رئيس «مجموعة عارف» الكويتية: تراجع الحكومات يفرض تقدم القطاع الخاص لإدارة الخدمات العامة

د. علي الزميع: شركاتنا تعمل وفق المنهج الإسلامي واستثماراتنا خرجت عن المحلية ولها طابع إقليمي وعالمي

TT

تعتبر «مجموعة عارف الاستثمارية» من أولى الشركات على مستوى القطاع الخاص الكويتي، فهي ثاني شركة استثمارية تأسست بمشاركة أوروبية ـ فرنسية فأطلق عليها اسم المجموعة العربية ـ الأوروبية للإدارة المالية واختصرت احرفها باسم «عارف»، الذي استمرت تحمله بعد إتمام عملية إعادة هيكلة الشركة عام 1999 باعتباره اسماً متداولاً ومعروفاً في السوق. واختارت «مجموعة عارف» العاصمة اللبنانية لعقد مؤتمر متميز وجريء حول «الاستثمار في الخدمات العامة»، وذلك على مدار يوم اليومين الماضيين برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

«الشرق الأوسط» التقت رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للمجموعة الدكتور علي الزميع، وسألته عن المؤتمر وأبعاده فقال: «تحاول المجموعة ان تركز على خط استثماري متميز، وهناك تخوف نسبي من الولوج إليه من قبل القطاع الخاص لارتباطه بشرائح المجتمع وأجهزة الدولة، وهو قطاع الخدمات. وبعد دراسات تقييمية ومسحية قامت بها الشركة ارتأت ان تتبنى هذا الخط في قطاع الاستثمار المباشر من أنشطتها وتركز عليه، انطلاقاً من واقع أن هناك توجها حتميا على مستوى المنطقة أسوة بما تم في العالم كله من تراجع القطاع العام الحكومي وعدم استمراره وقدرته على السيطرة على هذا القطاع والاستمرار في تقديم الخدمات العامة للجمهور، وخصوصاً في قطاعات التعليم والصحة والاتصالات والادارة وغيرها». وأشار الى انه «كانت هناك قناعة بأن هذا الأمر مبني على عدة معطيات أبرزها: ان هناك تطورا اقتصاديا في المنطقة في الفكر الاقتصادي والسياسي يؤمن بهذا التحول. وهناك وضوح في الرؤية بأن الادارة الحكومية لن تستطيع الاستمرار بتقديم هذه الخدمة بذات الجودة والكفاءة والكمية وكذلك لا تستطيع ان تستمر بتقديمها بشموليتها لأنها مكلفة بشكل كبير. فقطاع الخدمات أصبح مكلفاً جداً ويحتاج الى ما يسمى الجودة العالية التي يطلبها الجمهور». وأضاف: «ان وفرة المال والسيولة في الخليج خصوصاً، تواجه إشكالية عدم وجود كفاية من الادوات المالية والاستثمارية والمشاريع التي تستطيع ان تضخ فيها هذه السيولة، وثمة حاجة متزايدة الى القطاع الخاص وحاجة موازية لاستثمار ما لديه. لذلك بنت «مجموعة عارف» رؤية استراتيجية لنشاطها في هذا القطاع بأن تعي الواقع في المنطقة، ليس فقط المنطقة الخليجية وإنما المنطقة العربية التي فيها أسواق ناضجة وفيها مواد متقدمة في قطاع التعليم والصحة والمعلوماتية ولكن تحتاج الى من يستطيع ان يتكامل مع الايمان بهذه الاستراتيجية، ومفادها ان دور الحكومات يجب ان يبقى لكن كمخططة ومتابعة ومقيمة وراسمة لسياسات».

وقال الزميع: «هناك اتجاه آخر عاكس لهذه الاستراتيجية لا يستهان به وله شواهده في لبنان والكويت مثلاً، حيث يوجد تمسك بدور الدولة كراعية، خصوصاً في قطاعي الصحة والتعليم. فأنظمة الضمانات الاجتماعية والرعاية الصحية جعلت هذه الحكومات أسيرة لها وأصبح أي قرار في هذا الموضوع قراراً سياسياً وغير شعبي، فهذا يشكل عقبة في تأخير هذا التوجه. ومن المؤكد انه من تجربتنا البسيطة في «مجموعة عارف الاستثمارية»، كونها من أكثر الشركات العربية تركيزاً على هذا الخط فإننا نستشعر فعلياً هذا الأمر، وهناك تخوف سياسي، خاصة في قطاع التعليم والاتصالات وغيرهما، ان توكل به شركات خاصة لا يعلم كيف ستتعامل مع هذه الأجيال. كذلك وحتى نكون أمناء هناك تخوف من الجمهور بأن الخدمة قد تكون جيدة ومقبولة بين شرائح من المجتمع ولكن قد تكون مكلفة ولا يستطيع جزء كبير من شرائح المجتمع ان يستفيد منها. وأنا اعتقد ان هذه الإشكالية حقيقة، والتخوف في مكانه، فلا يجب ان نلغي التخوف، بل يجب ان نفهمها ونستوعبها ولكن يجب ألا تكون عائقا».

