باحث اقتصادي سعودي يدعو إلى تغيير سياسات الخصخصة بطريقة تضمن نمو عوائد الحكومة

مطشر المرشد لـ«الشرق الأوسط»: لابد من وضع جدول أولويات يفرض تقديم التنازلات والمحفزات للقطاعات التي تصعب خصخصتها

TT

دعا باحث اقتصادي سعودي الى ضرورة قيام السعودية بتحوير سياسات التخصيص القائمة فيها عبر سن بعض التغييرات في آليات عمل بعض أنظمة التخصيص بشكل يضمن للحكومة المشاركة والاستفادة من العوائد المالية التي تحققها بعض القطاعات ويسهم في زيادة مصادر الدخل الرئيسية للبلاد التي تعتمد حاليا بأكثر من 80 في المائة منها على النفط.

وقال مطشر المرشد الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية إنه مع توجه الحكومة السعودية وإعلانها عن سياسات التخصيص التي تشكل خطوات إلى الأمام ضمن سعيها الحثيث نحو تقوية اقتصادها وتحسين الخدمات المقدمة على جميع الأصعدة والنشاطات كان لابد من التشديد في جوانب ضمان الحق الحكومي ومشاركته الثابتة فيما يتحقق من عوائد مالية.

ويرى المرشد خطورة التحرر الحكومي الكامل من جميع القطاعات الاقتصادية خاصة الحيوية والتي تم تركيز الحكومة على تخصيصها وفتحها للمنافسة في أوقات متباينة كما هو الحال في قطاع الاتصالات، والكهرباء، وتحلية المياه وغيرها إذ أسهمت الحكومة في تأسيس البنية التحتيّة وصرف مليارات الدولارات عليها، الأمر الذي يتحتم على الدولة الاستفادة من هذه القطاعات في رفع دخلها.

وأفاد المرشد في حديث لـ «الشرق الأوسط» أن السعودية من الدول التي تعتمد على مصدر واحد للدخل وهو النفط بنسبة تتجاوز 80 في المائة، الأمر الذي يدفع البلاد إلى بحث عن مصادر اقتصادية أخرى لا يمكن أن تكمن في تحرير القطاعات الحيوية والاستفادة المحصورة منها في حين يفترض الاستفادة إلى الحدود القصوى ليسهم في نمو عوائد الحكومة.

وأوضح المرشد أن قطاع الاتصالات من أبرز القطاعات التي يتوجب أن تلجأ الحكومة السعودية في سن سياسة لتخصيصها تمكن الاستفادة منها بالشكل المفروض خاصة في ظل ارتفاع عوائدها التي تجاوزت العام الماضي 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار) مبينا أن قرار الحكومة الأخير القاضي بتخفيض تكاليف رسوم الدولة من 27 في المائة إلى 15 في المائة لا يتماشى مع الاستفادة المفروضة من سياسة التخصيص التي تضمن الاستفادة المدروسة والنافعة.

وأضاف المرشد أن السعودية باتت من أكثر الدول في العالم المضطرة إلى الاستفادة من جميع قطاعاتها مما يدعو إلى تغيير أنظمة التخصيص التي سنتها أخيرا لافتا إلى أن تنويع مصادر الدخل التي هي من ضمن سياسة الحكومة الاستراتيجية في خططها الاقتصادية أصبح ضرورة ماسة خاصة في ظل الانفتاح العالمي والعولمة والرغبة في الدخول إلى منظمة التجارة العالمية التي تتطلب منافسة من نوع خاصة واستعداد على كافة الأصعدة.

وزاد المرشد أن الدول المتقدمة تستفيد من قطاع الاتصالات على وجه الخصوص حيث تمتلكها هذا القطاع بالكامل كإيطاليا والنمسا وغيرهما وهي في ذات الوقت تدار بإدارة خاصة تمكنها من المنافسة والدخول في أسواق أخرى لتستثمر إمكانياتها وخبراتها.

