عائدات النفط المرتفعة... هل تؤدي إلى تسريع الإصلاحات الاقتصادية الخليجية؟ (3 ـ 4)

د. محمد سالم سرور الصبان*

TT

جاء الجزء الأول من المقال ليعكس طبيعة العوائد النفطية المرتفعة للدول الخليجية لهذا العام 2004، نتيجة استمرار الأسعار العالية عند مستويات تتجاوز في متوسطها مستوى 40 دولارا للبرميل لتكسر في فترات حاجز الـ 51 دولارا للبرميل من الخام الأميركي (W T I). وذكرنا أنه يمكن لهذه العائدات النفطية أن تصل إلى 300 بليون دولار، وتمثل وضعا ماليا مريحا لدول المنطقة، تحصل السعودية على النسبة الأكبر من هذه العائدات، ليس فقط نتيجة لزيادة الأسعار، وإنما لكونها قد زادت انتاجها النفطي إلى 9.5 مليون برميل يوميا لشهور عدة من هذا العام. إلا أننا ذكرنا أيضا أن هذه العائدات المرتفعة لا يمكن الركون إليها والتعلق بأمل تكرارها خلال السنوات المقبلة، حيث أن أسعار النفط من الارتفاع، بحيث تنذر لو استمرت عند هذه المستويات ولفترة أطول إلى تسريع بعض التغيرات الهيكلية في العرض فيزداد استثمار شركات النفط العالمية للتوسع في الطاقة الانتاجية في مختلف مناطق العالم، كما أن معدلات النمو في الطلب العالمي على النفط تأخذ في الانحسار، وإن تطلب هذا وقتا أطول نسبيا.

وباختصار، فإن الأسعار المتطرفة، سواء المتدنية منها أو المرتفعة جدا، تعمل في حدوث الدورات الاقتصادية في سوق سلعة النفط، وإن كان عامل المرونة في هذه السوق يمنع التغيير الفوري لهذه السوق.

وأوضحنا أنه بقراءة تاريخ سوق النفط العالمية، تتأكد لنا حقيقة عدم صحة التوقعات التي سادت في السبعينات وأوائل الثمانينات من أن أسعار النفط المرتفعة وقتها جاءت لتبقى بل وانها ستصل تباعا إلى معدلات قياسية تفوق مائة دولار للبرميل، وهو الأمر الذي لم يحدث، بل تدهورت أسعار النفط مع بداية النصف الثاني من الثمانينات لتصل إلى 40 دولارا للبرميل أقل بكثير من مستوياتها في أوائل الثمانينات والتي وصلت فيها إلى أكثر من 34 دولارا للبرميل. إن استمرار الاعتماد المطلق لدول الخليج على مصدر واحد، وهو العائدات المتحققة من تصدير النفط الخام، يُعد أمراً مقلقاً، خاصةً أن تقلبات سوق النفط العالمية تخضع للكثير من العوامل، وليس للدول المنتجة إلا دور محدود في التأثير عليها، الأمر الذي تنتج عنه تقلبات متلاحقة في إيرادات الحكومات الخليجية التي ما زالت هي المحرك الرئيسي لعجلة التنمية الاقتصادية في ظل تنامي بطء القطاع الخاص لأخذ زمام القيادة في هذا المجال. ونجد أن استمرار الاعتماد المطلق على تصدير النفط الخام وعدم حدوث تنويع حقيقي في اقتصاد معظم دول الخليج، إضافة إلى المعدلات المرتفعة للزيادة السكانية في هذه الدول، والبطء في اتخاذ خطوات الإصلاح الاقتصادي الضرورية في الفترة الماضية التي ازدهرت فيها عائداتها النفطية، أدت مجتمعة إلى تراكم المشكلات الاقتصادية، مثل البطالة وتراكم الدين العام وضعف ونقص التجهيزات الأساسية في ظل الطلب المتزايد عليها، وغيرها من المشكلات، الأمر الذي أثر في مستوى معيشة المواطن الخليجي نتيجة انخفاض مستويات الدخل الفردي بعد أن كانت من أعلى المعدلات العالمية، وارتفاع تكلفة المعيشة في المنطقة. لذا فإن الارتفاع الحالي والمؤقت في عائدات دول الخليج، لا بد أن يُستغل في تسريع برامج الإصلاح الاقتصادي، مثل التخصيص وتقليص معدلات البطالة وإزالة معوقات الاستثمار من خلال تسهيل الإجراءات الحكومية، ومحاكاة الآخرين في ما يعطى من مزايا للمستثمرين المحليين والأجانب، وإصدار الأنظمة والقوانين اللازمة في هذا المجال وضمان تطبيقها، وتفعيل وسائل التمويل وإزالة الاختناقات والتوسع في بناء التجهيزات الأساسية لتواجه الطلب الحالي والمستقبلي عليها من مدارس ومعاهد وطرق ومياه وكهرباء ومدن صناعية.

والتصور الذي لا بد أن يسود هو ضرورة تحول منطقة الخليج إلى ورشة عمل، تخرج لنا في الفترة القليلة المقبلة وجهاً آخر للاقتصاد الخليجي، تزداد فيه إنتاجية المواطن الخليجي، وينتقل ليواكب متطلبات العولمة التي بدأت تزحف تدريجيا لتخرجنا طوعاً أم كرهاً من القوقعة الاقتصادية التي تعيشها معظم الدول الخليجية. لذا، فإن مبدأ «بيدي.. لا بيد عمرو» لا بد أن يكون حاضراً أمامنا ونحن نقوم بتنفيذ مختلف برامج الإصلاحات الاقتصادية.

* مستشار اقتصادي سعودي Sabbanms @Yahoo.com