48 مليون مستخدم يتداولون بضائع بقيمة 32 مليار دولار وتوقعات أن تتجاوز أرباح الشركة مليار دولار مع نهاية العام الحالي

ميغ وايتمان أقوى سيدة أعمال في العالم: حولت «eBay» من شركة مغمورة إلى أكبر «سوق تجاري» على الإنترنت

TT

تحولت المديرة العادية التي لم يسمع عنها الكثيرون، الى اقوى سيدة أعمال في الولايات المتحدة وفي العالم في غضون سنوات قليلة. ومنذ تسلم الاميركية ميغ وايتمان، 48 سنة، منصب المديرة التنفيذية لـ«eBay» في مارس (آذار) 1998 نمت عائدات الشركة من 5.7 مليون دولار لتصل في الوقت الراهن الى 3.2 مليار دولار. ومن أجل جعل الصورة أكثر وضوحا فان الشركة أصبحت الاسرع نموا في التاريخ، وبالتأكيد أسرع من مايكروسوفت أو ديل وحتى أي شركة أخرى على مستوى العالم خلال الثماني سنوات الماضية. ومن المتوقع ان تتجاوز ارباح الشركة مع نهاية العام الحالي مليار دولار، اي ما يمثل تقريبا ثلث العائدات، بحسب ما جاء في مجلة فورتشن الاميركية اخيرا. وهذه النسبة الكبيرة من الارباح لم تتحقق بسبب ان الشركة لا تشتمل على مخزونات أو مصانع أو عدد كبير من الموظفين فحسب، بل لان زبائن الشركة هم الذين يؤدون الوظائف حيث من المتوقع ان يقوم خلال العام الحالي نحو 48 مليون مستخدم لموقع الشركة باختيار البضائع وتحديد الاسعار واتمام كافة عمليات البيع والشراء، ومن ثم شحن بضائع تقدر قيمتها بنحو 32 مليار دولار. وفي الحقيقة لو كانت «eBay» شركة بيع بالتجزئة بدلا من أكبر «سوق إلكتروني» في العالم فانها بالتأكيد ستكون أكبر حجما من محلات «بيست باي» وتقريبا بحجم يوازي متاجر «لويس».

ومن الوهلة الاولى تبدو الفلسفة الاقتصادية للشركة بمنتهى البساطة، فاولا يتم اختيار مكان التبادل التجاري عبر موقع «ايه بيي» الإلكتروني، وبعدها يقوم البائعون باستقطاب المشترين، وهؤلاء بدورهم يقومون بجذب المزيد من البائعين وهكذا دواليك. الا اننا اذا تعمقنا في الامر فان الوضعية تختلف تماما، فادارة «eBay» هي أعقد بكثير مما يبدو للعيان، ولعل وايتمان وفريقها المخلص يقومان ببناء شركة المستقبل أو «موديل» مؤسسات القرن الواحد والعشرين التي تتمتع بأقل عدد من الموظفين، وبأكبر نسبة ممكنة من الارباح المالية. ويمكننا القول ان ادارة «ايه بيي» تتضمن نوعا من الابداع والخيال، وحتى ان السلطة أو القوة التي تتمتع بها وايتمان تعتبر هي الاخرى غير مألوفة، فهي لا تملك تلك السلطة المعروفة من «تحكم» و«سيطرة»، مثلما هو الحال مع كاري فيورينا المديرة التنفيذية لشركة هيوليت ـ باكارد «ملكة» قائمة مجلة فورتشن لأقوى سيدات أعمال في العالم في العام الماضي، الا انها فقدت عرشها هذه السنة لميغ وايتمان حيث تكافح فيورينا مع عمليات الاندماج المعقدة والنتائج المالية غير المرضية، ومع مستثمرين غير مستقرين أو راضين في غالب الاحيان. وعلى العكس من ذلك فان ميغ تملك «سلطة» أكثر تعقيدا، حيث يشير المراقبون الى انها قضية لا تتعلق بالتحكم او السيطرة أو بمقدار حجم الشركة، بل انها مرتبطة بشكل كبير بدائرة النفوذ.

