غياب الحريري يثير قلق الوسط الاقتصادية في لبنان والبورصة تتراجع 4% وسط تزايد الطلب على الدولار

خبير: الاستقالة قد تحرم الحكومة من وزنه المعنوي لحماية سعر صرف الليرة والدعم الدولي لأي برنامج إصلاحي

TT

لم تفاجئ استقالة حكومة الرئيس رفيق الحريري أياً من الأوساط المحلية أو الاقليمية أو حتى الدولية، ولكن المفاجأة جاءت باعتذاره عن تشكيل الحكومة الجديدة بالرغم مما قيل عن وجود رغبة سورية في بقائه على رأس الحكومة العتيدة. وتعتبر مصادر مطلعة أن ما أفضى إلى هذا الاعتذار هو صعوبة التفاهم مع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود على التشكيلة الجديدة.

وإذا كانت الأوساط السياسية قد تقبلت «الصدمة»، فإن الأوساط الاقتصادية والمالية التزمت الحذر بانتظار ما ستؤول إليه التطورات المقبلة. غير أن السوق المالية كانت الأسرع تأثراً بالظروف التي أدت الى اعتذار الرئيس الحريري. وفي هذا المجال، وبحسب وكالة فرانس برس، فقد تراجعت بورصة بيروت بحوالي 4 في المائة أمس غداة استقالة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وهو من كبار رجال الأعمال، ويحظى بثقة كبيرة لدى المستثمرين. وأغلق مؤشر بلوم أمس على 557047 نقطة متراجعا بنسبة 3.9 في المائة عن يوم أول من أمس.

وقال أحد المحللين في مصرف لبناني كبير، «إن مؤشر البورصة تراجع بسبب تراجع أسهم شركة سوليدير، بعد ما جرى أول من أمس من استقالة صاحب أكبر الأسهم في الشركة»، رفيق الحريري. وتراجع سهم سولدير أمس بنسبة 7.01 في المائة وبلغ 6.63 دولارا بالنسبة للسهم (+أ+)، فيما تراجع السهم (+ب+) بنسبة 6.47 في المائة، وبلغ 6.64 دولارا. وتثير استقالة الحريري، الذي ينظر إليه باعتباره أحد مهندسي إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، القلق بشأن مستقبل الاقتصاد في هذا البلد الذي يرزح تحت ديون تبلغ 33 مليار دولار.

وفي أسواق العملات تم تبادل العملة الوطنية بسعر 1514 ليرة للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى في التذبذب المسموح به للدولار صعودا وهبوطا. ولاحظ أحد العاملين في حقل الصيرفة أن «هناك طلبا محدودا على الدولار لكنه لا يثير الذعر»، وتشير مصادر مصرفية إلى أن الطلب على الدولار، الذي كان في الأيام العادية يراوح بين 15 و20 مليون دولار، بدأ يتصاعد بعد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559. لكن تصاعد الطلب لم يؤد إلى حالة هلع كان يتخوف منها البعض، وإنما خفض احتياطيات المصرف المركزي بنحو نصف مليار دولار، خلال الأسابيع القليلة الماضية، وضخمت بعض الأوساط هذا الرقم إلى حدود المليار دولار مما استدعى نفي وزير المال السابق فؤاد السنيورة وحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة.

وأمس، تحديداً، فتحت السوق على رد فعل نفسي على إعلان الرئيس الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة، وأفاد رؤساء قطع لدى المصارف أن الطلب على الدولار ارتفعت وتيرته إلى حدود 100 مليون دولار، لكنه بقي من دون المعدلات المعتادة في أحداث مشابهة. وعلمت «الشرق الأوسط» أن عدة اجتماعات حصلت أمس في «المركزي»، كان أحدها بين سلامة وأركان جمعية المصارف، جرى خلاله استعراض الأوضاع القائمة في السوق والتداعيات المحتملة. كما جرى التأكيد بأن أوضاع سوق القطع تحت السيطرة مع توفر احتياط قوي من العملات الصعبة لدى البنك المركزي يتجاوز 11 مليار دولار ما عدا الذهب، مما يوازي نسبة كبيرة من السيولة المتوافرة بالليرة.

ويمنح البنك المركزي قدرات مهمة للتحكم بالسوق وتلبية تصاعد الطلب على الدولار، ويأمل المعنيون في «المركزي» والجمعية ألا يتأخر تشكيل الحكومة الجديدة، وأن يراعي تشكيلها دقة التحديات الداخلية والخارجية بما يمكن من الاستمرار في سياسة الاستقرار النقدي التي نجح «المركزي» في إرسائها منذ أعوام.

وعلى المستوى الاقتصادي، أشار الخبير الدكتور انطوان حداد، إلى «أن لا أحد من الطبقة الحاكمة في لبنان يملك تصوراً متكاملاً لحل الأزمة الاقتصادية المكونة من عنصرين رئيسيين، أولهما تفاقم الدين العام وخصوصاً تزايد كلفة خدمته التي باتت تشكل نصف إنفاق الموازنة وخمس الناتج المحلي، وهو رقم قياسي بالمقارنة مع باقي الدول، وثانيا هناك العجز المتواصل في الموازنة، الذي هو أحد مسببات تفاقم الدين العام، وفي الوقت نفسه هو أحد نتائجه، هذا العجز يتأتى من أربعة عناصر: كلفة خدمة الدين، كلفة الفساد السياسي، وكلفة ماكينة المحاسيب والأزلام التي أصبحت تتشكل منها الدولة والإدارة، والكلفة المرتفعة للقوات المسلحة من جيش وقوى أمن وأجهزة أمنية، والتي لا يتناسب حجمها المتضخم مع حاجات لبنان. كل ذلك يؤدي إلى وضع أعباء الأزمة على عاتق شركات القطاع الخاص وعلى المواطنين الذين باتوا محاصرين بالضريبة من كل الجهات. إن كسر هذه الحلقة المفرغة يتطلب برنامجاً إصلاحياً يتضمن بالدرجة الأولى قراراً بالإصلاح السياسي يستلزمه تخفيض هذه الأكلاف المتعددة المذكورة، وكلها أكلاف سياسية».

واعتبر حداد «أن غياب الحريري عن سدة المسؤولية قد يحرم السلطة من عنصرين ايجابيين، أولهما وزنه المعنوي حيال حماية سعر صرف الليرة. وثانيهما، وهو الأهم، الدعم الدولي لأي برنامج إصلاحي، والذي تجسد العام الماضي في «باريس ـ 2»، والذي لن نرى حتماً أي تتمة له في ظل حكومة ستكون موضع ريبة واتهام متزايدين من قبل المجتمع الدولي. ويمكن القول إنه مع الحريري كانت مهمة الإصلاح صعبة وشاقة، وهي، باعتذاره اليوم، أصبحت بلا شك أكثر صعوبة إذا لم نأخذ في الاعتبار مفاعيل أي تدابير عقابية مستجدة من قبل المجتمع الدولي».