خبير اقتصادي يطالب بخصخصة الشركات العراقية بتوسيع قائمة المساهمين وتقليص دور الدولة

باسل النقيب لـ«الشرق الأوسط»: يمكن توفير 10 مليارات دولار من مساهمات المواطنين في رخص الجوال وتحقيق عوائد ربحية لهم

TT

تدور في الاوساط الاقتصادية العراقية احاديث ومناقشات حول خصخصة الاقتصاد ودخول الشركات الاجنبية الى السوق العراقي.. ووسط هذه المناقشات والمحاورات اجرت «الشرق الأوسط» حوارا مع الاقتصادي باسل النقيب، وهو مدير استثماري معروف، لتسلط الضوء على ما يجري وعما يجب ان يكون عليه الحال في السوق والاقتصاد العراقي، فكان هذا الحوار:

* ما هو رأيكم فيما هو مطروح عن الخصخصة في الاقتصاد العراقي؟

ـ خصخصة الاقتصاد مسألة ضرورية لكنها مثل أي شيء آخر فايجابياتها تعتمد على كيفية تنفيذها، ولنأخذ حالة متطرفة مثلا.. فاذا تم تخصيص الاقتصاد للشركات الاجنبية والاجانب فقط، ينتج عنه عدم اعطاء فرصة للقطاع الخاص العراقي. والذي هو بالاساس مهمش ومحدد ومعوق منذ اربعين عاما ومنذ بدء الاشتراكية في الستينات ولحد الآن. ان مثل هذا الاجراء سيمنح الشركات الاجنبية افضلية وميزة غير متكافئة. ان حالة القطاع الخاص في العراق الحالية تشبه حالة طفل عمره ستة اشهر او سنة وتجيء به لتدخله في منافسة مع ابطال الاولمبياد والتي ستكون النتيجة ليست الخسارة وحدها بل انهم سيدمرونه. فنحن نريد للقطاع الخاص العراقي ان يمنح الفرصة لخمس او عشر سنوات وتكون له الاولوية الوطنية في كل شيء والهيمنة باستثناء الصناعات المتقدمة جدا والتي تحتاج الى تقنية عالية ويمكن الاعتماد فيها على التصدير حيث يمكن بذلك الاعتماد على الشركات الاجنبية.

* ولكن ألا يحمل ذلك مخاطر من نوع نشوء طبقة جديدة تحتكر الأسواق في العراق؟ ـ ان املي في العراق الجديد وحكوماته الآتية ان ترعى القطاع الخاص والمقصود من رعايته بشكل عام ان ترعاه بشكل متوازن لا ان تخلق طبقة احتكارية تكون المستفيدة الوحيدة من عملية الخصخصة.. بل تجعلها ضرورة وطنية في خلق رأسمالية الشعب بحيث تتاح لكل موظف وكل سائق وعامل وفلاح.. كل امرأة وكل جندي الفرصة لأن يساهم في الشركات التي تشملها الخصخصة حتى يشعر بالمواطنة، وان بينه وبين الوطن منفعة متبادلة، وان المشاركة للجميع وليس حكرا على احد وحتى ربنا عز وجل ضد الاحتكار وضد تفضيل فئة على اخرى، وعلى الدولة ان تكون وسيلة لمنفعة عموم الشعب وان لا تكون وسيلة لمنفعة القلة القليلة.

* هل هناك أمثلة حول كيفية إسهام عموم الشعب في شركة عامة ذات طابع الخصخصة؟ ـ هناك تجربة الهاتف الجوال، فقد طالبت مراراً ان تكون شركة مساهمة عامة لعموم الشعب العراقي وعلى الدولة ان تسهل تمويلها من قبل الناس وتكون الرخصة مجانية لأن اهم موجودات الهاتف الجوال هي الموجات الهوائية وهي ملك للشعب وان كل الشركات كانت مستعدة، وأعمدة التقوية قائمة منذ ايام النظام السابق.. حيث تقدر التأمينات من 5 إلى 10 مليارات دولار خلال سنتين، ولنفترض ان هناك مساهمة لمليون عائلة عراقية حيث ستستفيد كل عائلة بما قيمته خمسة الاف دولار من دون تكلفة اي دولة، وهذا ليس سحرا وان الهدف هو خدمة المجتمع.. علينا ان نعمل باطلاق رأسمالية الشعب وكل الشعب له القدرة على العمل وستكون شركات الجوال هي النواة للخصخصة في العراق.. وفي نهاية المطاف سيدخل جيب العوائل العراقية المساهمة حوالي 20 إلى 30 ألف دولار، ولو تمت هذه العملية لخلق اول امل عند المواطن العراقي لدعم الخصخصة في العراق ولبدأت محاربة العنف.. وهذه الرعاية ستعزل الفئات التي تقوم بقتل العراقيين والتي تعد سلاحا فعالا لاستتباب الأمن، ومع ذلك فان هناك فرصة بعد سنة او سنتين لقيام شركات عراقية لسواد الشعب للهاتف الجوال والتي لها دور اساسي لخصخصة الهاتف الثابت وتطويره فالدولة الآن عاجزة عن تطويره وكل ما يتعلق بنقل المعلومات، وهذا ما تم ايضا في كل دول الخليج، فشركات الهاتف الجوال مملوكة لعموم الشعب.. وقد طرحت هذه القضية في مجلس الحكم السابق ولم تحظ بتأييد قوي، وهو من الاخطاء الكبرى التي وقع فيها مجلس الحكم السابق.