وبالطبع فهناك بعض الخطوات الاساسية التي ينبغي اتخاذها قبل توسيع دائرة النفوذ، مثل بناء المصداقية التي من الصعب هزها، والتي تتمثل بكل بساطة في ان تفعل ما تقول. ربما يبدو هذا الامر عاديا، لكن من المدهش عندما نرى ان عددا غير قليل من المديرين التنفيذيين لا يتبعون مثل هذه القاعدة. ووفقا لما قاله المحلل الاقتصادي أنتوني نوتو الذي يعمل لدى مؤسسة غولدمان ساش«من كافة الشركات التي تعاملت معها لم أجد الا eBay التي استطاعت تحقيق كافة أهدافها»، ولعل الفضل يعود في ذلك الى ميغ وايتمان، وعلى سبيل المثال فانه في عام 2000 عندما كانت عائدات الشركة 431 مليون دولار، أعلنت ميغ ان «ايه بيي» ستحقق عائدات ستصل قيمتها الى 3 مليارات دولار بحلول عام 2005، ومن دون استغراب فان عددا محدودا من المستثمرين صدقوا مثل هذا التصريح، حتى ان الشكوك امتدت انذاك الى مجلس الادارة نفسه والذي تقوده ميغ. وفي الوقت الراهن تجاوزت عائدات الشركة ذلك الرقم وحققته قبل الموعد المرسوم بنحو السنة تقريبا.

وهذه المصداقية التي حققتها المديرة التنفيذية لشركة «ايه بيي» جذبت اليها العديد من المؤيدين الذي لهم وزنهم في عالم الاعمال داخل اميركا وخارجها، من أمثال ايه جي لافلي المدير التنفيذي لشركة «بروكتير اند غامبل»، وجيف امليت المدير التنفيذي لشركة جنرال الكتريك الذي قال «هناك ترجمة مباشرة بين ما تقوله وما تفعله، وهذا الامر هو الامر الذي يثير اعجابنا حقيقة بهؤلاء الاشخاص». واضافة الى مصداقيتها، فانها تتمتع بميزة اخرى مهمة، وهي انها «ان لا تفعل شيئا» عندما يلح عليها الاخرون فعل امر ما او الاستثمار في قطاع معين حيث استطاعت وايتمان ان توسع اعمال الشركة من خلال مقاومة ملاحقة ما يسمى بـ«نمو» الشركة، فخلال سنواتها الاولى في «ايه بيي» تتذكر ان الناس كانوا يحثوها «الى الذهاب الى التجارة الإلكترونية B2B أو العمل على شراء شركة أريبا او تحويل الشركة مثل امازون». لكنها في الحقيقة فعلت العكس تماما، حيث قامت بالتركيز على السوق الاستهلاكي والمقتنيات، وهي الاشياء التي يحب بيعها معظم عشاق وعملاء الشركة.

ومن اسرار نجاح وايتمان الاخرى انها تضع رهانها في البشر أيضا، فعندما بدأت عام 1999 بسياسة توسع هجومية، تعطل موقع «eBay» لمدة 22 ساعة، وهي ما اطلقت عليه ميغ انذاك «بخبرة الموت المحقق» حيث كان من الممكن ان تواجه الشركة اليانعة كارثة كبيرة من خلال فقدان المعلومات المالية وقواعد بيانات العملاء. وبالتأكيد ان ذلك التعطل كشف عن أحد نقاط ضعف الشركة، فقد بات واضحا ان الشركة لا تملك المواهب المؤهلة لاصلاح الخلل والعمل على عدم تكراره. وفي تلك الظروف ألقت وايتمان اللوم على نفسها، الا ان ما انقذها وانقذ الشركة على حد سواء هو رئيس قسم العمليات في الشركة حاليا. ولقد قابلت ميغ مينارد ويب الذي كان انذاك يرأس القسم التقني في شركة «غيت ويي Gateway» وبعد عدة أيام من المحادثات وعمليات الاقناع، أو كما تقول ميغ «انها كانت مثل امرأة مجنونة في مهمة» حيث وافقت على تعيين ويب براتب سنوي يبلغ 450 الف دولار سنويا على رغم انها هي نفسها لم تكن تتقاضى سوى 195 الف دولار. واستطاع مينارد ويب بناء شبكة تقنية متطورة للشركة يمكنها في أي يوم عادي ان تتعامل مع تداولات تفوق ما يتم تداوله في بورصة «ناسداك» من دون أية مشاكل منذ سنوات. وميغ التي تعد الاصغر بين 3 اشقاء، ترعرعت في جزيرة لونغ الاميركية، وذهبت للدراسة الى برينستون حيث حصلت على شهادة في الاقتصاد، وبعدها درست ادارة الاعمال في جامعة هارفرد العريقة. ومن ثم انضمت الى شركة «بي اند جي» للتخصص في الماركات التجارية، وبعدها التحقت بشركة «بين» لتتعلم فن الاستراتيجيات التسويقية. ولم يمض وقت طويل حتى التحقت ميغ بشركة ديزني للعمل في مجال الاستراتيجيات الاستهلاكية، الا انها سرعان ما اضطرت الى ترك العمل لتتبع زوجها غاريف هارش الجراح المعروف الذي انتقل لوظيفة جديدة في شرق الولايات المتحدة. وهناك عملت وايتمان مع عدة شركات أهمها «سترايد رايت» و «أف تي دي» و «هازبرو»، وفي الحقيقة كانت تتولى مناصب قيادية، الا انها لم تكن معروفة في عالم الاعمال لانها اصلا لم تكن تسعى لان تصبح «نجمة» حيث كانت تولي عنايتها لتربية ابنيها.

