ترحيب في مصر بإلغاء قرار إلزام المصدرين بتوريد جزء من حصيلتهم للبنوك

مخاوف من عودة السوق السوداء للدولار

TT

يؤكد مسؤولون ورجال أعمال مصريون كل يوم أن تنفيذ حكم القضاء بإلغاء إلزام المصدرين بتوريد 75 في المائة من حصيلتهم من النقد الأجنبي إلى البنوك لن يكون له تأثير على سوق الصرف ولن يؤدي إلى عودة السوق السوداء للعملة، لكن يبدو الواقع أكثر تعقيدا، فعلى الرغم من أن سوق الصرف مستقر بالفعل منذ عدة أشهر ولم تطرأ عليه تغيرات في الأيام الماضية، عقب حكم المحكمة وإعلان الحكومة تنفيذه، إلا أن الجدل مازال يدور حول ما إذا كانت البلاد ستحتاج إلى قرار كهذا في المستقبل القريب أم لا، وهل كان القرار الأول صحيحا في وقته، ولماذا يتمسك رجال الأعمال بحيازة العملة، خلافا للأعراف السائدة في كل بلاد العالم؟ يشير أحد المحامين إلى أن محكمة القضاء الإداري التي ألغت قرار الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق، والذي حمل رقم 506 بإلزام الهيئات الحكومية ووحدات القطاع الخاص بتوريد 75 في المائة من حصيلة صادراتها إلى البنوك، أكدت ـ أي المحكمة ـ أن القرار مخالف للقانون والدستور ويمثل اعتداء على حرمة الملكية الخاصة في التصرف في الأموال وأنه يخالف القواعد التي تضمنها قانون التعامل بالنقد الأجنبي رقم 38 لسنة 1994 الذي أرسى حرية كل شخص طبيعي أو معنوي في الاحتفاظ بكل ما يؤول إليه أو يملكه أو يحوزه من نقد أجنبي.

وأوضحت المحكمة أن استهداف القرار للصالح العام والمحافظة على العملة الوطنية كان يجب أن يكون في ظل احترام أحكام التشريع.

واشار ياسر حسن العضو المنتدب للبنك الوطني المصري إلى أن الحكم لا يؤثر على سوق الصرف الأجنبي الذي يعيش حالة شبه انتعاش في ظل وجود فائض فيه خلافا لما سبق وعدم وجود فوارق كبيرة في السعر داخل البنوك والسوق الموازية، كما أنه لا يؤثر على حصيلة البنوك من النقد الأجنبي بأية نسبة تذكر، بل ربما تزيد الحصيلة بسبب تحسن موقف الصادرات المصرية الخدمية والسلعية. وأكد حسن ما جاء على لسان رئيس الوزراء المصري عن نية الدولة التي كانت تستعد لإصدار قرار يلغي القرار الخاص بتوريد 75 في المائة من العملات الأجنبية، مضيفا أن محافظ البنك المركزي أصدر قراراً بسرعة تنفيذ الحكم والتعامل مع واقع جديد يعمل على إطلاق حرية التعامل بالنقد الأجنبي من دون أي تدخل من البنوك.

من جهته، أكد إسماعيل حسن رئيس بنك مصر ـ إيران ومحافظ البنك المركزي المصري السابق انه بعيدا عن الدخول في مدى قانونية القرار من عدمه وهو أمر يخص القضاء «الذي نكن له كل الاحترام»، فانه من الناحية الاقتصادية لن تتأثر البنوك أو سوق الصرف الأجنبي بتطبيق حكم القضاء بإلغاء إلزام المصدرين ببيع نسبة 75 في المائة من حصيلة النقد الأجنبي للبنوك، لأن السوق تشهد حاليا استقرارا شديدا وأصبح الدولار متوافرا بكثرة في البنوك وشركات الصرافة، كما أن البنوك تلبي احتياجات المستوردين بالكامل ولا توجد حاليا أية طلبات لفتح اعتمادات مستندية متوقفة.

وأشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت اتجاه المصدرين لبيع نسب أكبر من 75 في المائة من حصيلتهم، مما يدلل على أن المصدرين ليسوا في حاجة إلى الاحتفاظ بالنقد الأجنبي لأنه متوافر والبنوك تلبي طلبات الاستيراد.

من جهة أخرى، قال رئيس إحدى شركات الصرافة، إنه قبل استقرار السوق، كان المستوردون هم السبب الرئيسي لأزمة الدولار حيث كانوا يستحوذون على نسبة 90 في المائة من مبيعات الدولار بشركات الصرافة، لأن البنوك وقتها كانت متوقفة عن تلبية احتياجات المستوردين من النقد الأجنبي، الأمر الذي كان يدفعهم إلى شركات الصرافة والسوق السوداء لتوفير الاعتمادات المستندية لعمليات الاستيراد، موضحا انه حاليا الدولار متوافر وبأية مبالغ، مدللا على ذلك بانتهاء السوق السوداء واختفاء السماسرة وذلك منذ أكثر من ستة أشهر، مشيرا إلى أن رغبة المصدرين في إلغاء القرار الملزم لهم بتحويل 75 في المائة من حصيلتهم تأتي ليس لأنهم يريدون الاحتفاظ بالنقد الأجنبي وعودة السوق السوداء وإنما لشعورهم بحرية التصرف في أموالهم وبيعها بالطرق التي يرونها مناسبة طالما أنها ستكون في القنوات الشرعية.