وطالب المرشد بأن تحافظ الحكومة السعودية على نسبة مشاركتها في شركة الاتصالات وأن تشرع في التخطيط للاستفادة من هذا القطاع بالطريقة المدروسة وتفتح باب المنافسة في ذات الوقت لجميع الشركات الراغبة في الدخول لمضمار سوق الاتصالات السعودية لاسيما أن فرص الاستفادة من هذا القطاع مفتوحة لقطاع الاتصالات في ظل تكامل البنى التحتية بجميع تفاصيلها في بلد واسع المساحات ومتعدد المناخات والبيئات.

وكانت الحكومة السعودية قد قررت الأسبوع الماضي تخفيض الرسوم التي تدفعها شركات الاتصالات العاملة في السوق السعودي إلى أن تثبت عند 15 في المائة بعد أن وصل 27 في المائة في بداية تخصيص قطاع الاتصالات إسهاما منها لتشجيع المستثمرين على الدخول في هذا القطاع حيث تم احتساب الرسوم بشكل تدريجي على المشغلين الجدد لتصبح 5 في المائة في السنة الأولى و10 في المائة للسنة الثانية وتقف عند 15 في المائة من السنة الثالثة في خطوة نحو إنجاح عملية التخصيص وفتح قطاعات السوق المختلفة قبل الانضمام لمنظمة التجارة العالمية. ويعتقد المرشد أن أهداف التخصيص في السعودية تختلف عن الأهداف التي دفعت بعض الدول المتقدمة ودول أوروبا الشرقية على التخصيص حيث أن دوافع التخصيص في السعودية ليست بغرض التخلص من قطاعات غير متطورة يتطلب تحديثها استثمارات ضخمة، فالهدف الأساسي هو الارتقاء بالأداء العام لهذه المؤسسات.

وأفاد المرشد أنه بالرغم من بدء تخصيص شركة الاتصالات عبر طرح 30 في المائة من أسهم الشركة في اكتتاب عام، مشيرا إلى أن السعودية أنفقت مبالغ كبيرة لكي تستحوذ على بنية تحتية متطورة في جميع القطاعات كالمواصلات والاتصالات.

وزاد المرشد بقوله، ساعد ذلك على إيجاد شبكة طرق متطورة والحصول على أحدث التقنية فيما يتعلق بقطاع الاتصالات، وكذلك استحواذ البلاد على أحدث المعدات والتقنية في مجالات أخرى مثل تحلية المياه والطاقة الكهربائية، موضحا أن السعودية عندما تخصص قطاعاً ما ستعطي المستثمر فرصة كبيرة للربح وذلك لأن معظم مؤسسات القطاع العام في السعودية حديثة وتمتلك تقنية متطورة لا تحتاج لمبالغ ضخمة لإعادة تطويرها، الأمر الذي سيغري المشاركين في عملية التخصيص ويثير في ذات الوقت بعض التساؤلات من أهمها ما هي الأسباب التي دفعت السعودية لتخفيض دخل الدولة من رسوم الاتصالات خاصة بعد الإقبال الجيد من قبل العديد من الشركات العالمية والتجمعات الإقليمية للمنافسة على دخول السوق السعودي من خلال الرخصة الثانية للجوال وحتى قبل إعلان تخفيض الرسوم وكذلك تشديد هيئة الاتصالات على موضوع عدم السماح بحدوث حرب أسعار بين شركات الاتصالات فهل يعني ذلك أن المستهلكين سيحرمون منافع التخصيص وتبقى الأسعار في نفس محيطها الحالي.

