رجل الأعمال السوري صائب نحاس: المطلوب حكومة اقتصادية تعمل بشفافية وصلاحيات كاملة لمواكبة المرحلة الحالية

أكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» على أهمية تعزيز مناخ الاستثمار بإطلاق حرية تنقل النقد وقيام سوق مالية وإزالة العراقيل أمام تأسيس الشركات المساهمة والالتزام الرسمي بتطبيق القانون

TT

أكد رجل الأعمال السوري صائب نحاس على أهمية مواكبة الاقتصاد السوري للمتغيرات العالمية، ودعا في حديث لـ«الشرق الأوسط» خلال زيارته للندن أخيراً إلى قيام حكومة اقتصادية، تستطيع تحمل مسؤولياتها بشفافية كاملة وبخطوات سريعة لمواجهة هذه التغيرات. وأشاد نحاس بالخطوات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة السورية أخيراً في مجال فتح المجال أمام القطاع المصرفي الخاص، وتشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية، إلا أنه شدد على أهمية مرافقة ذلك بقرارات منسجمة تعزز مناخاً استثمارياً حقيقياً، لا يأتي بمشاريع محدودة، بل بمشاريع اقتصادية كبرى تنقل الاقتصاد السوري لمرحلة جديدة، إلى الانفتاح والتكامل مع اقتصاديات المنطقة والعالم.

* كيف ترى تفاعل الاقتصاد السوري مع المتغيرات العالمية؟

ـ الواقع أن رغبة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد في التطوير والتحديث قوية جداً، وهو يريد أن يتم ذلك أمس وليس غدا، ولكن المشكلة الحقيقية هي عدم توفر الأدوات التي تستطيع تحقيق هذه الرغبة ووضعها موضع التنفيذ، واتخاذ كل الاجراءات على غير صعيد. والأدوات لا يمكن صناعتها بقرار، لكنها تحتاج لبناء وإعداد وتأهيل. وكانت هناك مشكلة سببها عدم إعداد صف ثان وثالث من الكفاءات، لتتقدم في سلم الهرم الإداري، وعندما وجدت الرغبة في التحديث تبين أن في الهرم الإداري أفراداً بلغوا الستين وفوق الستين، وتقرر إحالتهم للتقاعد ولكن اصطدمنا بواقع عدم وجود كفاءات بديلة أي جيل ثان مؤهل وفق نظم الإدارة الحديثة ليتولى المسؤولية. والآن يجري البحث عن السوريين في الخارج والداخل ممن يحملون هذه المؤهلات، ولكن ذلك يتطلب وقتاً، من هنا نجد أن هناك فراغاً. المشكلة الثانية هي الآلية الإدارية في الدولة، حيث كان هناك في الماضي نظام جيد يشمل ما يسمى بالأمين العام في الوزارات، وألغي هذا النظام في الستينات من القرن الماضي، ووجد بدلاً عنه منصب معاون الوزير، وسيّس هذا الموقع وأصبح معاونو الوزراء يأتون من خارج الوزارات، وهم يجهلون الأمور الإدارية فيها. أيضاً هناك ثغرة هي أن معاوني الوزراء حلوا محل الأمناء العامين دون أن يكون هناك توصيف وظيفي محدد لهم، فأصبح معاون الوزير موقع الشد والجذب بالنسبة للصلاحيات التي تعطى له من قبل الوزير. ولا نزال في هذه الدوامة والحل هو في عودة الأمين العام، وأن تكون له صلاحيات كاملة، وان يكون ابن الوزارة.

أن تفاعل الاقتصاد السوري مع المتغيرات العالمية مقبول، ولكن نريد أن نراه بشكل أفضل. والمشكلة التي نعاني منها هي أن هناك فراغاً بين إمكانية الجهاز الحكومي وبين ما يجري في العالم، ولذلك فهناك صعوبة كبيرة في أن يتمكن هذا الجهاز من القفز على واقعه وحرق المراحل، ليلتحق بركب المتغيرات بين ليلة وضحاها، لذلك لا بد من جهود استثنائية وقوية لنستطيع مواكبة المتغير.