واعترف بأن بعض المصدرين سيقومون ببيع حصيلتهم إلى شركات الصرافة للاستفادة من فارق السعر بين الشركات والبنوك والذي يتراوح في بعض الأحيان إلى قرش واحد لكل دولار، مشيرا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد رواجا شديدا في المعروض من الدولار ولن تكون هناك سيولة كافية من الجنيه المصري لشرائه.

وقال مصدر قانوني مسؤول إن اللافت للنظر أن الحكومة المصرية لم تطعن في الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا حيث كان يمكنها ذلك، ولم تفكر في إصدار قرار من نوع آخر ينسجم مع قانون النقد، ويرسي القاعدة الطبيعية في العالم المعاصر، وهي أن تكون العملات في البنوك بما فيها حتى العملات الوطنية على أساس أن العصر ليس عصر (الكاش)، مضيفا لقد هاج رجال الأعمال حين صدر القرار لا لأنهم كانوا ضد محتواه القانوني، ولكن ببساطة لأن بعضهم كان يريد أن يحتفظ بالنقد ليلبي احتياجاته الاستيرادية من السلع والمكونات والمستلزمات بسرعة من دون انتظار طوابير فتح الاعتماد التي سادت وقت ذاك في البنوك، والبعض الآخر كان يريد العملات لأنه كان يتاجر بها في الأسواق السوداء ويحقق مكاسب ضخمة خاصة أن الفارق بين سعر الصرف في البنوك وفي السوق السوداء كان قد شارف الأربعين قرشا للدولار الواحد، مما دفع رئيس الحكومة السابق الدكتور عاطف عبيد إلى التعجيل بإصدار القرار خاصة أنه كان يتوقع ألا يلجأ مجتمع الأعمال إلى مثل هذه الأساليب ويسانده لإنجاح قرار تحرير الجنيه الذي صدر في 29 يناير (كانون الثاني) 2003 .

ويؤكد محمد الأبيض رئيس شعبة الصرافة أن القرار كان صائبا في حينه وأن الحكم أيضاً صائب جدا ومفيد جدا بالنسبة لشركات الصرافة، لأنه سيحدث رواجا كبيرا وسيزيد من حصيلتها بشكل كبير، وسيعزز فرص القضاء على الاختناقات بشكل نهائي. ويختلف المصدرون مع الكلام السابق والخاص بصحة القرار 506 من عدمه وقت صدوره، مؤكدين أن معارضتهم لهذا القرار وقت صدوره كانت قائمة على إيمانهم بحق كل فرد في التصرف فيما يمتلكه إعمالا لنهج السوق الحرة.

أما عادل العزبي رئيس مجلس ادارة شركة قناة السويس للملابس الجاهزة فقد أكد ان القرار كان منذ البداية خطأ كبيرا لأنه قضى على حق الفرد في التصرف في ممتلكاته وكان لابد من التصدي له، وبالرغم من أن ذلك حدث بالفعل من أغلبية المصدرين الذين كانوا وقتها يرون ضرورة لترسيخ مبدأ حقهم في حيازة العملة وفقا للأعراف السائدة في كل بلاد العالم، مبينا انه كانت هناك ضرورة لإبداء حسن النيات وعدم التصادم مع أصحاب القرار في ذلك الوقت من أجل خدمة البلد والمجتمع، والتعاون ايضا مع الأجهزة المالية والمصرفية فيما يحقق رخاء المجتمع، لان المصدرين لا يتعاملون مع السوق السوداء ولا يستجيبون لمغرياتها، وكل ما كانوا يحتاجونه هو سهولة التعامل مع النقد الأجنبي لتبسيط وتوفير مدخلات محلية الإنتاج من خامات وخدمات، وعدم وجود أية معوقات في ظل السوق التنافسية الشديدة.

وكما جاء في حكم المحكمة ان القرار كان بمثابة مخالفة صريحة للقانون وتعسفا ضد المصدرين وجالبي العملة الصعبة للبلد، وكان اتجاها يعبر عن فرض نوع من القيود التي لا تليق بمجتمع ساعيا للدخول للسوق العالمية، عاملا بمبدأ الحرية الاقتصادية.

واضاف العزبي أن الحكم جاء ليصحح الأوضاع التي كانت مغلوطة بفعل هذا القرار وكان لابد من تلافيها خاصة أنه كان له تأثير كبير علينا وعلى عملياتنا، ولذلك تؤكد أنه كان يجب عدم إصداره من الأصل وعلى الدولة أن ترى في هذا الحكم ما يجعلها أكثر تدقيقا في قراراتها الاقتصادية، وضرورة مناقشاتها مع جميع الجهات المعنية بالأمر، ويتفق احمد صالح صاحب شركة للتصدير مع العزبي قائلا إن القرار كان خطأ جسيما في حق المصدرين وكل حالة تأثروا بها جاء حكم المحكمة ليعود بالأمور إلى طريقها الصحيح فهو بمثابة دفعة لكل المصدرين، ويزيد من قدراتنا على التنافس في الأسواق العالمية.