* هل يمكن وباختصار، أن نستعرض ما يحصل في قطاعات التعليم والصحة والتقنية؟

ـ «مجموعة عارف الاستثمارية» شركة استثمار، وبالتالي لا تود ان تنغمس بشكل مباشر في تنفيذ هذه المشاريع الاستثمارية في هذه القطاعات. أهدافنا هي إنشاء شركات متخصصة تقوم بهذا الدور نستطيع من خلالها إيجاد رأس المال المطلوب والإدارة الفنية المتخصصة، بالإضافة الى الإدارة المالية. أما في قطاع التعليم فتمتلك «مجموعة عارف» حاليا بنسب متفاوتة ما يقارب 4 شركات متخصصة في هذا المجال، انطلاقاً من التعليم العام الى التعليم الجامعي الى التدريب والتأهيل، وصولا الى تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة والى ما يسمى الآن التعليم الذكي. ومن خلال هذه الشركات أستطيع القول ان «مجموعة عارف» تملك حصة رئيسية من سوق التعليم في الكويت، وبدأت تنتقل الآن الى خارج الكويت، وهناك طروحات وبدايات مشاريع في التعاون على مستوى الخليج وبعض الدول العربية، فضلا تأسيس أول جامعة خاصة في الكويت بمبادرة من «عارف»، هي الجامعة الأولى والرائدة الآن بالتعاون مع جامعة ميسوري سانت لويس في أميركا، وهي دخلت الآن عامها الثالث وفيها أكثر من ألف طالب وما تزال في سنواتها الاولى.

وفي قطاع التعليم أيضاً، هناك الآن مشروع لانشاء شركة على المستوى الاقليمي العربي في قضايا التأهيل والتدريب سواء للمتخرجين أو العاملين في أجهزة الدولة أو القطاع الخاص، وستطرح في الفصل المقبل برأسمال يقارب المائة مليون دولار، وسوف تبدأ من خلال شبكة خليجية وعربية. وهناك مساهمات في رأس المال والادارة بالإضافة الى أن هذه المجموعة ستدعم تملك بعض الكليات المتخصصة في التدريب في الولايات المتحدة، وبالتالي ستحاول المجموعة ان تكون مرتبطة من خلال الإدارة والمعرفة بأسواق متقدمة نسبياً للاستفادة من الخبرات العالمية ومن خلال تملكها لبعض هذه المؤسسات والكليات في الولايات المتحدة. أما على الصعيد الصحي، فإن «مجموعة عارف الاستثمارية» شريك رئيسي لأقدم وأول مستشفى للقطاع الخاص في الكويت، وهو مستشفى المواساة، وتمت خلال الست سنوات الأخيرة إعادة تطوير المستشفى على مستويات عدة، وهو الآن انطلق حتى بأنشطة خارج الكويت بالتعاون مع خبرات أجنبية.

* هناك معلومات عن توجه استثماري في الكويت يستهدف الصحة، فما هو الحاصل في هذا القطاع؟ ـ في الحقيقة ان هذا الامر ليس توجها، بل هو واقع، حيث يوجد حاليا في الكويت ما لا يقل عن 7 مستشفيات بدأت تعيد تطوير نفسها بشكل جدي، وهناك حوالي 5 مشاريع جديدة تحت التأسيس أيضاً. وخلال السنوات الأخيرة كانت هناك صناعة استثمارية كويتية لا بأس فيها في القطاع الصحي أيضاً، ومتوقع لها ان تكون ذات تميز، وبعضها سيبنى على تخصصات معينة، في الحقيقة التوقعات التي تتحدث عنها صحيحة وجزء كبير منها بدأ يرى النور.

* هل هناك أكلاف تنافسية لحد ما أم هي موجهة لشرائح معينة؟ ـ في اعتقادي انه في غياب نظام تأمين صحي من قبل الدولة من المؤكد انه ما زال صعباً ان يكون القطاع مفتوحاً بشكل كامل، إضافة الى انه لا يمكن ان تكون الأكلاف منافسة في داخل الكويت لأن التطبيب داخلها مجاني، وبالتالي لا تستطيع ان تنافس خدمة مجانية، إنما يتجه الناس الى الخدمات الصحية في القطاع الخاص لبعض المتطلبات، شعورهم انه في بعض القطاعات هناك جودة أكثر للحصول على امتيازات خاصة شخصية وفعالية أكثر.

