240 مليار دولار تتداول في قطاع المساهمات العقارية السعودية

TT

قبل عامين أقتحمت المساهمات العقارية السوق السعودي، عبر عدد من المخططات التي قامت بتطويرها كبرى الشركات العقارية وطرحتها للاستثمار عن طريق شراء أسهم، وتواصلت حتى شكلت المساهمات العقارية ظاهرة اجتاحت البلاد وتصدرت اهتمامات السعوديين في مجالسهم العامة والخاصة على حد سواء لتعود بوادر طفرة كالتي عاشتها السعودية في السبعينات الميلادية وأصبح طرح مساهمة جديدة حدث تفرد له الصحف صفحاتها للإعلان الذي لا يقل عن صفحة كاملة على مدى أسابيع وتصل إلى صفحتين وفرض ذلك قيام شركات للتسويق العقاري تتولى عملية العرض والإعلان والبيع توعد ملكيتها في العادة لتكتل من العقاريين التي تسهل لهم تمرير أراضيهم عبر أساليب تسويقية متميزة وجديدة.

وينظر الاقتصاديون والعقاريون الى المساهمات العقارية كصاحبة دور مؤثر في الحركة الاقتصادية لتميزها الاستثماري في عدم وجود تذبذب حاد يمكن من السيطرة على المتغيرات بحكم القدرة على تحكم المستثمر في العقار العائد المناسب لا سيما في المجمعات التجارية وعدم خضوع العقار لعملية العرض والطلب بشكل مستمر فيما يعاب عليها التآكل الاستثماري الذي يخفض العائد ويقصد بذلك الخصم على الأصول نتيجة الاستخدام وعدم وجود نسب أشغال 100 في المائة للعقار المؤجر بحكم إمكانية خروج المستأجر وبقاء العقار خاليا وتخفض الصيانة بعد خروج المستأجر العائد ويسهم بقاء الاستثمار العقاري مدة طويلة خاصة في المساهمات من جعل العائد السنوي لا يناسب المبلغ المستثمر مع إمكانية بروز مشكلة.

وقطاع العقارات من القطاعات الاقتصادية المهمة، كما يراها حمد القاسم خبيرعقاري وايضا مدير مؤسسة حمد ابراهيم القاسم للاستثمارات العقارية، ويقول «لذلك فإن حركة نشاط او ركود هذا القطاع تعتبر مؤشرا اساسيا لحجم السيولة النقدية المتوفرة والمتداولة في الاقتصاد المحلي».

ويرى أن وتيرة حركة نشاط قطاع العقارات تؤثر إلى حد كبير في انتعاش أو تقليص حركة القطاعات الأخرى المكملة لها مثل الاستثمارات في البناء وما يتبعها من نشاط المواد الداخلة في البناء مثل الأسمنت والطوب والحديد والأخشاب، وهذا بالطبع ينعكس إيجاباً أو سلباً على قطاع المقاولات والمهندسين وأيضاً على قطاع المفروشات والأثاث والأجهزة والمعدات والأدوات المنزلية وكما يتضح من هذه الأمثلة فإن قطاع العقارات له دور حيوي وفاعل في تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد إذا كان نشطاً أو إبطائها إذا كان خاملاً.

وعن حجم الاستثمارات العقارية في السعودية يقول القاسم «من الصعب تقدير حجم قطاع العقارات في الاقتصاد السعودي بسبب غياب الإحصاءات العلمية التي يمكن الوثوق بها، وما يتردد حالياً من أرقام تضع حجم التداول في الاستثمارات العقارية عند مستوى 900 مليار ريال سعودي لا يعد كونه اجتهاداً يستند الى ملاحظات عامة لحركة سوق العقار التي يبدو أنها تتجه للصعود نتيجة تزايد التوجه نحو المساهمات العقارية التي تروج لأرباح مرتفعة تحاول من خلالها جذب المستثمرين على مختلف مستوياتهم وقدراتهم الاستثمارية».

ويرى القاسم أن غياب فرص الاستثمار الأخرى وإحجام المستثمرين عن طرح مساهمات في مشروعات إنتاجية صناعية أو خدمية، قد شكل عنصر جذب للمساهمات العقارية وجعلها تتسيد الساحة وأوجدت منفذاً استثمارياً للمواطنين بسبب ضعف القدرات التمويلية الحالية لصندوق التنمية العقارية وكانت مخرجاً لحصول المواطن على وحدة سكنية ملائمة خاصة بعد أن أتيحت له فرص الحصول عليها بأقساط ميسرة في مجتمع يشكل الشباب الجزء الأكبر منه.

