روسيا: المدخرون الصغار يتهافتون على سحب مدخراتهم وسط الحديث عن «أزمة مصرفية» حقيقية

TT

موسكو ـ ا.ف.ب: يتهافت المدخرون الروس على المصارف لسحب مدخراتهم في حين توقف عدد كبير من مخازن موسكو عن قبول بطاقات الائتمان الصادرة من بعض المؤسسات المصرفية، وذلك اثر عودة الحذر من المصارف الى روسيا مما يدل بوضوح على الحاجة الماسة الى الاصلاح.

ويبدو ان الوضع السائد تشوبه الغرابة، فخلافا لما كان سائدا مع بداية ازمة اغسطس (اب) 1998، التي اغرقت كبرى المؤسسات التسليفية في حالة من الاضطراب، تمت السيطرة التامة اليوم على الدين العام، وسجل احتياط العملات الاجنبية في البلاد مستوى قياسيا (فاق 88 مليار دولار)، وارتفع سعر برميل النفط الخام مستتبعا ضمان عائدات مالية مرتفعة لحساب الخزينة.

وعلى الرغم من كل ذلك، تواجه روسيا «ازمة مصرفية»، على حد ما قال اندريه ايلاريونوف المستشار الاقتصادي للرئيس فلاديمير بوتين اول من امس، معتبرا ان غض الطرف عن هذا الامر لا يجدي نفعا.

ويتقدم شبح ازمة في البلاد منذ 12 مايو (ايار) عندما الغى البنك المركزي الروسي اجازة عمل مصرف «سود بيزنس بنك»، الذي اقفل ابوابه عندئذ تاركا زبائنه في مهب الريح بجيوب خالية.

وبعد اسبوعين، تمت تصفية مؤسسة مصرفية اخرى من الحجم المتوسط. وسرت شائعات تحدثت عن صدور لائحة سوداء «تضم مصارف سيئة» وضعتها السلطات من دون الكشف عن اسمائها. وعمت الشبهات منذ ذلك الوقت. ولم تعد المؤسسات المصرفية تمنح بعضها البعض التسليفات الضرورية مع تناقص السيولة يوما بعد يوم.

وازداد الوضع تأزما الى حد ان تهريب الرساميل استؤنف مجددا منذ مطلع العام على خلفية قضية «يوكوس». واشارت تقديرات البنك المركزي الروسي الى ان قيمة الرساميل الصافية التي تم اخراجها من البلاد بلغت 5.6 مليار دولار في النصف الاول من العام مقابل ادخال ما قيمته 3.9 مليار دولار قبل عام.

ووجد «غوتا بنك» نفسه، وهو احد اكبر المصارف للعمليات الفردية، بحاجة الى السيولة واضطر الى اقفال صناديقه. من جهته، اضطر اكبر المصارف الخاصة في البلاد «الفا»، الذي يتعرض لموجة شائعات منذ يومين، الى اتخاذ اجراءات صارمة لتفادي هروب رؤوس امواله في حين تتشكل امام فروعه طوابير الزبائن. وقد تم افراغ صناديق التوزيع لديه وفرض البنك الذي يندد «بحالة هستيريا» تغذيها الصحف، عمولة نسبتها 10% على كل عملية سحب مبكرة من حسابات التوفير. واقر المسؤولون في بنك «الفا» بفقدان 10% من ودائعه في ثلاثة ايام (سحب حوالي 200 مليون دولار). وقد خرجت 330 مليون دولار من صناديق «غوتا بنك»، يعود 40% منها لافراد.

وتحولت الازمة المتوقعة الى حقيقة بفعل الريبة التي غذتها. ووضعت شركة التصنيف المالي «موديز» اول من امس تحت المراقبة تصنيفات 18 مصرفا روسيا. واوضح بيتر وستن، المحلل في شركة الوساطة «ايتون»، ان «البنك المركزي الروسي لم يقم بأي شيء خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية من اجل اعادة هيكلة النظام المصرفي. وهناك اكثر من 400 مؤسسة مصرفية لا تحترم القواعد المطلوبة (غير المتشددة اصلا) ولم يكن يحق لها العمل».

وتنعدم الشفافية تماما، فعدد المؤسسات المصرفية كبير جدا والبنك المركزي لا يعرف في عدد كبير من الحالات من هم اصحاب المصارف الذين يفترض به مراقبتهم. وقال وستن «يمكن ان نعقد الامل على ان هذه الازمة ستوقظ السلطات». واضاف «لكن البنك المركزي يتخذ خصوصا في الوقت الحاضر اجراءات يائسة من نتيجتها اعطاء مزيد من السيولة لنظام معرض لخطر كبير. ولا يؤدي ذلك الا الى تعميق الفوضى».

وبانتظار عملية اصلاحية لا تزال اطرها غامضة، يفضل الافراد ايداع اموالهم تحت وساداتهم او في مؤسسات آمنة لكنها نادرة جدا. واختصر ميشال بريكو المدير العام لبنك «سوسيتيه جنرال فوستوك» الوضع بالقول «ان الازمة ستفيد سبيربنك (بنك حكومي) والبنوك الاجنبية».