«أوبك» تتجه للاتفاق على رفع الإنتاج في اجتماع بيروت اليوم وسط تأكيدات على أن الأسعار تقررها الأسواق

أسعار البترول تتراجع في نطاق محدود * النعيمي : السعودية تدعم زيادة إنتاج أوبك والسعر المستهدف بين 22 و28 دولارا للبرميل

TT

أبوظبي: تاج الدين عبد الحق ـ لندن: «الشرق الأوسط» والوكالات : تتجه انظار العالم الى بيروت اليوم، لمتابعة الاجتماع الاستثنائي لوزراء الدول المصدرة للنفط (اوبك) وما سيصدر عنه من توجهات وقرارات لمواجهة الارتفاع الدراماتيكي القياسي في اسعار النفط الخام ومشتقاته، والذي يهدد بتداعيات واسعة على مستوى الاقتصاد العالمي واقتصادات الدول المستوردة.

ويحظى اجتماع بيروت باهتمام غير مسبوق عكسته المتابعة السياسية والاقتصادية والاعلامية من شتى انحاء العالم وعدم استجابة الاسواق والبورصات للتصريحات المتتالية لوزراء نفط البلدان المصدرة باستعدادها التام لزيادة الانتاج وباتخاذها لكل الاجراءات الكفيلة بحماية المنشآت والمنصات وخطوط التوريد، فيما تشهد الاسواق سريان تحليلات وتوقعات ببلوغ الاسعار مستويات قياسية جديدة.

الى ذلك شهدت أسعار النفط تراجعا في التعاملات المبكرة للمبادلات الإلكترونية التي تسبق الافتتاح الرسمي للاسواق، في اطار حركة تصحيح صغيرة بعد المستويات القياسية التي سجلت أول من امس. وتراجع برميل نفط برنت بحر الشمال تسليم، 28 سنتا مسجلا 38.30 دولار.

وعلى صعيد أسعار النفط تراجع الخام الاميركي في العقود الآجلة في بورصة نيويورك التجارية «نايمكس» أمس بعد صعوده ، لمستويات قياسية، وسط مخاوف بشأن أمن النفط فيما تعهد وزراء نفط اوبك في بيروت بزيادة الانتاج.

وتراجع سعر الخام الأميركي الخفيف في التعاملات المبكرة على عقود يوليو في نايمكس 53 سنتا الى 41.80 دولار للبرميل بعد ان انهى التعاملات الليلية قبل الماضية الى 42.08 دولار للبرميل.

وذكرت وكالة أنباء أوبك «أوبكنا» أمس أن سعر سلة خامات أوبك ارتفع أول من امس الى 37.64 دولار للبرميل من 36.17 دولار يوم الاثنين. ولا تزال سلة أوبك فوق الحد الاقصى من النطاق السعري المستهدف للمنظمة بين 22 و28 دولارا للبرميل منذ بداية العام الحالي.

وقد توالت امس التصريحات الوزارية لطمأنة الاسواق، وكان ابرزها لرئيس الدورة الحالية لمنظمة اوبك، وزير النفط الاندونيسي بورنو يوسكان تورو ووزير البترول السعودي علي النعيمي ووزير النفط الاماراتي عبيد الناصري ووزير البترول المصري سامح امين فهمي.

وقال الوزير الاندونيسي «يجب على منظمة اوبك العمل على كيفية امداد السوق بالنفط، ومن ثم توزيعه على الدول. حاليا ليس لدي اي فكرة عن الكمية التي تحتاجها كل دولة. ثمة دول يمكن ان تحتاج لهذه المادة المهمة اكثر من دول اخرى، ولا يجب ان تؤثر الاحداث الارهابية التي جرت اخيراً في الخبر بالسعودية على اسعار النفط، لان هذه الاحداث يمكن ان تحصل في اي دولة في العالم». واضاف: «خلال اجتماع بيروت سنناقش الامور بجدية، وسنعمل على درس المقترحات المقدمة من الدول الاعضاء في ما يتعلق برفع سقف الانتاج الرسمي بما يعادل 2.3 مليون برميل يوميا.

