المساهمات العقارية .. ما خفي أعظم

سعود الأحمد*

TT

مع كثرة المساهمات العقارية التي يعلن عنها في الصحف المحلية هذه الأيام، علينا أن نتذكر أن من الطبيعي أن الغرض من ذلك الإعلان هو تسويقها... ودع عنك المصداقية والشفافية التي قد يقولون، لأنك إذا نظرت لعقود اتفاقياتها وسندات تلك المساهمات، رأيت العجب العجاب... وتستغرب كيف يبقى الباب مفتوحا لبعض هذه المساهمات، وهي في الحقيقة الطريق الأقصر لثراء فئة قليلة على حساب عامة الناس من دون وجه حق.

ففي هذه السندات من الشروط ما لا يجيزه عقل ولا منطق!... ولست هنا بصدد الحديث عن رواية من أحد (على ذمة يقولون)، لكنني أتحدث عن مساهمة عقارية، في أرض مشاعة بمساحة تزيد عن المليون ونصف المليون متر مربع تقع على حدود واحدة من أهم المدن الرئيسية السعودية (كنت على وشك المشاركة بها شخصيا). وبصرف النظر عن كونها قد تربح وقد تخسر، فهذه أمور غيبية تحكمها عدة مؤثرات تصنعها ميكانيكية السوق (لها ولغيرها من المساهمات العقارية). لكن الذي يحز في النفس أن شروط المشاركة في هذه المساهمة توحي بحجم المخاطرة، ولا تجد من يضع لها حداً ليوقفها. فمن بين هذه الشروط، أن صاحب المكتب مفوض تفويضاً مطلقا ببيع المساهمة جملة أو مجزأة، بالسعر الذي يراه من دون مراجعة المساهمين، وأنه ليس من حق المساهم الاعتراض أو الشفعة... وهذا شرط قد يكون له ما يبرره، لولا إساءة البعض لهذه الثغرة ليتلاعب بحقوق المساهمين. فتجد مدير المساهمة يتعمد عند التقسيم وضع القطع التجارية في شكل مخططات أو قطع كبيرة، يعلم مسبقاً أن مبالغها فوق طاقة صغار المساهمين، ولذلك يقيمها بأسعار معتدلة. في وقت يختص القطع الصغيرة التي يعتقد أنها ستكون بمبالغ تقارب مستحقات صغار المساهمين باسعار مرتفعة. ناهيك أن التسعيرة ليس لها اساس أو مرجع وانما يحكمها هوى وتقدير مدير المساهمة، مستغلاً كون المساهمين في وضع يريدون التخلص، بشراء قطع قريبة من مستحقاتهم، ليسلموا من طول الانتظار، إذ ليس أمامهم سوى شراء هذه القطع الصغيرة حتى ولو كان سعرها مبالغ فيه.

ومن المتعارف عليه، أن معظم أسعار القطع التي تباع لا تقارن بالسعر السوقي الحقيقي، لذلك تجد بعض المساهمات تعلن عن ربح خمسين في المائة أو أكثر، اعتماداً على تسعيرة المزاد، وأن المشترين هم المساهمون الراغبون في التخلص باقل الأضرار. في وقت لو وجد المساهم من يدفع له عن قطعة الأرض التي أشتراها نصف ثمنها لما تردد!... بمعنى أن نسبة الربح التي يعلن عنها في العديد من هذه المساهمات ، وهمي.

والحل ممكن بوجود خبير «مثمن عقاري» مستقل يثمن القطع بعد التجزئة، تعينه الجهات الرسمية المختصة، إضافة إلى تعيينها للمحاسب القانوني. وهذا المقترح، بالمناسبة، سيحد بشكل كبير من هذا التصاعد الجنوني غير المبرر في أسعار الأراضي السكنية، على حساب المواطن العادي، حتى صارت قيمة الأرض السكنية في المدن الرئيسية فوق طاقة الموظف (ولو كان أستاذ جامعي)!. لأن السبب الحقيقي وراء ارتفاع الأراضي السكنية، يعود إلى أن آلية تسعير قطع المخططات السكنية الموزعة (يتم بلا رقيب ولا حسيب)، ولكونها تباع من وإلى أصحابها، فتؤدي إلى التأثير بزيادة في أسعار الأراضي بالمخططات المجاورة لها... وهكذا.

أكثر من ذلك أن هناك مساهمات يكتب في سنداتها أن مكتب مدير المساهمة، لن يحتسب على المساهمين أية مصاريف أو سمسرة، لكنه يضع في آخر الشروط فقرة تقول إن له نصف الربح (إضافة إلى السعي من بيع القطع الموزعة). وهذه نقطة يجب التوقف عندها.

فمدير المساهمة سيحصل على نصف الربح (صافي) وبالأخذ بالاعتبار أنه هو الذي سيثمن أسعار القطع، ومن الطبيعي أنه كلما زادت أسعارها زاد الربح الاجمالي ليزيد نصيبه منه. فبالنسبة للمساهمين يكسبون من التثمين لكنهم يخسرون عند الشراء بهذه الأسعار المبالغ فيها! بينما المدير يحصل على ربح صاف (وفاحش في ذات الوقت)... وبالطبع له الخيار أن يشتري به من الأراضي بالمزاد (ليأخذ أحسن القطع التجارية نظير حصته في نصف الربح) أو يحتسب الربح نقدياً لنفسه من باقي قيمة المساهمة!.

أضف إلى ذلك أن من بين الشروط بسندات بعض المساهمات، أن التصفية النهائية تتم بعد استكمال البيع وخصم ثمن الإعلان وغيره، من دون تحديد للمدة التي يتم خلالها التجزئة والحراج على القطع، ودون تحديد للمدة التي يتم خلالها التصفية، ودون ذكر لقيمة المرافق. ومعنى ذلك أنه يمكن لصاحب المكتب أن يعلق المساهمة إلى ما شاء الله، ويستفيد من الأموال المستلمة (يتاجر بها) لحسابه وإلى أن يطالبه المساهمون ويتمكنوا من الحصول على حقوقهم، يكون قد تاجر في قيمة المساهمة وأثرى على حسابهم... وبالمناسبة هذا الشرط قد يكون فيه تجهيل مما يعني بطلان العقد شرعاً.

بالطبع هذا فيض من غيض، لكن النداء يوجه لوزارة التجارة للتدخل لمتابعة كافة المساهمات العقارية، وفحص بنود اتفاقياتها، وفرض العقوبات الرادعة لما يتم منها خلف الكواليس مرتكباً المخالفات، في اسرع وقت ممكن، وعدم ترك الحبل على الغارب كما سبق وحدث في العقود الماضية... وحتى لا نلوم أنفسنا بعد فوات الأوان.

* محلل مالي سعودي