بنوك عالمية تتنافس لاكتساب حصة في التعاملات المالية الإسلامية التي وصلت إلى 250 مليار دولار

TT

بدأت فكرة المنتجات المالية الاسلامية تحتل حيزا مهما في اطار المؤسسات الاقليمية والعالمية على مدى الـ18 شهرا الماضية، وهنالك الان منافسة كبيرة من اجل اكتساب حصة معتبرة في سوق واعد ومرشح للتصاعد على مدى السنوات القليلة المقبلة، خصوصا اذا اخذنا بعين الاعتبار اعداد المسلمين في العالم التي تتجاوز 1.3 مليار نسمة، وتزايد اعداد الذين لا يرغبون سوى التعامل وفقا للشريعة الاسلامية. ولم يعد الامر يقتصر على بنوك ومؤسسات محلية فحسب، بل امتد الامر الى بنوك عالمية مثل «هتش أس بي سي» و «سيتي بانك» و «باركليز»، و «يو بي اس»، وهذا الاخير اصبح يدير اصولا عقارية بالنيابة عن مستثمرين اسلاميين في منطقة «الطرف الاغر» في العاصمة البريطانية لندن. كما ان وجود جالية اسلامية كبيرة في اوروبا يتجاوز عددها 20 مليون شخص ويتركزون في دول مثل فرنسا والمانيا وبريطانيا بات يمثل سوقا محتملة ومربحة للعديد من المؤسسات المالية الاقليمية والدولية. وحسب بنك HSBC يتجاوز حجم التعامل في الخدمات المصرفية الاسلامية عن 250 مليار دولار مع ادارة اصول تصل الى حوالي 80 مليار دولار، بينما تصل نسبة النمو السنوية في الخدمات المالية الاسلامية الى 15%. وتتمتع المصارف الاسلامية بامكانات كبيرة للنمو خصوصا في منطقة الشرق الاوسط التي تقدر الثروات الشخصية فيها بنحو 1.3 تريليون دولار وفقا لما جاء في تقرير الثروة العالمية الذي اصدرته مؤسسة ميريل لينش اخيرا. ويشار الى انه في نهاية عام 2002 فان المؤسسات المالية الاسلامية الرئيسية في منطقة الخليج العربي تجاوزت موجوداتها المالية 35 مليار دولار وحققت ارباحا صافية وصلت الى 730 مليون دولار.

ولم يعد وجود البنوك او المؤسسات الاسلامية يقتصر على المنطقة العربية، بل امتد الى جميع انحاء العالم خصوصا في منطقة جنوب شرق اسيا، فقد وضعت الحكومة الماليزية خطة طموحة من اجل زيادة حصة قطاع البنوك الاسلامية الى 20 % من كامل السوق البنكي في البلاد مع نهاية 2010، والمفاجأة انه مع نهاية العام الماضي كسرت ودائع البنوك الاسلامية حاجز الـ10% حيث تمكنت من استقطاب 10.2% من اجمالي السوق الماليزي بقيمة مالية وصلت الى 53.4 مليار «رينغيت» ( 14.05 مليار دولار). ودخلت سنغافورة على الخط بقوة، فعلى الرغم من انها لا تملك بنوكا اسلامية بحتة، الا انها بدأت تتخذ خطوات سريعة لتطور القوانين الخاصة بالمنتجات المالية الاسلامية من اجل استقطاب رؤوس الاموال الاسلامية الضخمة التي بدأت تتعرض لضغوط في الولايات المتحدة وبعض البلدان الاوروبية ويقدرها البعض بمئات المليارات من الدولارات. كما تمثل اندونيسيا اكبر بلد اسلامي بعدد سكانها الذي يصل الى 225 مليون نسمة سوقا محتملا قد تصل حجم تعاملاته الى مليارات الدولارات. وحتى تايلند بدأت تهتم بالمنتجات الاسلامية من اجل استقطاب اموال من الشرق الاوسط ومن الجالية التايلندية المسلمة التي تقيم في ماليزيا. وفي سلطنة بروناي يمثل القطاع المالي الاسلامي اكثر من 40% من اجمالي سوق البنوك ككل.

طبعا جاءت فكرة البنوك الاسلامية من خلال الارتكاز على عدد من المبادىء التي يبشر بها الدين الاسلامي الحنيف، ولعل اهمها مبدأ تحريم الربا (الفائدة المصرفية)، وعلى مبدأ الغنم بالغرم، بمعنى أن المال لا يكون غانماً إلا إذا تحمل مخاطر، والأخذ بمبدأ الخراج بالضمان، بمعنى أن العائد لا يحل إلا نتيجة تحمل كامل المخاطرة. وعلى مبدأ أن النقود لا تلد نقوداً وإنما تنمو بفعل استثمارها والمشاركة في تحمل المخاطر ربحاً أو خسارة. وتطورت فكرة إنشاء أول بنك اسلامي في مدينة دبي في منتصف السبعينات، ومن خلال بنك التنمية الاسلامي في مدينة جدة السعودية عام 1975 الذي يمول مشاريع تنموية عبر العالم الاسلامي، وازدادت اهمية هذا القطاع خلال عقد الثمانينات من الالفية الماضية مع ارتفاع عائدات النفط، لتنتشر الى باقي الدول العربية والاسلامية ومراكز المال العالمية حيث تم انشاء بنك التمويل في الكويت، والبنك الاسلامي في البحرين وقطر واخيرا مجموعة البركة في السعودية. وتنتشر في الوقت الحاضر اكثر من 200 مؤسسة مالية في معظم انحاء تقدم خدماتها للمسلمين وغيرهم موزعة على ارجاء واسعة من العالم.

ورغم هذه النجاحات المتعددة الا ان تطور البنوك والمؤسسات يواجه الكثير من الصعوبات والتحديات، ولعل اهمها هي مشكلة ادارة السيولة المالية الكبيرة في العالم العربي او حتى الاسلامي، فالقطاع البنكي وحتى اسواق البورصة مازالت نامية، والاوعية الاستثمارية قليلة وتتركز في مجالات محدودة. كما تواجه المؤسسات الاسلامية المالية مشكلة الانتشار بشكل واسع في الاسواق الغربية نتيجة ان البنوك المركزية في هذه الدول «غير مرتاحة» لمفهوم ان المودعين يمكن ان يربحوا او يخسروا في اطار البرنامج التي تقدمها المؤسسات الاسلامية. لكن المستثمرين الاسلاميين يردون بالقول ان المشاركة بالربح والخسارة تشجع الاستثمار العقلاني، ويضربون مثلا على ذلك بالازمة التي شهدتها الاسواق الاسيوية عام 1997 نتيجة سياسات الاقراض الطائشة. ويقول الخبراء ان من المشكلات الرئيسية الاخرى التي تواجهها المؤسسات المالية الاسلامية عدم وجود قواعد تنظيمية وتوجيهات واضحة لمساعدة البنوك المركزية على الاشراف على هذه المؤسسات. ويقول المصرفيون ان من التحديات الاخرى التي تواجه البنوك الاسلامية كذلك نقص الموارد البشرية القادرة على قيادة التمويل الاسلامي، اضافة الى عدم وجود ادوات كافية تساعد البنوك على تصفية اصولها بسرعة على الرغم من وجود بعض البوادر المشجعة في مجال السندات والصكوك خصوصا في البحرين وماليزيا والسعودية.