الحسابات المنسية في البنوك العالمية

سعود الأحمد*

TT

القريبون من الأعمال المالية والاقتصادية، يدركون أن من طبيعة التعامل المصرفي أن تبقى لبعض العملاء حسابات أو أرصدة في الحسابات الجارية أو الودائع الثابتة، ينساها أصحابها أو يموتون عنها وبعضها بأرصدة كبيرة. وقد يكون ذلك نتيجة أخطاء في المطابقات أو العمليات التبادلية أو شيكات، يقفل أصحابها حساباتهم لدى هذه البنوك قبل ورودها فيها (لأنها تكون مقفلة وليس لها وجود). وتبقى هذه المبالغ ترحل ضمن موجودات هذه البنوك من سنة لأخرى، لا يعلم عنها أصحابها، ولا يوجد نظام يلزم البنوك البحث عن أصحابها لإيصالها لهم (أو لورثتهم). ولعلي أذكر بحالات للحسابات المنسية بالبنوك السويسرية، والتي كانت قد اعتبرت ديونا مصرفية، وبقيت بالسجلات المحاسبية منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن! ونشرت خبره «الشرق الأوسط» (بعددها رقم 6813 الخميس 24/7/1997م) نقلاً عن الصحف الألمانية، يوم أن ظهر رئيس اتحاد المصارف السويسرية وهو يعرض أمام الصحافيين قائمة بأسماء آلاف المودعين الذين لهم حق المراجعة لتسلم ودائعهم ومن بينهم أسماء عربية. وأطرح سؤالاً لو استُولي على هذه الأموال، أو لم يُعلن عنها، من كان سيدري عنها؟

والأهم من ذلك ما هو المبرر لبقاء الأموال في حوزة غير أصحابها، لتبقى تستثمرها البنوك الأجنبية في أعمالها المصرفية الأخرى، وترحلها في حساباتها ضمن موجوداتها من عام لآخر، تحت تسميات مثل «حسابات مرحلة) أو «تحت التسوية أو معلقة »، وربما تعالجها بعض المؤسسات المصرفية محاسبياً كإيرادات أخرى! هذه الأموال قد يكون أصحابها بأمس الحاجة لها، خصوصاً إذا كانوا ورثة بالنسب أو العصب (وهم لا يدرون عنها). ناهيك من الحسابات السرية لبعض الرموز السياسية وكبار رجال الأعمال، الذين من الطبيعي أن تكون لهم حسابات جارية أو ودائع خاصة سرية، لا يعلم عنها سواهم. ثم إن مثل هذه الأرصدة التي يضعها السياسيون أو أبناؤهم أو وزراؤهم، ويموتون فجأة أو يقتلون في صراعات على الحكم.. هذه الأموال حق وطني لبيوت أموال دولهم، ومن حق دولهم المطالبة بها. ثم إن من المتعارف عليه أن الودائع المصرفية (سواء الحسابات الجارية أو الودائع تحت الطلب أو الثابتة)، هي في الأصل أمانات للناس في ذمم البنوك، لا يوجد ما يبرر الاستيلاء عليها. ناهيك من أن مثل هذه الأموال المنسية، مدعاة لعمليات الاختلاس والتوظيف في أعمال غير شرعية، كتمويل الإرهاب وترويج صفقات المخدرات وغسيل الأموال. والذي أقترحه في هذا الصدد أن يأتي من يتبنى تدويل هذه المشكلة، بحيث تتولى حكومة «ما» المطالبة باستصدار نظام دولي يحرم على البنوك العالمية استباحة أرصدة الحسابات السرية لديهم، والإبلاغ عن كل حساب سري يموت عنه صاحبه، أو يتركه لمدة معينة، أو الحسابات التي لا تجدد المعلومات عن أصحابها خلال مدة دورية (كل خمس سنوات مثلا).

*محلل مالي