ويرى خبراء عقاريون، أن هذا التوجه سيقود قطاع العقارات إلى طفرة جديدة وإن كانت ملامحها تختلف عن فترة الطفرة الأولى، التي عايشها الاقتصاد السعودي خلال حقبة منتصف السبعينات من القرن الميلادي المنصرم، وتتجسد أبرز هذه الملامح في تطور سوق العقار واعتماده على أسس التسويق المهني، التي تستفيد من آلية المعارض العقارية المدعومة بحملات ترويج ودعاية مكثفة، تفصح عن منافسة قوية في سوق قوية تجاوزت الطرح التقليدي للسكن عبر مكاتب العقار البدائية. وهنا يعتقد عبد الرحمن السماري كاتب سعودي، أن القفزات الكبرى التي حققها ويحققها سوق العقار هذه الأيام تذكِّيراً للناس بسنيّ الطفرة وأيام المساهمات العقارية والألف يتحول إلى عشرين والمليون يصبح خمسين مليوناً، نحن نعايش هذه الأيام طفرة عقارية، أراضٍ في أقاصي الدنيا المتر بمئات الريالات ومساهمات وشركات عقارية واستثمارية وكأن الرياض ستتضاعف مائة مرة أو ستنتقل من مكانها إلى مكان آخر خلال ستة أشهر ففي الشمال (99 في المائة) من المحلات عقارية. وفي مقالة نشرت له في صحيفة «الجزيرة» السعودية يقول عبد الرحمن السماري «تدخل أحد الشوارع فتجد المكاتب العقارية مرصوصة تشبه مباسط البطحاء قبل ثلاثين سنة أو مباسط البيض في سوق المقيبرة في هذه المكاتب ينثرون المخططات ويحفظونها حفظاً ويحفظون الأراضي كالمسّاحين ويعرفون كل شيء». ويقول«أراض لا يمكن أن تتخيل أن الرياض ستصلها قبل مائة عام على الأقل، فيها مضاربات عقارية بشكل محموم ومزايدات وأخذ وعطاء وقد دُفع فيها مئات الملايين بدلاً من أن تشتغل في مشاريع نافعة منتجة تنفع المواطن في أكثر من اتجاه».

لقد تم ضخ مليارات الريالات في العقار وتضاعفت أسعاره عدة مرات وبلغ سعر المتر في بعض الأحياء السكنية ألفي ريال وكان قبل ثلاثة أشهر بسبعمائة ريال ومع ذلك ما زالت الملايين والمليارات تُقذف هناك. وتسأل السماري عن هذه المبالغ الخيالية لو اتجهت إلى مصانع أو أي مشاريع نافعة منتجة تستقطب الشباب المؤهل وتتيح فرص العمل لآلاف منهم؟ ولتنظيم السوق أصدرت وزارة التجارة والصناعة السعودية قراراً حديثا يهدف الى عدم التلاعب بحقوق المساهمين ومصداقية سوق العقار، ويتضمن القرار، طرح المساهمات العقارية بإحضار ما يفيد قيد المكتب العقاري في السجل التجاري واشتراكه في الغرفة التجارية وتحديد الموعد النهائي لتصفية المساهمة على ألا يتجاوز ثلاث سنوات مع بيان قيمة السهم الواحد وما يثبت اعتماد المخطط من البلدية المختص.

وألزمت بإحضار صك الملكية للأرض المراد طرحها للمساهمة وأن يتعاقد مقدم الطلب مع محاسب قانوني مرخص يتولى حساب المساهمة من البلدية وحتى تمام التصفية، فيما قصرت طرح المساهمات على المكاتب العقارية المرخص لها وشركات التضامن. ودعت الوزارة إلى عدم الاشتراك في أية مساهمة عقارية إلا بعد التأكد من استيفاء الجهة المعلنة للشروط وحصولها على ترخيص بذلك من وزارة التجارة والصناعة للحصول على الترخيص اللازم قبل الإعلان عن طرح المساهمة للمواطنين تفادياً لتعريض أنفسهم للمساءلة النظامية.

ويرى الخبراء العقاريون، أن هذه العمليات الاستثمارية في المساهمات العقارية، يتجه إليها المستثمرون ليس من أجل البناء فيها، بل من أجل تحقيق أرباح. فمديرو محافظ المساهمات العقارية يعتمدون عمليات التداول المتكرر للعقار من أجل جني أرباحه وبعضهم يلجأ إلى طرق ليست مناسبة على حجم رأس المال في السعودية، فمثلا يمكن أن يشتري أرضا معينة بسعر أعلى من قيمتها الحقيقية ولذا فإنه قد يدفع مبلغا عاليا من أجل إفراغ الأرض ويقوم بتقسيمها وبيعها على مساهمين ويقوم هؤلاء بالمضاربة عليها ورفع سعرها. وهناك مدخرون يرغبون في استثمار مدخراتهم وللأسف لا توجد قنوات ولذا يلجأون للعقارات كخيار متاح أمامهم.