وتابع تورو «ان الاوضاع السياسية تؤثر على اسعار النفط، ونريد ان نجتمع لنعرف ما هي الطاقة الاحتياطية، هناك بعض الدول التي تنتج بكامل طاقتها بينما بعض الدول الاخرى لا تنتج بكامل طاقتها. فالمنظمة تنتج حاليا حوالي 88 % من طاقتها القصوى، وسنسعى لنعرف ما اذا كان رفع الانتاج بين 2 و2.5 مليون برميل في اليوم هو مناسب، سنناقش هذا الامر وسنعمل ما في وسعنا لخفض الاسعار».

وفي تصريحات موازية على هامش محاضرة له امس في بيت الامم المتحدة في بيروت حول «السياسة البترولية السعودية»، أكد وزير البترول السعودي علي النعيمي «انه ما من مانع لدى السعودية لدعم اوبك لرفع سقف المنظمة من 20 الى 26 مليون برميل، بل لديها استعداد كامل للقيام بذلك، ويجري هذا بالتعاون مع الدول الكبرى التي لديها طاقة انتاجية. في الوقت الحاضر هذا مفيد لكنه قد لا يحل مشكلة ارتفاع الاسعار».

ورداً على سؤال حول علاقة النمو الاقتصادي ومعدلاته بارتفاع سعر البرميل والضجة العالمية التي اثيرت بهذا الشأن، قال النعيمي: «لا يخفى عليكم ان البترول اهم مصدر للطاقة في العالم وهو يدخل في كل صناعة ولا يستغرب ان يحدث ارتفاع سعره ضجة. لكن السؤال هو، هل القطاع سيؤثر على نمو الاقتصاد العالمي او على الناتج القومي للدول المستهلكة. يصعب الاجابة على ذلك حتى حدوث سعر عال جداً. حينها نرى اذا كان أثر على نمو الاقتصاد العالمي او على الناتج القومي للبلد المستهلك. عموماً الكل يتطلع لتخفيض سعر اي شيء يستعمله. وهذا شيء طبيعي ونتعامل معه بهدوء واقناع. اليوم ما من صعود في الاسعار. هناك تصورات خاطئة حول مقدرة الدول المنتجة وبالمقابل هناك تطور في منشآت البترول. والاستنتاجات السائدة اليوم غير واضحة. دول الاوبك جميعها مهتمة بموضوع السعر ولا نريد اسعارا عالية، لان ذلك سيؤثر ـ في آخر الامر ـ سلباً على نمو الاقتصاد العالمي. نتحاشى ان نكون قريبين من ذلك لان نمو الاقتصاد العالمي لمصلحتنا. فنحن جزء من هذا العالم ويهمنا ان يزداد الطلب على البترول».

وبسؤال «الشرق الأوسط» لوزير البترول السعودي عن مدى تأثير هبوط سعر الدولار مقابل اليورو سلباً على النفط واسعاره. وهل هناك امكانية لاعتماد التسعير باليورو. وعن تأثير العمليات الارهابية على قطاع النفط في السعودية؟

أجاب «لم نفكر بالتداول في البترول بغير الدولار، لكن مما لا شك فيه ان انخفاض الدولار امام العملات الاخرى أثر سلباً على مقدرة شراء البضائع الضرورية لنا من الدول الاوروبية. لذلك ارتفع السعر عما هو متعارف عليه. مما ادى الى انخفاض في القيمة الشرائية. اما بشأن الارهاب فإن السعودية تعمل جادة في مكافحة الارهاب وهي تنجح في ذلك، وهذا القطاع محض من اية تداعيات». ورداً على سؤال حول ما اذا كان ارتفاع السعر هو بسبب المضاربة ام نتيجة القلق حول مستقبل امدادات النفط، اجاب النعيمي: «ذكرت ان ارتفاع الاسعار يحصل نتيجة نمو الطلب. في شهر نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي وعندما اصدرت منظمة وكالة الطاقة الدولية اول بيان لها، قالت ان النمو العالمي للبترول في عام 2004 سيكون بحدود مليون الى مليون و100 الف برميل ثم وصل الى مليوني برميل في اليوم. هناك زيادة فعلية والمخزون العالمي جيد. هناك توهم ان الارهاب يهدد جميع المنشآت البترولية في العالم. واعتقد ان المنشآت في السعودية من اكثر الاماكن اماناً في العالم وتتم المحافظة عليها بشكل قوى جداً لمنع العبث بها. عندما يقع حدث ما حتى ولو كان قريباً من منشآت البترول والغاز يجتهد المحللون بالتحليل والتفسير مما يخيف الموظفين والناس. ارامكو اقوى الشركات في العالم ولديها كوادر وطنية متعلمة وقادرة. ولا نسمح للمضاربين بالاساءة. لنحافظ على سعر معين يجب ان تقوم مجموعة دول او دولة بتغيير سياستها وان يكون لدينا استعداد لمجاوزة العرض والطلب.».