لكن الخلفية القوية التي كانت تملكها ميغ في السوق الاستهلاكي جلبت انظار المستثمر الاميركي بوب كاغل الذي دعم «eBay» وكان انذاك يبحث عن مدير تنفيذي لقيادة الشركة.

وفي العام 1998 تولت ميغ ادارة الشركة، لكنها اكتشفت بسرعة ان ادارة «ايه بيي» كانت اصعب مما كانت تتصور ذلك انه كان عليها ان ترضي المساهمين، وفي الوقت نفسه كسب ود عملاء الشركة الذين يكسبون قوت عيشهم من خلال البيع والشراء عبر موقع الشركة، الامر الذي يعني ان ميغ كان عليها ان تتصرف اكثر من مجرد مديرة تنفيذية. ومن خلال «eBay» تجد ميغ نفسها «النجمة الشهيرة» التي تحضر احتفالات الاف من مستخدمي موقع الشركة والقيام بتوقيع القمصان او البطاقات التجارية، وفي الحقيقة فان ميغ ليست مجرد «ايقونة» فحسب، بل انها الصديق الحميم ايضا لكافة مستخدمي موقع الشركة، وتقدر ميغ هذا الامر بقوة وهي تردد دائما ان نجاح الشركة يتوقف دائما على نجاح عملائها. وربما كانت اهم صفة تتمتع بها ميغ انها انسانة عادية وأم حريصة وتتعامل مع الناس على هذا الاساس، بمعنى انها لديها نفس الوجه في المنزل او الشركة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل ذلك، الى اين تسير الشركة وما هي خططها للمستقبل؟

ميغ تدرك ان عليها التوسع خارج الولايات المتحدة، فهناك حاليا حوالي 750 مليون مستخدم للانترنت ربما لا يتعاملون مع «eBay»، كما ان حوالي 75% من مستخدمي الإنترنت موجودون خارج اميركا. وهذا الامر يمثلا ارضا خصبة للشركة من اجل اكتساب عملاء جدد ورفع عائداتها وتعظيم ارباحها. صحيح ان الشركة بدأت تحقق نجاحات في اوروبا واستراليا، الا ان ميغ توجه انظارها الى اسيا، خصوصا الصين، البلد الاسرع نموا في كل شيء تقريبا، وفي هذا الاطار ينبغي الاشارة الى انه يوجد حاليا 84 مليون مستخدم للإنترنت في الصين مقابل 189 مليون في اميركا، ومن المتوقع انه خلال سنوات معدودة فان العدد في الصين سيكون الاكبر على مستوى العالم.

وتبقى القضية الاخيرة التي تتعلق بميغ نفسها، فكم سنة ستبقى تتربع على هذا العرش؟ بعض المقربين اليها يتكهنون بانها قد تستمر من سنتين الى ثلاث حتى يتم تأهيل مديرين تنفيذيين جدد يمكنهم قيادة 8 الاف موظف في 29 دولة ويمكنهم الحفاظ على الامجاد التي ستتركها ميغ وايتمان.