عملية إعادة الإعمار في العراق تراوح مكانها بسبب «تباطؤ» المانحين ومشكلات في العقود وتدهور الأمن

TT

عمان ـ أ.ف.ب: رغم الوعود الكبيرة، لا تزال عملية إعادة الإعمار في العراق تراوح مكانها في ظل غياب ضخ الأموال اللازمة من جانب المانحين وامتناع الشركات التي فازت بعقود عن تنفيذها بحجة الأوضاع الامنية المتردية، كما اشتكى مسؤولون عراقيون شاركوا في ملتقى هذا الأسبوع في عمان. وقد ناشد ملتقى «الإسكان والتطوير الحضري في العراق»، الذي نظمه مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في عمان واختتم اعماله أول من امس، في توصياته «المجتمع الدولي أن يكون سخيا في تقديم المساعدات المالية للعراق وغير ذلك من الدعم».

وأوضح محمود عثمان عضو الهيئة الاستراتيجية لاعادة إعمار العراق، أن الجانب العراقي يبذل جهودا لتسريع عملية اعادة الإعمار، إلا أن ثمة «تباطؤ» من جانب الدول المانحة في الايفاء بتعهداتها المالية التي سبق ان أعلن عنها في مؤتمرات الجهات المانحة. وقال عثمان: «في اجتماع أبو ظبي للدول المانحة قبل ستة اشهر، قدمنا قائمة تضم 727 مشروعا، هناك محاولات مكثفة من الجانب العراقي في الإسراع بعملية إعادة الإعمار، إلا أن المبالغ التي تعهدت بها الدول المانحة لم تحول منها إلا نسبة بسيطة».

وقد تشكلت الهيئة الاستراتيجية لإعادة إعمار العراق في نهاية عام 2003، وتضم وزير التخطيط والتعاون الانمائي رئيسا، ووزير المالية نائبا للرئيس، الى جانب خبيرين وممثل للدول المانحة. ومهمة هذه اللجنة الموافقة على المشاريع بعد اخضاعها لدراسة لجنة فنية تضم ممثلي الوزارات. ومنذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، عقدت ثلاثة اجتماعات لجهات مانحة لإعادة إعمار العراق في مدريد في أكتوبر (تشرين الأول) 2003، وأبو ظبي في فبراير (شباط)، والدوحة في مايو (ايار) الماضيين. كما أعلنت اليابان نيتها استضافة مؤتمر رابع للجهات المانحة للعراق في أكتوبر المقبل.

ورغم أن الجهات المانحة كانت تعهدت تقديم 33 مليار دولار من المساعدات للعراق، إلا انه لم يصرف فعليا في العام الأخير سوى مليار دولار من المساعدات للعراق، وهو ما يعتبره المسؤولون العراقيون مبلغا ضيئلا بالنسبة للاحتياجات الضخمة لعملية إعادة الإعمار. وهذه الأموال التي تقدمها الدول المانحة لا تسلم مباشرة الى الحكومة العراقية، بل الى صندوقين دوليين مخصصين لاعادة اعمار العراق، تدير الأول الأمم المتحدة، والثاني البنك الدولي. إلا ان العوائق التي تواجه عملية اعادة اعمار العراق لا تتوقف عند حد غياب التمويل اللازم بل تتعداها الى طريقة التنفيذ والعقود المبرمة مع الشركات الملتزمة.

وكان وزير التخطيط العراقي مهدي الحافظ الذي افتتح اعمال الملتقى في عمان، انتقد بشدة الطريقة المعتمدة في مشاريع اعادة الاعمار حتى الآن، معتبرا ان «حصيلتها غير مشجعة، وانها لا تزال دون الطموح».

ولم يتوان الحافظ عن الإشارة الى «مظاهر فساد وافساد»، متحدثا عن «حقائق صارخة»، منها وصول كلفة الأمن في بعض المشاريع الى 60 في المائة من الكلفة الاجمالية، وعن «ثغرات، أهمها طريقة التعاقد وخلوها من الشفافية والمساءلة، وعدم إشراك العراق بمختلف مؤسساته بشكل مباشر في العملية». وقد قدمت العديد من الوزارات العراقية المعنية اوراقا عرضت فيها حاجاتها والخطوات التي تمكنت من تنفيذها ضمن خططها، ابرزها وزارة الاسكان التي حذرت من «أزمة كبيرة قد تتحول الى كارثة اذا بقي الوضع على حاله»، كما قال المستشار في الوزارة المهندس سعد الزبيدي.

وأوضح الزبيدي أن «هناك حاجة لبناء حوالى مليون ونصف مليون وحدة سكنية في كل العراق، اضافة الى معالجة مشكلة المرحلين والمهجرين والعائدين وبعضهم صودرت ممتلكاته، اضافة الى المشردين والعوائل ذات الدخل المتدني جدا». ومن اصل ثلاثة عشر مشروع مجمع سكني تمت الموافقة عليها بحيث تؤمن سبعة آلاف وحدة سكنية في مختلف المحافظات، لم يباشر بتنفيذ سوى ثلاثة مشاريع على يد شركات عراقية، وذلك بسبب تمنع الشركات الملتزمة من البدء بالتنفيذ بسبب الاوضاع الامنية. وقال الزبيدي « ننتظر تحسن الوضع الامني أو فسخ العقود مع الشركات المقاولة ومعظمها اقليمية، واحالتها على جهات لها قدرة على البدء بالتنفيذ والعمل في الظروف الحالية».

وقد خصصت وزارة المالية موازنة للاسكان خلال 2004 بقيمة لا تتعدي 134 مليون دولار، في حين أن العراق طلب في مؤتمر مدريد للدول المانحة مبلغ ملياري دولار لعامي 2004 و2005 لغرض البدء بتطويق ازمة السكن، كما قال المسؤول العراقي.

ويفاقم مشكلة السكن في العراق وجود 23 ألف عائلة عراقية عادت من الخارج، تضاف الى 900 ألف عائلة تم ترحيلها خلال سنوات النظام السابق من الجنوب والشمال الى وسط البلاد وبالاتجاه المعاكس، يسكنون حاليا دوائر الدولة المتروكة، كما قال مسؤول في وزارة المهجرين والمهاجرين العراقية. وأوضح ممتاز عبد الله ان الوزارة التي يعود تاريخها الى 17 شهرا فقط تقدمت الى الحكومة بمشروع لانشاء 700 وحدة سكنية في مختلف المحافظات بكلفة 55 مليون دولار، الا انها لا تزال تنتظر التمويل الخارجي. وأضاف هذا المهندس «هناك طاقات عراقية لا يستهان بها، الا ان المانح لا يتفهم ذلك بصورة سريعة وقد يتردد لانه يخاف على مصلحته أكثر من خوفه على المستفيد»، مشيرا الى «مشكلة عدم فهم بين الطرفين العراقي والمانح».