وعما اذا كان هناك تخوف من نزوح اجنبي من السعودية، لا سيما اثر عمليتي ينبع والخبر قال: «مقدرة السعودية على الانتاج لن تتأثر والانتاج لن يتوقف اذا غادر السعودية خمسة او عشرة اجانب». وحول السعر المعقول والعادل للبرميل، قال انه «يجب ان يتراوح ما بين الـ 22 الى 28 دولارا».

من جهة أخرى اقتربت الامارات من انتاج ثلاثة ملايين برميل من النفط الخام يوميا عندما أعلن عبيد بن سيف الناصري وزير النفط والثروة المعدنية الاماراتي ان بلاده ستنتج 400 ألف برميل اضافية عن حصتها الانتاجية اعتبارا من شهر يونيو (حزيران) الجاري، وذلك لتلبية طلبات الزبائن والمساهمة في تهدئة أسواق النفط العالمية واستقرار الاقتصاد العالمي وتبلغ الحصة الاماراتية قبل الزيادة الجديدة حوالي 2.4 مليون برميل يوميا.

واعتبر وزير النفط الاماراتي «ان اسباب ارتفاع الاسعار كثيرة منها سياسية واقتصادية وغير ذلك، والاوبك تحاول وتسعى الى تهدئة الاسعار وطمأنة المستهلكين على اساس ان ليس هناك نقص في الامدادات ولن يحصل هناك اي تقصير من جانب الاوبك التي تنتج اكثر من سقف الانتاج الرسمي بمليوني برميل او اكثر حتى».

من جهته قال وزير النفط المصري: «اعتقد ان الاجتماع مهم جداً، وهذه هي المرة الاولى التي ترتفع فيها اسعار النفط الى هذه الدرجة، ومنظمة «اوبك» لم تشهد حتى الآن ارتفاعاً الى هذا الحد في الاسعار، وهي اطول مدة يبقى فيها السعر مرتفعاً، اذ كان في الماضي يرتفع لفترة وجيزة ثم يعود الى استقراره. وبرأيي هناك اسباب عديدة لهذا الارتفاع في الاسعار، لا تتعلق فقط بالحساسيات، انما تتعلق بالظروف المحيطة، والواضح ان هناك مشكلة في العرض والطلب».

من جهته دعا شكيب خليل وزير الطاقة الجزائري أمس، الدول الاعضاء في منظمة أوبك الى وقف العمل بحصص الانتاج، قائلا ان هذا هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله للمنظمة خفض الاسعار. وصرح وزير النفط القطري عبد الله العطية أمس، انه يعتقد ان جميع اعضاء اوبك يؤيدون زيادة انتاج المنظمة بواقع 2.5 مليون برميل يوميا في اجتماعهم اليوم الخميس.

وقال العطية في مقابلة «اوبك تريد ان تبعث برسالة قوية الى السوق ولكن لا يمكننا السيطرة على عامل الخوف والمضاربين والمخاوف السياسية». وأضاف انه لا يعتقد ان اوبك ستعلق العمل بنظام حصص الانتاج. وأظهر استطلاع أجرته رويترز أمس، أن استمرار أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة خالف التوقعات مرة أخرى ودفع بالمحللين الى رفع توقعاتهم لسعر مزيج برنت لعام 2004 بنسبة ثمانية في المائة هذا الشهر لاكثر من 32 دولارا للبرميل. وبلغ متوسط توقعات 16 محللا لسعر برنت 32.41 دولار للبرميل هذا العام ارتفاعا من 29.94 في أوائل شهر مايو(ايار) الماضي.