* وماذا عن الاستثمارات الأجنبية داخل العراق وما هو المردود الاقتصادي والسياسي للداخل والخارج؟ ـ الاستثمار الاجنبي في هذه المرحلة ينعش الاقتصاد اذا لم يتوجه للتصدير ففي ذلك خطورة على الاقتصاد العراقي، خصوصا اذا هيمنت هذه الشركات في المستقبل ولم توجه في التصدير بل للتحويل للخارج فانها ستخلق عبئا كبيرا على مدخول الموازنات العراقية، وسيعاني العراق مثلما عانت مصر من عبء الديون.. وهناك خطورة سياسية ايضا فهذه الشركات لها ارباح وموارد وفي النظام الرأسمالي والديمقراطي تتبرع تلك الشركات للانتخابات وتوجه اعلاناتها للصحف التي ستتفق مع سياستها وتدعم السياسيين الذين ترشحهم وبذلك ومن خلال دعمها للصحف والاجهزة ستدعم سياسة البلد الذي تنتمي اليه.. وهذه المسألة سترجع كلفة ما قد لا تكون في صالح العراق، وبالتالي فان خطرها لا يكمن في تأثيرها على العملية الديمقراطية برمتها فسيطرة الدولة على مواردها يعد مدخلا للديكتاتورية على مستوى الاقتصاد.

* هل انت مع تقليص دور الدولة في الاقتصاد الوطني؟

ـ بل ما يهمنا هو تقليص دور الدولة قدر المستطاع وافساح قدر مواز او مساو او اوسع لعامة الشعب ودور الدولة يكون في توفير الخدمات والأمن والدفاع والعدالة في المحاكم والشؤون الخارجية والرعاية الاجتماعية وليس بيع البطاقة والبيض والأسمنت فليتركوا ذلك للشعب فهو مصدر عيشه.

* ما رأيك في بيع أسهم المصارف الأهلية العراقية إلى شركات أجنبية ومنها إسرائيلية؟

ـ لاحظت ان المصارف العراقية في ظل النظام الاشتراكي المركزي ولفترة طويلة اصبحت تعاني من سوء الخدمات المصرفية، فهي رديئة جدا حتى انها لم تعرف نظم الكومبيوتر والمعلومات لفترة طويلة.. ففي هذه الحالة ومن المناسب ان تدخل جهات مصرفية اجنبية للمشاركة مع رأسمال عراقي من اجل التطوير، وان تكون اغلبية الاسهم للجهات العراقية. اما ان يدخل تمويل او بنك اسرائيلي فهذه مسألة خطرة أمنيا وشعبيا واذا تم هذا الشيء فعلا فيجب فضح هذه المسألة ومحاسبة المتجاوزين حسب القانون وحتما سحب رخصة هذا البنك.

