رئيس بحوث الاستثمار في بنك الرياض: نعاني تضخما في سوق الأسهم السعودية لاتجاه السيولة للاستثمار فيها

د. أبو داهش: النفط وخفض معدل الخدمة وعودة الاستثمارات عوامل ساعدت على توفير السيولة والمهم توظيفها في قنوات استثمارية

TT

تشير السيولة النقدية العالية في السعودية إلى عوامل ايجابية تحسب لصالح الاقتصاد السعودي المتنامي في العديد من نشاطاته إلا أنها تحمل كذلك عدة مخاوف منها، التضخم ومدى توظيف السيولة لخدمة الاقتصاد. «الشرق الأوسط» التقت الدكتور عبد الوهاب بن سعيد أبو داهش الخبير الاقتصادي السعودي ورئيس بحوث الاستثمار ببنك الرياض لالقاء الضوء على مدى إيجابية السيولة النقدية ومحاذيرها فإلى التفاصيل:

* أشارت تقارير حديثة صادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي إلى تواصل ارتفاع السيولة النقدية في السعودية خلال الأعوام السابقة بدون تراجع لتصل أخيرا إلى 430.5 مليار ريال (114.8 مليار دولار) في ابريل (نيسان) 2004، ما هي الأسباب وراء هذه الزيادة المتواصلة؟

ـ يأتي ارتفاع حجم السيولة لتضافر عوامل عدة في السنوات الأخيرة، فقد كان لخفض معدل الخدمة المتسارع على الدولار الأميركي، وبالتالي انخفاضها على الريال السعودي، منذ بداية 2001 الأثر في زيادة الطلب وبالتالي رفع معدلات نمو عرض النقود. وقد صاحب هذا الانخفاض ارتفاع متواصل في أسعار النفط حيث وصل متوسط سعر سلة أوبك منذ ذك الحين حتى الآن حوالي 27 دولاراً للبرميل مع زيادة إنتاج السعودية النفطي. وكان لعودة بعض الأموال المهاجرة بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الأثر الواضح في زيادة مستويات السيولة النقدية مستفيدة بذلك من عملية الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة لتحرير الاقتصاد، مثل تبني استراتيجية التخصيص وما نتج عنها من تخصيص شركة الاتصالات، وشركة الكهرباء، وفتح قطاع البتروكيماويات والغاز. ولعل ذلك قد أدى أيضاً إلى جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وخصوصا في قطاع الغاز والبتروكيماويات، الأمر الذي ساعد ايضا في زيادة تدفق الأموال إلى السعودية وبالتالي ارتفاع مستويات السيولة.

* اين تضع عامل النفط في ترتيب تلك العوامل؟ ـ يأتي عامل ارتفاع أسعار النفط في مقدمة العوامل في ارتفاع مستويات السيولة لأنه المحفز للعوامل الأخرى. إلا أنني كما قلت إن العوامل الأخرى (انخفاض سعر الخدمة، وعودة بعض الأموال المهاجرة، والاستثمارات الأجنبية) ساعدت على النمو الكبير في عرض النقود الذي تجاوز نموه 16% في منتصف العام الماضي، وعاد الآن للنمو بقوة ليتجاوز 10 في المائة على أساس سنوي، بينما نموه في المتوسط وفي السنوات الست الأخيرة حوالي 6 في المائة.

* هل هناك احتمالية لتراجع هذه السيولة في حال انخفاض أسعار النفط؟ ـ السر وراء الارتباط القوي بين مستويات السيولة وأسعار النفط يكمن في أن النفط ما زال المحرك الأقوى للنمو الاقتصادي والمحفز للعوامل الأخرى المسببة لتغير السيولة. إلا أن علاقة الارتباط تلك تضعف مع تسارع تنفيذ برامج التخصيص وزيادة فرص الاستثمار وتشجيع تدفق المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وستضعف تلك العلاقة خصوصا بعد انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية وتسارع برامج التخصيص وتنفيذ مشاريع البنية التحتية. وهو الأمر الذي قد يقلل من تأثير أسعار النفط على مستويات السيولة. وأضيف إلى أن ما يساهم في خفض معدلات السيولة يتمثل في عودة حركة رؤوس الأموال بين السعودية وبقية دول العالم إلى طبيعتها قبيل أحداث 11 سبتمبر، ويتضح ذلك من قدرة مؤسسة النقد السعودي في إعادة بناء احتياطاتها الأجنبية بشكل كبير، خصوصا منذ بداية 2003. إذاً القلق لا يتمثل في انخفاض مستويات السيولة بقدر ما يجب أن نتساءل عن امكانية ان تتجه تلك السيولة إلى قنوات استثمارية محفزة للنمو أم لا، فالمهم هو في توظيف تلك السيولة وليس حجمها.