* ألا ترى بأن القطاع الخاص في سورية لم يتمكن هو أيضا من مسايرة المتغيرات، فضلاً عن أن مسؤوليته الاقتصادية تقتضي مساعدة الدولة في تحمل هذه المسؤولية؟

ـ صحيح أن القطاع الخاص لديه إمكانيات جيدة، ولكن المشكلة أن هناك جفاء وفراغاً بينه وبين الجهاز الإداري، هناك فجوة بين الطرفين والسبب أن الجهاز الإداري لم ينتقل بعد للعقلية التي نحتاجها اليوم. فدور الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التي يرتعد لها كل موظف أصبح يقتصر على معاقبة وملاحقة المخطئين من الموظفين، في حين نراها تتجاهل تشجيع الموظفين الذين يبدعون في أعمالهم أو قاموا بأعمال جيدة. لا بد من أن يكون هناك تحديد واضح للصلاحيات والمسؤوليات، وفي حال الخطأ تكون الجهات التي تعالج الخطأ جهات كفوءة، وليس بعقلية العقاب فحسب. من هنا أصبح الموظف في الرتب العليا يرتعد للتوقيع وهذا أمر خطير، لأن الاقتصاد لا يحتمل التأخير، والتسويف، والخوف.

وبالعودة لدور القطاع الخاص فإن هذا القطاع قام بعدة خطوات مهمة في سبيل تعزيز مسيرة التطوير والإصلاح الاقتصادي ودعم هذا التوجيه. وقد أنشأ اتحاد غرف التجارة السورية، وأنا عضو في مجلس إدارته وأرأس لجنة مجالس رجال الأعمال السورية ـ الأجنبية، ولجنة الغرف العربية ـ الأجنبية المشتركة، أنشأ عدداً من الأجهزة منها المركز الاقتصادي السوري ـ الأوروبي مناصفة بين اتحاد غرف التجارة السورية والاتحاد الأوروبي، وذلك بغية التعاون في تنظيم دورات تأهيل والقيام بمسح ودراسة واقع القطاع الخاص في سورية بهدف مساعدته في تحديث وتطوير أدواته الاقتصادية.

* سورية تسير في اتجاه تعزيز مناخ استثماري جديد وقد خطت في هذا الاتجاه خطوات متعددة. إلى أي مدى ترى أن هذه الإجراءات قادرة على جذب المزيد من رؤوس الأموال السورية؟

ـ هذه مشكلة حقيقية. لا يوجد تفهم لمعنى عبارة مناخ الاستثمار، بالشكل المطلوب، الجميع يتحدث عن الرغبة في مناخ الاستثمار، وأنه يسعى إلى ذلك، لكن الرؤية لمناخ الاستثمار ليست موجودة بالشكل المطلوب. فمثلاً تلجأ الدولة لتقديم مزيد من الإعفاءات الضريبية، أو التسهيلات، من خلال المجلس الأعلى للاستثمار مبنية على قانون 10، ودعني أعيدك لمقابلة أجرتها معي صحيفة «الشرق الأوسط» عام 1993 ذكرت فيها تعريفاً لمناخ الاستثمار بالقول إن هناك فرقا بين الاستثمار، ومناخ الاستثمار، والمشكلة هي تفهم هذا الفرق. البيروقراطيون يعتقدون أن مناخ الاستثمار ليس سوى إعطاء التسهيلات والإعفاءات الضريبية، وهذا تفسير خاطىء لمعنى مناخ الاستثمار والذي يعني جملة من الإجراءات المالية والقانونية تفرز مناخاً استثمارياً جديداً.

