ارتفاع أسعار البنزين يثير مشكلة اقتصادية مقبلة في الإمارات والأردن وسط مخاوف من استمرار خسائر المحطات

«اينوك» الإماراتية تقود حملة غير مسبوقة للضغط من أجل تحرير الأسعار والمسؤولون في الأردن يخشون تأثير الارتفاع على الميزانية

TT

أدى الارتفاع التاريخي لاسعار النفط في الاسواق العالمية الذي تجاوز الخمسين دولارا في الاسبوعين الماضيين الى ارتفاع في اسعار المشتقات النفطية واهمها سلعة البنزين وهو ما ادى الى تهديد احدى كبريات شركات توزيع وقود السيارات في الامارات بالتوقف عن بيع البنزين في محطاتها بنهاية الشهر الحالي بسبب تراكم خسائرها. وقال مسؤول في مجموعة «اينوك» في دبي والتي تمتلك اكثر من 300 محطة في امارات دبي والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة وام القيوين ان «سائقي السيارات في دولة الإمارات قد يضطرون قريبا الى الوقوف في طابور للتزود بالبترول».

ووفقا للشركة فإن خسائر محطات الوقود في البلاد تتجاوز المليون دولار يوميا فيما بلغ اجمالي خسائرها المتراكمة على مدى السنوات الخمس الماضية اكثر من 122 مليون دولار. وتطالب الشركة والتي تمتلك حكومة دبي حصة فيها بتحرير اسعار البنزين اسوة بالديزل. وتشتري هذه الشركات وعددها اربع، البنزين بسعر 6.75 درهم (1.8 دولار) للجالون وتلزمها السلطات ببيعه بسعر 4.75 درهم (1.2 دولار) للجالون، في الوقت الذي تجاوزت فيه أسعار البترول الخام حاجز الخمسين دولارا للبرميل في الاسواق العالمية. وتطالب اينوك وايبكو برفع اسعار البنزين بواقع درهمين أي بنسبة 50% من الاسعار الحالية. الا ان شركة أدنوك للتوزيع التي تملكها حكومة ابوظبي وشركة »امارات« المملوكة للحكومة الاتحادية لم تناصرا »اينوك« وشقيقتها »ايبكو« في حملة الضغط على الحكومة اذ اكدتا انهما ستواصلان تزويد المستهلكين باحتياجاتهم من كافة أنواع الوقود بنفس الأسعار المقررة من قبل وزارة النفط والثروة المعدنية. واستبعدت مصادر نفطية في الامارات رفع اسعار البنزين في البلاد في المدى المنظور. ووفقا لمصادر فإن وزارة النفط والثروة المعدنية تدرس خيارين لمواجهة الخسائر التي تتعرض شركات التوزيع لها، الأول يقضي باتخاذ قرار بتحرير أسعار الوقود في البلاد بحيث تخضع لقانون العرض والطلب، والثاني يقضي بأن تقدم الوزارة دعماً لشركات التوزيع يعينها على شراء الوقود بأسعار تتلاءم والأسعار التي تباع بها للمستهلكين.

واشارت تقارير الى ان خيار دعم اسعار شراء الوقود يحظى بقبول لدى الوزارة بوصفه الانسب في المرحلة الراهنة لدعم شركات التوزيع على مستوى البلاد والحد من خسائرها.

وتزود «اينوك» السوق المحلي بنحو 46 % من احتياجاته من الوقود في حين تقتسم شركات الإمارات واينوك وايبكو النسبة المتبقية ومقدارها 54 %.

وتبين الاحصاءات ان أسعار البنزين في الامارات أعلى بمقدار كبير عن نظيراتها في دول الخليج التي كانت تقدم بشكل او بآخر دعماً لأسعار المشتقات النفطية في السبعينات والنصف الأول من الثمانينات. وقد تعذر على دول المجلس الابقاء على هذا المستوى المرتفع من الدعم للمستهلكين المحليين. فعمدت المملكة العربية السعودية ودولة الكويت والبحرين الى إعادة النظر في الأسعار المحلية للمنتجات وتعديلها. وقامت السعودية في مطلع عام 1991 برفع أسعار كافة المنتجات البترولية، عدا زيت الوقود، بحوالي الضعف بهدف توفير ايرادات اضافية للموازنة، بصورة عامة، وترشيد الاستهلاك من الطاقة.

وتأتي عمان في المقدمة خليجيا من حيث اسعار البنزين ويباع الجالون بسعر 5.45 درهم تليها الامارات في المرتبة الثانية 75. 4 دراهم، ثم البحرين ثالثا 4.55 درهم دراهم ثم السعودية رابعا (4 دراهم)، والكويت خامسا 3.50 درهم، في حين يباع سعر الجالون في إيران المجاورة بسعر 5.1 درهم. ويرى خبراء هناك بأن من شأن زيادة اسعار البنزين بمعدل درهم بالجالون ان تقود الى زيادة تكلفة الانتاج وبالتالي تباطؤ النمو الاقتصادي وخفض القدرة التنافسية للشركات الوطنية وارتفاع تكاليف المعيشة. وكانت الحكومة رضخت في ابريل (نيسان) الماضي لضغط شركات التوزيع فرفعت اسعار البنزين بنسبة 18% حيث ارتفع سعر الجالون من 4 دراهم إلى 75. 4 دراهم.

وفي الاردن بات ارتفاع اسعار النفط في الاسواق الدولية يقلق المسؤولين الاردنيين نتيجة تأثيره على حسابات الموازنة العامة التي تعاني اصلاً من عجز دائم استمر على مدار اعوام.