وأضاف المرشد انه بالرغم من أهمية الفوائد المرجوة من عملية التخصيص كالتطوير الإداري والارتقاء بنوعية الخدمات المقدمة للمستهلك بشكل فعّال ومحكم إلا أن هنالك عاملاً أساسياً يجب الانتباه له وهو التخلي عن جزء ثابت من دخل الميزانية العامة عند تخصيص قطاع الخدمات «الكهرباء والاتصالات» فالتخلي عن هذا الدخل الثابت يتطلب قراراً شجاعاً في أية دولة وخاصة بالنسبة للسعودية التي تعتمد بشكل كبير على مصدر واحد للدخل، حيث إذا هبط سعر البترول تبرز أهمية الدخل الذي تحصل عليه الموازنة العامة من رسوم قطاع الخدمات. وشدد المرشد على الرغم من البدء الفعلي لعملية التخصيص في السعودية وانطلاقا من قطاع الاتصالات إلا أن الوضع الحالي لعملية التخصيص يحتاج لمراجعة واتخاذ بعض الخطوات لتصحيح المسار، مشيرا إلى ضرورة وضع جدول أولويات يفرض تقديم التنازلات والمحفزات للقطاعات التي يصعب تخصيصها وتحتاج لرؤوس أموال ضخمة واستثمارات طويلة الأجل مثل تحلية المياه وتوليد الطاقة الكهربائية وغيرهما من المشاريع الهامة. وأبان المرشد أن تخصيص قطاعات مثل تحلية المياه وتوليد الطاقة الكهربائية يتطلب إيجاد رأس مال كبير جداً ويكلف الموازنة العامة مبالغ ضخمة لأغراض الصيانة والتشغيل، وهو الأمر الذي يرى معه ضرورة تركيز جميع الطاقات على هذا الجانب وجعله في أعلى قائمة الأولويات في برنامج التخصيص، موضحا أن تخصيص بعض القطاعات كالاتصالات وغيرها سيسحب نسبة كبيرة من السيولة الحالية ويجعل تخصيص الكهرباء والماء يواجه بعض الصعوبات، خاصة ان المستثمر يبحث عن القطاعات التي تضمن الربح السهل، وبشكل سريع. وزاد المرشد بقوله «لقد شاهدنا كيف احتفظت الدول التي سبقتنا بعمليات التخصيص بملكية شركات الاتصالات حيث تقدمت لكسب رخصة الجوال الثانية في السعودية عدة شركات مملوكة بالكامل لبعض الحكومات وذلك لأن هذا القطاع يساعد على زيادة وتنويع دخل الدول وأيضا يرفع من القدرات الوطنية في مجال تقنية المعلومات كما هو الحال في الهند والصين.

وفيما يخص طريقة بيع ملكية الدولة في المؤسسات العامة شدد المرشد على أهمية وجود سوق مالية منظمة ومتينة لكي تطرح ملكية القطاع العام على شكل اسهم وتتاح الفرص أمام أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع لتنمية مدخراتهم. وأكد المرشد أن سوق المال السعودية لا تنقصه التشريعات والأطر التنظيمية إلا أن الحاجة أصبحت ماسة لإيجاد آلية تنفيذ يقودها فريق عمل محترف بحيث نضمن تنفيذ تلك القوانين بمهنية عالية، فكما هو معروف عادة ما تصاحب بدايات التخصيص محاولات من قبل بعض كبار المستثمرين للسيطرة على هذا القطاع او ذاك وحدث ذلك في عدد من الدول التي سبقتنا في عمليات التخصيص سواء في قطاع الطاقة او الاتصالات وغيرهما. وقال المرشد إن تطبيق قوانين سوق رأس المال السعودي سيكون الحل الأمثل ويكفل حماية حقوق جميع المستثمرين صغارهم وكبارهم على حد سواء، فمن الواضح ان بداية تخصيص شركة الاتصالات أثبتت لنا بأن عددا قليلا من المستثمرين الكبار استطاعوا عبر التسهيلات المصرفية من السيطرة على نسبة كبيرة من الأسهم المطروحة. ويرد المرشد على من يقول بأن أصحاب رؤوس الأموال يستطيعون شراء الأسهم وتجميعها بعد الطرح ومن ثم العودة لنفس المشكلة وهي احتكار عدد قليل من كبار المستثمرين لأسهم التخصيص بقوله إن ذلك ممكن ولكن يجب أن يوضع حد أعلى للتسهيلات البنكية المستخدمة لكي نحفز المستثمر الكبير على استخدام رؤوس أموال يمتلكها ونفتح المجال أمام أكبر عدد من صغار المدخرين للاستفادة من عمليات التخصيص في بداية الاكتتاب أي سعر 50 ريالا للسهم، وبعد ذلك يترك الامر للسوق فهو الحكم ويستطيع كبار المستثمرين شراءها بسعر السوق، إضافة إلى اختيار الهيئات الإشرافية من خارج القطاع المزمع تخصيصه وقبل البدء بخطوات التحويل.