* لكني أقصد التنافس مع الخارج؟

ـ مع الخارج ما زالت اسعارنا مقبولة جداً وتنافسية. الاشكالية التي يواجهها القطاع الخاص في الكويت وعموم الوطن العربي هي ان مستواه الى الآن لم يصل الى القطاعات ذات التعقيد الكبير او التخصصات الدقيقة نتيجة عدم وجود تشجيع حكومي، إلا اننا نأمل ان يكون في المستقبل هناك نوع من السياسات الحكومية التي تساهم أكثر في تنمية هذا القطاع.

* بالنسبة الى التقنية، واضح انها الأقل عدوى، أي لم يكن هناك تدخل حكومي حقيقي في هذا الموضوع باستثناء مجال الاتصالات؟ ـ أساساً قطاع المعلوماتية وليس الاتصالات صعب أن تلج فيه الحكومات ولن تلج فيه، لأن فيه تعقيدات متعددة ويحتاج الى السرعة والابتكار والتنمية بعيدا عن البيروقراطية والروتين الحكومي. وبالنسبة لـ«مجموعة عارف الاستثمارية» ارتأت منذ البداية ان هناك مثلث لانشطتها التعليم والصحة والادارة التي لا يمكن ان تستمر او تتطور إلا من خلال التقنية المتقدمة، في التطبيب هي شرط رئيسي وبالتعليم توجد الآن المدرسة الذكية، وبالتالي تسعى المجموعة بأنشطتها المختلفة الى ان تكون دائماً مرتكزة الى المعلوماتية كمحور رئيسي.

وتملك «عارف» شركتين في هذا القطاع هما عالم الخليج وعالم التقنية، وهما متخصصتان في تطوير الأنظمة، وبالتعاون والاندماج مع مجموعة لبنانية تم الانتقال الى السوق اللبناني. وكذلك مع هذه المجموعة تم الحضور في السوق الاماراتي وهناك توجه الى السوق المصري. وتركز هذه الشركات على تطوير الانظمة وخصوصاً في الجانب الإداري والمالي والتعليمي وتعتبر هذه المجموعة التي شكلت الاندماج الجديد من المجاميع العربية القليلة التي لها مساهمات في قضية تطوير أنظمة التعليم والتعلم عن بعد.

* هناك اهتمام ايضاً باستثمارات تقليدية، هل سيشوش ذلك على الهوية الأساسية لـ«مجموعة عارف الاستثمارية»؟

ـ عندما بدأت المجموعة هذا الخط لم تكن تستطيع في البداية ان تبتعد عن الأدوات الاستثمارية والمالية التقليدية في السوق، لأنه كما هو معلوم فإن الاستثمار المباشر بشكل عام وبالقطاعات التي ذكرناها بشكل خاص يتطلب استثمارات متوسطة الى طويلة، ولذلك يجب ان تكون لديك استثمارات رديفة تستطيع ايضاً ان تجعلك موجودا في السوق وتحقق غرضا أساسيا، وهو تحقيق الربحية من النشاط الجديد. أما بالنسبة الى قضية الخوف على الهوية والوضوح الاستراتيجي، فهناك القطاعات الأخرى التي تدار من خلال شركات مستقلة ومع حلفاء آخرين وبشكل مستقل عن الادارة اليومية لـ«مجموعة عارف الاستثمارية»، بحيث ان تركز المجموعة بشكل رئيسي على قطاع الخدمات الذي هو يمثل الجزء الأساسي في نشاطها.

* هل المجموعة تعمل ضمن أنظمة الشريعة الإسلامية كمجموعة، أم ان هناك بعض الشركات التابعة تعمل وفق هذا النظام؟ ـ يلزم البنك المركزي في الكويت الشركات ان تخضع في نظامها الأساسي الى أحد الخطين: إما التقليدي أو الإسلامي، وفي حال اختيار أحد الخطين يجب الالتزام به بشكل كامل فهو احد السياسات المالية في السوق الكويتية. ونحن وفق نظامنا الاساسي اخترنا النظام الإسلامي حتى نعمل به، وبالتالي فالمجموعة ملتزمة بأنشطتها، وشركاتها ملتزمة بهذا الخط، وهو سوق جيد وجديد وفيه فراغات كبيرة وعليه طلب متزايد في الاسواق العامة.

* مجموعة عارف ذات هوية كويتية، الى أي مدى ستطور هويتها لتكون شركة اقليمية؟ ـ لكي أكون أميناً، الآن الأبعاد الوطنية وحتى الاقليمية بدأت تنتهي. الآن نحن نواجه عصر العولمة وخصوصاً في ما يتعلق برأس المال. على المستوى الإداري أو الهياكل نستطيع القول انه لنا وجود في الامارات وفي لبنان وفي المغرب العربي وفي البحرين بشكل مباشر او غير مباشر، وأعتقد اننا بدأنا الخروج عن الاطار المحلي والوطني. وتجسيداً لهذا الأمر، الملاحظ ان جزءا كبيرا ورئيسيا من استثمارات «عارف» خارج الكويت.