وكان وزير البترول السعودي علي النعيمي قد حاضر في مقر الامم المتحدة في بيروت أمس حول «السياسة البترولية السعودية وأبعادها المحلية والاقليمية والعالمية» وذلك بدعوة من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (اسكوا) التابعة للأمم المتحدة.

وبعد كلمة تعريف مقتضبة لوكيل الامين العام للأمم المتحدة الدكتورة ميرفت تلاوي، عرض النعيمي لدور السعودية والدول العربية في امداد العالم باحتياجاته من البترول، حيث يبلغ احتياطيها 261 مليار برميل، اي ما يماثل ربع الاحتياطي العالمي الثابت والقابل للانتاج، فيما يبلغ احتياطي الوطن العربي حوالي 700 بليون برميل مرشح للزيادة.

وقال:«ان السياسة البترولية للسعودية هي امتداد للنهج والسياسة المعتدلة والمتوازنة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تراعي مصالح جميع الاطراف والقوى وتوازن بين الحاضر والمستقبل، فالسعودية تعمل بمبدأ سياسة الاعتدال والتعاون مع الجميع من اجل السلام والنمو الاقتصادي والرخاء، ولذا تهدف السياسة البترولية الى استقرار السوق البترولية الدولية من خلال توازن العرض والطلب، مع وجود مخزون بترولي تجاري مناسب، يعكس تطورات الاستهلاك خلال فصول السنة المختلفة». وأضاف «من هذا المنطلق تعمل السعودية مع دول الأوبك على استقرار الاسعار في نطاقها السعري المحدد ما بين 22 الى 28 دولاراً لسلة المنظمة، ولا شك أن البعض يتساءل عن أسباب بقاء الاسعار خارج النطاق المستهدف لعدة أشهر، وبدون ان يظهر للعيان ما تقوم به أوبك من جهد لاعادة الاسعار الى هذا النطاق. وهنا احب ان اشير، وبخلاف ما هو معتقد لدى البعض، الى ان دول الاوبك لا تستطيع دائماً التحكم في الاسعار، فدور الاوبك يقتصر على العمل على تحقيق التوازن بين العرض والطلب في سوق البترول الخام. اما الاسعار فتحددها السوق وتتأثر بعوامل عدة اغلبها خارج نطاق الاوبك، منها وجود دول مصدرة اخرى غير اعضاء في الاوبك واوضاع سوق المنتجات البترولية كالبنزين وزيت التدفئة في الاسواق الرئيسة مثل الولايات المتحدة واليابان واوروبا الغربية، والتطورات السياسية في بعض الدول المنتجة، وسلوك المضاربين وصناديق الاستثمار واتجاهها نحو المضاربة بعقود البترول الاجلة، والكوارث الطبيعية، ودرجة برودة الطقس خلال فصل الشتاء وغير ذلك».

وبعدما عرض الدور السعودي داخل نادي البلدان المنتجة على المستويين العربي والدولي، تطرق النعيمي الى الركائز المعتمدة في السعودية لبناء صناعة بترولية متميزة يتناسب مع ملكيتها لاكبر احتياطي في العالم.

وتحدث النعيمي عن دور الصناعة البترولية في الاقتصاد الوطني موضحا أن «البترول يسهم بشكل كبير في اجمالي الناتج المحلي، وفي ايرادات الدولة، وميزان المدفوعات، والصادرات الخارجية.

كما ان النفط والغاز يلعبان دوراً اساساً في انشاء صناعات وخدمات اخرى مرتبطة بهما، لعل من اهمها الصناعات البتروكيميائية. وقد استطاعت السعودية، خلال العقود الثلاثة الماضية انشاء صناعة بتروكيميائية متميزة، بحيث اصبحت من اهم الدول المنتجة والمصدرة للبتروكيميائيات في العالم، وبحصة تصل الى نحو 8% من انتاج البتروكيميائيات عالمياً. ومن المتوقع لهذه النسبة ان ترتفع خلال السنوات القادمة.