* ما مدى مساهمة عودة رؤوس الأموال السعودية من الخارج في ارتفاع السيولة؟

ـ نلاحظ أن وتيرة زيادة السيولة قد ارتفعت بشكل ملحوظ بعد انخفاض أسواق الأسهم العالمية وكذلك بعد الركود الذي أصاب الولايات المتحدة خلال عام 2001 بأكمله، ومع تحقيق سوق الأسهم السعودية عوائد إيجابية بخلاف الأسواق العالمية التي كانت عوائدها سلبية ناهيك عن الأثر النفسي الذي أحدثته أحداث 11 سبتمبر، كان من الطبيعي أن تعود معظم الأموال السعودية من الخارج، خصوصاً أن ذلك تزامن مع تنفيذ بعض برامج التخصيص كطرح جزء من أسهم الاتصالات للاكتتاب العام. وبالتالي فقد لعبت تلك الأموال دوراً فاعلاً في زيادة مستويات السيولة، حيث انتهت سنة 2002 على نمو كبير في عرض النقود (ن3) قدره 15.2% على أساس سنوي.

* تشير البيانات الإحصائية أن الارتفاع في السيولة النقدية متواصل على مدى اكثر من 20 عاما( فترة توافر المعلومات)، فهل يعني ذلك أن هناك عوامل محلية لها دور لا يقل عن النفط أو عودة الأموال في ارتفاع هذه السيولة؟ ـ النمو الذي شهدته البلاد خلال العشرين سنة الماضية يتطلب وجود مستويات معينه من السيولة. ومع زيادة النمو لا بد وأن تزداد مستويات السيولة وهذا شيء طبيعي. فالاستثمارات المحلية والاستثمارات الأجنبية تجلب رؤوس أموال كبيرة للمشاركة في التنمية التي شهدتها البلاد خلال العقود الماضية. ولا شك أن الاستثمار في قطاعات متعددة (البنوك، السياحة والسفر، مشاريع البنية التحتية ...الخ) كانت كلها عوامل مهمة في استقطاب استثمارات محلية وأجنبية، وبالتالي زيادة مستويات السيولة لتمويل مثل تلك المشاريع، حتى لو افترضنا جدلاً عدم وجود نفط.

* مع استمرار هذا الارتفاع في السيولة النقدية كان من المتوقع وجود تضخم، إلا أن الأرقام القياسية لمستوى المعيشة تشير إلى عدم حدوث ذلك، ما السبب وراء ذلك؟ ـ لقد شاهدنا التضخم جلياً في الارتفاع الكبير والمتسارع لسوق الأسهم المحلية وخصوصاً خلال الربع الأول من العام الحالي، لأن معظم السيولة قد اتجهت إلى الاستثمار في سوق الأسهم. وبالنسبة لمستويات التضخم في السلع الأخرى، فإن ذلك قد يعود للسياسات النقدية التي تتبعها السعودية المتمثلة في تثبيت سعر صرف الريال أمام الدولار. ففي هذه الحالة، تستورد السعودية التضخم العالمي المتمثل في ارتفاع الأسعار. ولعلك تلاحظ أن مستويات التضخم العالمي منخفضة في أميركا وأوروبا واليابان وهي البلدان الرئيسية التي نستورد منها، وبالتالي ستجد أن مستويات التضخم ظلت طفيفة في السعودية.

* ما مستوى توقعكم لامكانية حدوث تضخم في السنوات المقبلة؟ ـ من اجاباتي السابقة يتضح أن مستويات التضخم في السنوات المقبلة ستعتمد على مدى استمرارية ربط سعر صرف الريال بالدولار، ومدى تغير مكونات سلة السلع المعدة لقياس تكاليف المعيشة في السعودية وطريقة تقييمها. فإذا ارتفعت مستويات التضخم العالمية، فإننا سنشهد ارتفاعاً في معدلات التضخم هنا، وستعتمد دقة قياس معدلات التضخم على الطريقة المستخدمة للقياس ومكونات سلة السلع لقياس تكاليف المعيشة في السعودية.