لماذا نتردد في عمليات التمويل الإسلامي؟

سعود الأحمد*

TT

المتابع للعمليات المصرفية في مجال التمويل الإسلامي، يلاحظ أن البنوك السعودية بدأت متأخرة وبخطى متثاقلة في هذا المجال، رغم أن المجتمع السعودي بيئة خصبة وواعدة في هذا المجال، وأن الفكرة أصلها سعودي. فلماذا تسبقنا البنوك الأخرى.. ؟ لدرجة أننا بدأنا نعود لنستورد من الخارج الأفكار الإسلامية التمويلية التي كنا مصدرها. ولتبدأ بنوكنا في التكييف الشرعي لمعظم العمليات المصرفية، أليس شعارنا أن ديننا الإسلامي «دين وعمل» وصالح لكل زمان ومكان. ولست في حاجة هنا للحديث عن أسماء البنوك الإسلامية السعودية التي بدأت الفكرة أصلاً، وفتحت لها الفروع خارج الوطن... في مصر والبحرين والسودان، وكلها دول لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون مجالات الاستثمار فيها أرحب من البيئة السعودية، لا سابقاً ولا حاضراً. فنحن في السعودية أهل الفكرة، وبعض بنوكنا كانت وما زالت على هذا النهج منذ تأسست، وليس أدل على ذلك من شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، التي منذ أعلنت عن طرح أسهمها للاكتتاب قبل حوالي عشرين عاماً، وهي تتعامل مصرفياً استمراراً لما كانت عليه إسلامياً وتحت إشراف هيئة شرعية مستقلة تقدم تقاريرها للمساهمين. وأخيرا بنك الجزيرة السعودي الذي تحول إلى العمليات الإسلامية بالكامل، وقد حضرت الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة، وسرني جلوس بعض أصحاب الفضيلة المشاركين في الهيئة الشرعية للبنك، إلى جانب معالي نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر، مما يؤكد دعم المؤسسة لهذا التوجه. وعلى الصعيد نفسه... لعل العديد منا طالع الخبر الذي نشرته «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي (بعددها 9325) بأن البنك الأهلي التجاري السعودي يتجه إلى تحويل بعض عملياته المصرفية إلى المالية الإسلامية... هذا على المستوى المحلي.

وعلى المستوى الإقليمي، فالبحرين يشهد لها التاريخ بأنها بدأت منذ أكثر من ربع قرن في هذا التوجه، وما زالت الخطى تسير حثيثة فيها لتوسيع نطاقه. وفي العديد من الدول الخليجية هناك خطوات تبرهن على التوجه العام نحو التمويل المصرفي الإسلامي، ومن ذلك ما نشر عن بنك دبي الإسلامي أنه حصل أخيرا على تفويض من دائرة الطيران المدني لإصدار صكوك «سندات» إسلامية بقيمة 750 مليون دولار أميركي (الاقتصادية عدد 3898). وعلى المستوى الإسلامي، ففي دولة مثل باكستان بدأت تعمل في نشاط تمويل القروض الإسلامية، ولها تجربتها التي يجدر بالعالم الإسلامي أن يستفيد منها. وعلى المستوى العالمي، فأشهر بنك عالمي وهو البنك الأميركي تشيز منهاتن (على ما أذكر) بدأ مبكراً منذ عام 1990، بفرع للعمليات المصرفية الإسلامية في دولة البحرين بحجم حوالي ستمائة مليون دولار، ثم توسع في الآونة الأخيرة في النشاط وفتح له فرعاً في مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة.

ودليل آخر على التوجه العالمي للاستثمارات الإسلامية الخبر الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» ( بعددها 9321 )، ومفاده تعيين وزارة المالية الأميركية خبير الاقتصاد بصندوق النقد الدولي وأستاذ الاقتصاد والإحصاء بجامعة رايس بمدينة هيوستن بولاية تكساس وهو الدكتور محمود الجمل مستشاراً، كأول مسؤول مقيم في شؤون التمويل الإسلامي، والذي أسندت اليه مهمة التوفيق بين صياغة وتنسيق المعايير الدولية وقواعد التمويل الإسلامي. ورغم أن الذي أفهمه من قراءة كامل الخبر أن مثل هذا النشاط من قبل الحكومة الأميركية، ليس لدعم التمويل أو مجرد توجه لممارسة النشاط وحسب، وإنما (توجه واهتمام)، اولاً من باب عدم تفويت فرصة تحقيق الأرباح المصرفية من هذا النشاط، وثانياً من باب إدراك العالم بهذا التوجه والرغبة في المشاركة للسيطرة على حركة الأموال المستثمرة بالدول والبنوك الإسلامية وأحكام الرقابة عليها معلوماتياً... وهو أمر وإن قُـلنا عنه إنه لا يضيرنا في شيء، منطلق أنه ليس لدينا ما نخفيه عن أحد، إلا أنه يحسن بنا أن نتفهم فحوى التوجهات الاقتصادية المحلية والعالمية. إذاً فالتوجه المحلي والاهتمام العالمي الذي يتحدث عن نفسه، بأن عمليات التمويل الإسلامي، لها المستقبل الواعد … مما يحفز البنوك التجارية لتشارك في أرباح المشاريع التنموية (عن طريق المرابحة)، لا لأخذ نسبة فائدة بسيطة، والمخاطرة في حالات كثيرة قد تكون أكبر، وإنما التوجه للمشاركة في الربح الفعلي كله تحت مفهوم «المشاركة في اقتسام الكعكة». وعلينا كأفراد أن نساهم في دعم هذا التوجه كمستثمرين ومودعين، ونحول رواتبنا وننقل حساباتنا الجارية للبنوك المحلية التي تمول العمليات المجازة شرعاً، ونساهم في رفع كفاءتها، حتى إن كانت لديها بعض نواحي القصور في مجالات خدمية أو تنظيمية نكون الناقد المصلح لها... ونجرب الفكرة ولا أظن أن أملنا سيخيب.

* محلل مالي سعودي