وقد ذكرت بأن القانون 10 لن يؤدي المطلوب. طبعاً هناك من يأتي وينفذ مشاريع وفق هذا القانون، لكن هل هذا المطلوب؟ لقد ذكرت في ذلك الوقت ومنذ 12 عاماً بأن هذا القانون قد يجذب مستثمرين، لكن المطلوب هو أكثر من ذلك. وهناك من اعتقد بأنني سلبي في موقفي لكني كنت واضحاً في حديثي منذ ذلك الوقت، وأكرر بأن هذا القانون لن يأتي بالمطلوب من الاستثمارات، فانعدام وجود المصارف الخاصة، وانعدام سوق أوراق مالية، وغياب شركات للتأمين، وانعدام مسؤولية حقيقية لدى المسؤول كل هذه الأمور أدت إلى عدم وجود مناخ للاستثمار، وبالتالي فان القانون أفرز مشاريع أكثرها أو غالبيتها استهلاكية، حيث أن المطلوب اليوم مشاريع اقتصادية تستطيع أن تستوعب هذا العدد الهائل من الشباب الذي يبحث عن فرص للعمل، وتستطيع أن تجد حلاً جذرياً للبطالة المقنعة الموجودة في القطاع العام، تستطيع أن تجد فرص عمل لآلاف الخريجين في كل عام. معنى ذلك أن الموضوع أعقد وأعمق من قرار. إن عماد مناخ الاستثمار هو الثقة في الاستثمار وفي استمراريته، وهذه تأتي من خلال الثقة في القانون، وفي مصداقية كل الجهات الرسمية المعنية في تطبيق النصوص القانونية والعقدية، واحترام استقلالية القضاء، وعدم الاجتهاد الشخصي في مورد النص الصريح.

* لاكتمال شروط المناخ الاستثماري المطلوب. ما هي برأيك أسباب تأخير إطلاق سوق الأوراق المالية؟

ـ في الواقع تستطيع سورية بإمكانياتها المتعددة من موقع جغرافي استراتيجي متميز، وشعب فتي طموح، وأيد عاملة مدربة، ومناخ معتدل، أن تستوعب على أقل تقدير 40 مليون نسمة، برفاه تام وليس عندها مشكلة من أجل 17 مليونا، لكن الموضوع يحتاج لتأسيس اقتصاد وطني يستثمر امكانات سورية وموقعها الجغرافي وامكاناتها الذاتية. إن واقع الاقتصاد العالمي اليوم يفرض علينا تطويراً وتحديثاً لقوانيننا لتكون منسجمة مع حركة الاقتصاد العربي والعالمي، ولعل تأسيس سوق مالية في سورية هو أحد هذه المطالب. فعدم وجود سوق للأوراق المالية إنما يعني غياب الشركات المساهمة، فوجود السوق المالية أساساً يعتمد على إنشاء هذه الشركات، فالمساهم ومن خلال السوق يستطيع أن يتعرف على حقيقة وضع الشركة، وقيمة أسهمها وأدائها، وان يطمئن على مدخراته التي وضعها في هذه الشركة، وبالتالي فان عدم وجود سوق للأوراق المالية سيحرم المساهمين من التعرف على أداء هذه الشركات مما يعرضهم للابتزاز أو الخسارة.

ثم أن وجود سوق للأوراق المالية هو تفعيل للعمل الاقتصادي المطلوب بكامل أبعاده، حيث أن هذه السوق ستتيح للمواطنين توظيف مدخراتهم في هذه الشركات المساهمة، كما يفتح المجال لإطلاق مشاريع تنموية يحتاجها البلد.

* هل تعتزمون إطلاق مشاريع استثمارية جديدة في سورية خلال الفترة المقبلة؟

ـ نحن في فترة انتقالية، ولا بد من إتمام إعادة النظر في التشريعات الحالية، وترقب إطلاق سوق الأوراق المالية، حيث بحثنا العديد من المشاريع مع أصدقائنا في الإمارات، والسعودية، والكويت، وكذلك في الدول الأوروبية، فلمسنا رغبة جدية في الاستثمار في سورية، نظراً لما تتمتع به من استقرار سياسي وأمني، وما يتمتع به شعبها تاريخياً من قدرة على اكتساب المهارات، ولكن ما لم يكتمل مناخ الاستثمار فان الجميع لا يستطيع الإقبال بما يلزم. لا أقول ليس هناك استثمار في سورية، لكننا نحتاج لحجم كبير من الاستثمارات نستطيع من خلالها تأمين احتياجات الوطن وتأمين انسجام تداخل الاقتصاد السوري مع اقتصادات المنطقة، ووجود اتفاقيات اقتصادية تنفذ عملياً لكي تفرز مشاريع اقتصادية كبرى، مع خطوات جادة في التأهيل والتدريب للشباب.