تقرير: المطالبة بمعاملة الأجنبي مثل المواطن بشأن خسائر الاستثمار وإصدار تشريعات مفصلة لا مكان فيها للاجتهادات الشخصية

TT

توقع تقرير اقتصادي ان تدفع الظروف الحالية تشريعات الاستثمار العربية إلى الاسراع في معالجة النقائص واضافة نصوص جديدة مثل تلك التي تنص على معاملة الخسائر في حالات الطوارئ والحروب، أو تغيير البنود القديمة مثل تلك الخاصة بالاعفاءات الضريبية. واشار تقرير اعدته المؤسسة العربية لضمان الاستثمار صدر اخيرا تحت عنوان «تقرير مقارن عن تشريعات تشجيع الاستثمار في الدول العربية وما يقابلها في بعض دول العالم الاخرى» إلى أن التشريعات العربية في هذا المجال تختلف في الكثير من بنودها عن غيرها من التشريعات التي نجحت في توفير بيئة جاذبة للاستثمار الاجنبي، مؤكدا ان أمورا مثل الشفافية، التعتيم، عدم التحديد الدقيق للاجراءات والجهات أو الاختصاصات، تقييد حرية الاستثمار، عدم ثبات التشريعات، تجاهل الشركات الاممية، تعتبر جميعها سلبيات ما زالت تقف حجر عثرة أمام الاستثمار الاجنبي المباشر في الدول العربية.

واضاف التقرير إلى أن الدول العربية كمجموعة لم تنجو كذلك من وجود اختلافات فيما بين تشريعاتها هي نفسها، بل تعددت هذه الاختلافات بتعدد العوامل الموجبة لها من ظروف سياسية واقتصادية. ورصد التقرير ابرز اختلافات التشريعات الخاصة بالاستثمار في الدول العربية عن غيرها من تشريعات الاستثمار في مجموعة منتقاة من دول العالم الاخري. فعلى سبيل المثال تنص بعض تشريعات الاستثمار في بعض دول العالم على معاملة الخسائر التي يتعرض لها المستثمر الاجنبي في حالات الطوارئ والحروب ذات المعاملة التي تتلقاها خسائر المواطن، الا أنه لا وجود لمثل هذه المعالجة في تشريعات الاستثمار في الدول العربية. وتنص كذلك بعض تشريعات الاستثمار في دول العالم على ضرورة أن تتسم الاجراءات الادارية المتعلقة بالعمليات الاستثمارية بالشفافية وان تبتعد عن التعتيم وعدم الوضوح بشأن الاجراءات أو الجهة التي تنفذها واختصاصاتها ومكانها، أو كيفية التظلم، في حين لا وجود لمثل هذه النصوص في تشريعات الاستثمار العربية. وتتبني دول العالم تشريعات خاصة بالهيئات المسؤولة عن تشجيع الاستثمار، من حيث تشكيلها واختصاصاتها وسلطاتها واعتماداتها المالية وادارتها والتظلم من قراراتها، اما الدول العربية فقد اغفلت ذلك في صلب التشريعات المختصة بالاستثمار حيث تتجاهل تحديد الجهات الحكومية المسؤولة على التعامل مع المستثمر ويترك للاجهزة الحكومية المختصة مسؤولية ذلك التعامل.

وبطبيعة الحال تتجه معظم التشريعات في دول العالم إلى تشجيع الاستثمارات في كافة المجالات، الا ما يتم استثناؤه بموجب تشريع الاستثمار ذاته، أي انها تقضي بان الاصل هو حرية الاستثمار في كل المجالات، وان الاستثناء هو ما يقيد بموجب تشريع الاستثمار. ولكن الحال في تشريعات الاستثمار العربية فهو على عكس ذلك، اذ انها غالبا ما تتجه نحو تشجيع الاستثمار في مجالات معينة تحددها في صلب التشريع، مما يعني انها تقصر الاستثمار على تلك المجالات من دون غيرها، وفي بعض الاحيان الاخرى تضيف عبارات عامة تجيز للسلطات المختصة اضافة أو اعتماد مجالات اخرى للاستثمار. كما اشار التقرير إلى أن بعض الدول تولى اهمية كبيرة للاعلان عن فرص الاستثمار المتاحة لديها، والى رفع المستويات حيث يضطلع مجلس الوزراء بمسؤولية الاعلان عن انواع واحجام النشاطات الاستثمارية المطلوبة، وتحديد شروطها كما هو الحال في تايلند التي يدعو تشريعها صراحة الى عدم مباشرة أي نشاط لمنافسة الاستثمارات القائمة. ولا تغفل تشريعات بعض الدول مثل «لاوس» المنافع المتبادلة بين المستثمر والدولة المضيفة من عمليات الاستثمار، بل يأخذ التشريع من ذلك سببا من الاسباب الموجبة لاصداره، اما في تشريعات الدول العربية فلا يوجد مثل هذا الربط المنطقي والعملي بين موجبات التشريع والمعطيات المحلية، وهو ما يعبر عن عدم ادراك الدولة لاهمية ذلك الربط ورغبتها في تحويله إلى سلوك ايجابي في التعامل مع المستثمر.

وتربط بعض تشريعات الاستثمار في بعض الدول بين نسبة الاعفاءات الضريبية وحجم الصادارت التي يحققها المشروع الاستثماري، فكلما زاد حجم الصادرات زادت نسبة الاعفاء الضريبي والعكس بالعكس، اما في المشروع العربي فقد قرر في هذا الشأن وغيره فيما يتعلق بالاعفاءات الضريبية نسبا معينة وثابته تسري على كل المشاريع الاستثمارية من دون ادنى تميز بينها سواء من حيث الانتاج أو التصدير.

ومن حيث واجبات المستثمر وحقوقه فإن بعض دول العالم تتجه إلى احالة تشريعات الاستثمار إلى تشريعات عامة قائمة وسارية المفعول مثل التشريع «المولدوفي» الذي يحيل المستثمر إلى التشريعات المالية والمحاسبية السارية للوقوف على التزاماته، اما في الدول العربية فان التوجه التشريعي العام يكاد ينحصر في النص على التزامات وواجبات المستثمر في صلب تشريع الاستثمار.

من جهة اخرى تخاطب تشريعات الاستثمار في بعض دول العالم كافة فئات المستثمرين سواء كانوا وطنيين أو اجانب بالإضافة إلى الشركات الاممية، اما تشريعات الاستثمار العربية فان المخاطب فيها عادة ما ينحصر في المستثمر الوطني أو الاجنبي أو كلاهما معا ولا تأتي على ذكر الاشخاص الذين لا جنسية لهم.

ويذكر التقرير أن كافة تشريعات الاستثمار في دول العالم تتميز بالتفاصيل الدقيقة التي تعالج كل المسائل الموضوعية والاجرائية المتعلقة بالعملية الاستثمارية، بالإضافة إلى تبنيها للوائح تنفيذية كما في تشريعات الاستثمار في «المكسيك» و«اليونان» و«اندونسيا»، مما يجعلها لاتحتاج إلى أي تفسير أو اجتهاد، اما تشريعات الاستثمار العربية فقد جاءت غالبيتها مختصرة ومقتضبة ومفتقرة إلى دقة التفاصيل مما يتيح الفرصة إلى الاجتهادات الشخصية من قبل المسؤولين المحليين في تفسير وتطبيق احكامها واجراءاتها.