وفاجأ وزير المالية الاردني محمد ابو حمور باعلانه بأن موازنة العام الحالي ستعتمد 40 دولارا كسقف لسعر البرميل بدلا من 26 دولارا وهو ما سيزيد العبء القديم والبالغ 280 مليون دينار (392 مليون دولار) الذي تدفعه الحكومة مقابل دعم المشتقات النفطية.

اسعار المشتقات النفطية في الاردن بما فيها الغاز تحمكه معادلة خاصة وضعتها الحكومة الاردنية بالتعاون مع مصفاة البترول الاردنية المزود الوحيد والمحتكر لبيع البنزين والمشتقات الاخرى رغم ان المصفاة تدار من قبل القطاع الخاص لكن هنالك مساهمة حكومية كبيرة في رأسمال الشركة.

وحسب تصريحات المسؤولين الاردنيين فإن كل زيادة بمقدار دولار واحد على برميل النفط يكلف الخزينة نحو 20 مليون دينار (28 مليون دولار) سنويا، وحتى اللحظة فان الفرق بين السقف الذي بنيت عليه الموازنة »26 دولارا« والأسعار العالمية التي صعدت بشكل قياسي لتتجاوز 50 دولارا زيادة على السعر وحسابياً مع اعتماد الحكومة (40 دولارا) في موازنتها سعرا للبرميل فان الكلفة على الخزينة هي بحدود 280 مليون دينار. ولجأت الحكومة الاردنية في اكثر من مرة لرفع اسعار البنزين والسولار والكاز وغالبا ما تكون خلال الربيع تجنبا لزيادة الاحتجاجات الشعبية من كل الاطراف التي تعتبر فصل الشتاء فصل الاستهلاك والذي قد يضر بشريحة واسعة من مواطني الدخل المحدود والمتوسط.

ورغم ذلك تلوح الحكومة بزيادة جديدة مع نهاية العام الحالي بحجة ارتفاع اسعار النفط في الاسواق العالمية من جهة وفقدان منحة نفطية عراقية بقيمة 300 مليون دولار بسبب الحرب وتوقعات بفقدان المنح النفطية الخليجية حيث يحصل الأردن على منحة نفطية سعودية تشكل نصف احتياجاته اليومية البالغة مائة الف برميل يوميا وقد تزيد، فيما يشتري من الأسواق نصف هذه الكمية اضافة الى منح سابقة حصل عليها من الكويت والامارت لكن تواجه الحكومة احتجاجات شديدة رغم انها وفي كل مرة كانت تفاجيء الاوساط الاردنية بعملية رفع الاسعار ويؤكد معارضون لتلك العملية بأن الحكومة تلجأ لذلك بهدف تعويض العجز في موازنتها ويقولون انه في حال استمرت الحكومة بتحمل فرق الدعم كاملاً، فان المالية العامة مستمرة بالتعامل مع العبء الجديد، بامتصاص الزيادة مع كلفتها الباهظة، لكن في النهاية فان على الحكومة ان تحتكم لعوامل السوق، والتخلي عن لعب دور التاجر في ملف النفط لحساب مصفاة البترول مع ضرورة تسريع فك احتكارها والسماح بالمنافسة على نطاق واسع وهو ما يتيح فعليا احلال آلية السوق في محل السقوف او تقييد الأسعار او حتى الرفع التدريجي للدعم. ويضيف المعارضون أن الحصول على منح نفطيةلا زال مؤقتا ويمكن توقفها في أي لحظة وعلى الحكومة اتخاذ خطوات جريئة لاعادة هيكلة الاقتصاد على اساس النزول بالنفط بالأسعار العالمية ومن مصادر متعددة آجلا أم عاجلا، وهو اجراء سيمهد في نهاية المطاف لتحرير السوق.

وفي جانب اخر يرى اقتصاديون اردنيون ان كلفة الاستيراد مرشحة الآن للزيادة في ضوء ارتفاع اسعار النفط، التي رفعت معها كلف الانتاج في اوروبا والولايات المتحدة الأميركية وشرق آسيا وهي الأسواق التقليدية لمستوردات الاردن وهو ما يظهر جليا في عجز الميزان التجاري الأردني الذي يشهد ارتفاعات مطردة رغم زيادة حجم الصادرات.

هنالك اصوات اخرى تخالف مسألة تحرير السوق وتدعو الى حلول في اتجاهين الاول التمسك باعلان المسؤولين بالعراق عن مباحثات انشاء مشروع انبوب نفط مشترك و الذي تقرر ان يتم مرة واحدة بدلا من آلية سابقة قسمته الى مرحلتين مع تأكيدات عراقية باعادة بناء انبوب النفط والذي يضمن تزويد الاردن بالنفط ويفترض ان يمتد الانبوب من محطة الضخ في حديثة (ك 3) الى مصفاة البترول الاردنية بالزرقاء، وبما يواكب دراسات تطوير المصفاة وسعتها الحالية والمستقبلية. اما الحل الاخر فهو التنقيب عن النفط بعد أن اعلنت شركة غينكو الاسرائيلية للتنقيب عن النفط انه ظهر من المسح الذي اجرته في الجانب الاسرائيلي للبحر الميت احتمال وجود حتى 20 مليار برميل نفط ولكن امكانية الاستخراج تتراوح ما بين 5% الى 35%, وان عمليات الحفر ستبدأ في العام المقبل 2005 وستصل قريبا الى الحدود الاردنية ولكن ليس بمحاذاتها بسبب عمق المياه هناك. ولا يوجد أي اتصال بين الشركة وبين الجانب الاردني وهنالك شركة أميركية تبحث عن النفط في الاردن ولكن لا توجد معلومات حول ما تم التوصل اليه، وادعت مصادر في الشركة ان هناك ميلانا الى الشمال الغربي للبحر الميت مما يجعل وجود النفط في الجانب الاسرائيلي اكثر منه في الجانب الاردني على حد زعمهم.