* وزارة التخطيط العراقية تقول إن نسب التضخم في انخفاض ما هي قراءتكم لهذا الموضوع؟ ـ اذا استطعنا المحافظة على مستوى سعر الدينار بالنسبة للدولار فنحن نحافظ على نسب التضخم، وان تكون غالبية الموارد المستهلكة المستوردة ثابتة باستثناء العقار، فهو يزيد وكل شيء يزداد مع زيادة القوى الشرائية للمواطن العراقي. وهل ستزداد الضرائب مع زيادة الرواتب مثلا؟ لدي قناعة دائمة وستبقى وهي ان العراق يجب ان يكون بلا ضرائب لأن دخل الفرد ضئيل كمستهلك ويجب ان لا يثقل كاهله بالضرائب وهناك جانبان مهمان، فان اهم مصدر للدخل هو النفط وهو بيد الحكومة واذا لم تحسن استخدامه فلن تحسن فرض الضرائب، واذا قالت الحكومة ليس لدينا موارد فهذا من سوء استخدامها لتلك الموارد. ويجب ان تكون هناك شفافية في عقود النفط.. وان نتأكد من ان المال العام يتم تحصيله للدولة ويتم استخدامه بشكل كفء. ويجب ان يكون هناك جهاز مراقبة جيدة لمحاسبة المهربين والمفسدين والسراق والموظفين في الدولة على حساب المواطن.. ويجب ألا نحمل المواطن اخطاء الدولة، فهو ليس قادرا على تحمل اخطائها وسوء ادارتها. المهم جدا ان دولة العراق يجب ان تتفوق حصتها من الدخل القومي على حصة الدولة في روسيا الشيوعية والصين الشيوعية سابقا، لذلك فالمواطن بحاجة الى متنفس من خلال تقليص حجم الدولة وزيادة حصة الشعب من الدخل القومي وهذا لن يتم اذا فرضت الدولة نظام الضرائب، وحتى لو تم اعتمادها فيجب ان تكون الى اقل قدر ممكن او تلغى مع الإبقاء على رسوم الخدمات التالية، مثل الكهرباء والماء والهاتف. ويجب تحسين حالة الموظفين عبر تخصص استقطاعات للموظفين بشرط ان لا تدخل ضمن ميزانية الدولة وتحول لحساب خاص ويشرف عليه الشخص نفسه باشراف جهة معينة يعينها البرلمان لاستثمار هذه الاموال لصالح الموظفين من خلال صناديق استثمار وما شابه ذلك او ان تحول الى حسابات استثمار خاصة بالموظفين لا يحق له سحب هذه المبالغ الا عندما يتقاعد بعيدا عن الدولة حتى لا يعاني في كبره من ازمات مالية.

* بودي التوقف عند برميل النفط وحكاية الارتفاع والانخفاض في أسعاره وما مقدار تدخل السياسة في هذا الارتفاع والانخفاض؟ ـ هناك نمو واضح في الطلب العالمي على النفط بمقدار مليون ونصف المليون برميل في اليوم، في نفس الوقت، بدأت حقول النفط في العالم تكبر وتشيخ وبعضها ينضب مسبباً نقصا في كميات النفط المنتجة بحوالي مليون برميل يوميا، ولذا فان هذا النمو السريع مثلا في اقتصاد الصين والهند يزيد من الطلب على النفط. والعالم يتطلع الى مساهمة اكبر من العراق في الانتاج العالمي، وبما يمكن ان يكون انتاج العراق من 10 إلى 14 مليون برميل يوميا خلال عشر سنوات إذا تم تطوير عمليات الاستكشاف واعتمدت التكنولوجيا المتطورة، وسينعكس ذلك على دخل الفرد في العراق الذي سيصبح من اعلى الدخول في العالم شرط استخدام هذه الموارد بشكل ايجابي وليس في الحروب.. وبالنسبة للنفط وتصاعد وتيرة الاستفادة منه هناك شروط لنجاح هذا الجانب هو الجانب الأمني فاذا لم نحم انابيب النفط والمنشآت النفطية وخطوط مواصلات النفط فستصبح ثغرة طبيعية لكل من يريد ان يوقف التطور ويجب ان تكون هناك شفافية في تسعيرة النفط، فالشعب يجب ان يعرف بأي سعر يباع النفط. والشفافية جزء اساسي من الديمقراطية وبدون الشفافية فلا يستطيع البرلمان تنظيم عمل الحكومة ولا يتمكن الشعب من تعزيز دور البرلمان وهذه مسائل مهمة في العمل الديمقراطي وللاعلام دور رئيس في هذه العملية ودور رئيسي في العملية الاقتصادية برمتها فهو الجزء المنصف والمستقل والعادل والمنطقي.

* باسل النقيب حاصل على شهادة الماجستير من جامعة ويلز في الاقتصاد المالي وشهادة البكالوريوس في إدارة اعمال جامعة الحكمة ببغداد وحاصل ايضا على شهادة CFA في الاستثمار في اسواق المال، وهو مدير استثمار عراقي صدر له كتاب موجز بعنوان «البرنامج الليبرالي لعراق المستقبل» عام 1995