 م.م بامتداد ناصر بنحو 75 الف دولار (الدولار بـ 2600 جنيه).

عزا اقتصادي ورجل اعمال فيحديثه لـ «الشرق الأوسط» ظاهرة ارتفاع أسعار الأراضي في هذه الأحياء وبوجه خاص الخرطوم واحد والرياض وجاردن سيتي وغيرها، الى ان حكومة ولاية الخرطوم التي تنفذ الآن مشاريع كبيرة خاصة باقامة جسور طائرة وتوسيع الشوارع الرئيسية والطريق الدائري في العاصمة وراء ارتفاع أسعار الأراضي السكنية لأنها اخذت في طرح اراض سكنية استثمارية في مزادات علنية وباسعار عالية غير واقعية. وما تحققه حكومة ولاية الخرطوم من عائد الأراضي السكنية وبالاسعار التي حصلت عليها جعلت من ذلك قاعدة بالنسبة لبيع وعرض الأراضي الخاصة بالمواطنين في ذات الأحياء أو المناطق، ونبه الخبير الاقتصادي الى أحياء بعينها كالرياض والطائف. فإنها وزعت كأراض سكنية، ومساحة القطعة 600 متر مربع لموظفي الخدمة المدنية والديبلوماسيين والعسكريين (الجيش والبوليس) وغيرهم في حقبة السبعينات والثمانينات وقيمة القطعة الفا جنيه (2000 جنيه) فقط وشيد معظم المباني من سلفيات من البنك العقاري، وعندما قفزت أسعار الأراضي والمباني بشكل قياسي وربما مجنون وتجاوز كل التوقعات في نهاية حقبة التسعينات واعوام 2000 و 2001 و2002 و 2003 و 2004 فإن الكثيرين باعوا منازلهم في الرياض بتلك الأرقام الفلكية واشتروا منازل جيدة في احياء أخرى واحتفظوا برصيد ومدخرات جيدة لمجابهة متطلبات الحياة المعقولة التي اعتادوا عليها.

اثناء وجود «الشرق الأوسط» في وكالة عقارية جاء مواطن وأبلغها بعدم عرض منزله بالطائف للايجار، فقد باعه لتوه بمبلغ مليار وأربعمائة مليون جنيه، والمنزل يتكون من ثلاثة طوابق، وللمصادفة فإن نفس الرجل وجد منزلا آخر من ثلاثة طوابق لم يتم اكماله بعد فاشتراه على الفور بمبلغ أقل بكثير من المال الذي حصل عليه من صفقة بيع المنزل الأول.

الظاهره الثانية في اراضي الخرطوم، ان الجسور الجديدة، كـ(الخرطوم ـ أمدرمان) رفع قيمة الأراضي الممتدة. وقد نقل مواطن لـ«الشرق الأوسط» انه لدى بداية العمل فيالجسر اشترى ثلاث قطع، قيمة قطعة الأرض 3 ملايين جنيه، وأنه بعد ثلاث سنوات أي بعد اكتمال العمل في الجسر وانتظام حركة المرور فيه فإنه باع احداها بـ 43 مليون جنيه، وانه يتوقع ان ترتفع قيمة القطعتين الاخريين اذا صبر عليهما لعام آخر، فهو قد اشترى القطع الثلاث كاستثمار، وكذلك ارتفعت قطع الأراضي التي تقع قرب الجسر الجديد، الذي يربط الخرطوم بالخرطوم بحري، وقد بيعت في البداية القطعة بـ 3 ملايين والآن القطعة بـ 100 مليون والكبرى لم يكتمل بعد.

اصحاب الوكالات العقارية الثلاث قالوا ان اهل الخرطوم الأكثر اقبالا على شراء الأراضي السكنية ويحثون اولادهم في الخارج على اقتناء الأراضي سواء للسكن أو للاستثمار أو لحفظ المال مع الربح المضمون في حالة البيع لاحقا. ومن جانب آخر فإن الايجارات للمنازل في الأحياء الراقية أو الاحياء الشعبية شهدت بدورها ارتفاعا حادا. فمنزل في مدينة الثورة، وفي الحارة العاشرة بأمدرمان وتعتبر بعيدة ويتكون من غرفتين وحمام وصالون تم ايجاره الشهري، بمليون جنيه (أو نحو 400 دولار) ومنزل آخر في حي شمبات الذي يقع بعد الصافية بالخرطوم بحري، وهو ايضا حي شعبي تم ايجار منزل فيه يتكون من غرفتين بمليون واربعمائة الف جنيه، وعادة ما يتم الدفع مقدما لعام أو لستة أشهر.

في الرياض والطائف والخرطوم 1 و 2، فإن ايجار طابق واحد يعادل ما بين 1500 و 2500 دولار واحيانا الى 3 و 5 و 8 الاف دولار اذا كان اكثر من طابقين وتم ايجاره لشركة أو منظمة أو سفارة.

ان السودانيين القدامى لديهم حكمة قديمة بالنسبة لاقتناء الأرض، فهي لا تبور ولا تضيع، وهي وجاهه لأنها ملك، وهي ثراء لأنها مال، وهي عز لأنها لا تجعل صاحبها في موضع ازمات مالية فهي تحل كل اشكال.

ولكن الجانب الأهم هو أن هذا الجنون في ارتفاع الأراضي والسكن يعود لحكومة ولاية الخرطوم التي تبيع اراضيها الاستثمارية باعلى من سعرها الحقيقي لتغطي التزامات مشاريعها الجديدة، وقد كانت الحكومة هي التي تتحكم في سعر الأراضي وتبيعها باسعار شبه رمزية لتيسر للمشتري والمواطن بناء مسكن الأسرة، ولكن أسعار الأراضي ارتفعت والبناء اصبح مكلفا وباهظا، واصبح الأبناء يتزوجون ويستقرون في منزل الأسرة الكبير لانهم لا يستطيعون الايجار، ولا البناء.