خيارات بوش للخروج من مأزق العجز المتنامي وتدهور الدولار .. تحديات اقتصادية مقبلة مع العام الجديد

تكلفة حرب العراق وأفغانستان 4 مليارات دولار شهريا

TT

وعد بوش الناخبين في ولايته الأولى أنه سيخفض الضرائب ويساعد المتقاعدين في دفع تكاليف أدوية العلاج ودعم القطاع الزراعي وزيادة الانفاق على الأمن الداخلي والتعليم والأبحاث العلمية وغيرها.

ونفذ بوش بعض الوعود كخفض الضرائب التي استفاد منها الأغنياء أكثر من الفقراء. وزاد مخصصات الأمن الداخلي، وتقلصت البطالة تدريجيا، لكن عوامل سياسية خارجية تدخلّت وأدّت الى زيادة غير مسبوقة في الانفاق الحكومي. رغم ذلك لم يتوقف الاقتصاد عن النمو، حيث شهدت قطاعات العقارات والنقل والاستهلاك نموا ملحوظا. ونما الاقتصاد بنسبة 3.9 في المائة. لكن على الرغم هذه المؤشرات الايجابية استمر العجز المالي الحكومي في التصاعد.

ويعزو خبراء الاقتصاد تضخّم العجز إلى زيادة الانفاق الحكومي بنسبة 10في المائة في السنتين الأولى والثانية لولايته. وارتفع الانفاق الحكومي بنسبة 6.4 في المائة في السنة الثالثة. وهذه النسب لا تشمل الدفاع والضمان الاجتماعي.

وفي ولايته الثانية كان بوش أكثر حذرا في بذل الوعود. ربما لأن مستشاريه لفتوا انتباهه إلى العجز المتنامي والذي وصل في السنة المالية المنتهية 30 سبتمبر (أيلول) الماضي إلى 412 مليار دولار. وهذا يقارب 4 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي.

العجز يدعو للقلق ولن يتقلّص تلقائيا. ويتعين على الادارة ألاميركية أن تسعى لتخفيض الانفاق الحكومي وتمارس الانضباط والتقشف. ولا بد أن يرافق ذلك تحسن الوضع الأمني في العراق وانخفاض في أسعار النفط، ونمو الاقتصاد.

كافة هذه العناصر غير متوافرة في الظرف الراهن. ومما زاد الحالة تعقيدا، اقتراب موعد تقاعد جيل طفرة الولادات الهائل بعد الحرب العالمية الثانية. مما سيؤدي إلى انفاق زائد في المجالات الصحية والتعويضات.

إزاء هذا الوضع الصعب تبدو حرية بوش في التصرّف محدودة لوجود فئات ضاغطة ذات مصالح متضاربة تعمل في الحيلولة دون تخفيض الانفاق. وعلى سبيل المثال هناك قوى في الكونغرس تطالب بإصلاحات جذرية في نظام الضمَان الاجتماعي. بعضها يريد زيادة الانفاق العسكري، وفريق ثالث يطالب بتخفيضات إضافية للضرائب، وفريق رابع يطالب برفع الضرائب.

علاوة على ذلك، تتعرض الادارة الى ضغوط من قبل الدول التي تستثمر في سندات الخزينة الاميركية المطالبة بترتيب الوضع الداخلي في الولايات المتحدة من أجل وقف تدهور قيمة الدولار. وعبّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه الشديد لسياسة الدولار الضعيف التي تتبعها الإدارة الأميركية والتي أثرّت سلبا على الصادرات الأوروبية.

وظهر على الساحة ما يسمى بصقور العجز وعلى رأسهم ألان غرينسبان رئيس مجلس الاحتياط الاتحادي (المركزي الأميركي) وبعض أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري. واصبح موضوع العجز الشغل الشاغل لهؤلاء. ووجد بوش نفسه مضطرا لأن يصدر تصاريح أنه ينوي تخفيض العجز بخمسين في المائة خلال العشر سنوات القادمة.

ومن الخطوات التي يمكن اتخاذها لتقليص العجز هو تقليص التمويل لمشاريع وخدمات حكومية معينة. وهذا أمر ليس سهلا، حيث أنه من الصعب العثور على برامج يمكن الغاؤها أو تخفيض الانفاق عليها. ويتوقع أن الانفاق الحكومي سيصل هذا العام الى 2.3 تريليون دولار. وهناك إجماع بين جميع أطراف الحكومة والمعارضة أن 85 في المائة من هذا الانفاق يعتبر بقرارات مقدسة لا يمكن المسّ بها أو تخفيضها. يتم انفاق 20 في المائة من هذا المجموع على الدفاع الذي ازداد 55 في المائة منذ تسلم بوش للسلطة.

ومن الجدير بالذكر أن الحرب في أفغانستان والعراق وإعادة الأعمار تكلف 4 مليارات دولار شهريا. والضمان الاجتماعي يستوعب 20 في المائة تقريبا. ولا يمكن العبث به ويتم إنفاق 20 في المائة على برامج الرعاية الصحية وضمان الطبابة. والعبء الأكبر الذي لا يمكن تأجيله أو الغاؤه هو تسديد اقساط الفائدة على المديونية الحكومية التي تبلغ 168 مليار دولار سنويا. هذا لا يمكن تنقيصه إلا إذا تم تنقيص الديون ذاتها.

ولم يبق أمام بوش سوى عدد ضئيل من الخيارات الضيقة يمكن تنقيص تمويلها والانفاق عليها. على سبيل المثال الدعم المالي للمدارس في احياء المدن والارياف الفقيرة النائية. والطب المجاني للمحاربين القدماء. وأبحاث السرطان وخدمات الأحوال الجوية، وجميعها تستهلك 18 في المائة من الانفاق الحكومي. ومن الممكن نظريا تنقيص الانفاق عليها أو الغائها كليا. لكن هذا لن يتم بدون عواقب سلبية. فقطع الدعم عن مؤسسة الابحاث العلمية سيؤثر سلبا على أكثر من ألفي باحث كبير في الجامعات. وسيتضرر أكثر من ألف طالب متخصص بالعلوم والهندسة. ويعتقد المحللون أنه في النهاية سيضطر بوش والكونغرس الى تطبيق تخفيضات كبيرة من برامج الانفاق المستعصية التي اعتبرت سابقا أنها حيوية ولا يمكن ألمس بها.

ويعتقد بعض الاقتصاديين أن التقاعس يعود لكثرة التقارير المتفائلة التي تصدرها الدوائر الحكومية. فعلى سبيل المثال صدر الأسبوع الماضي تقرير يشير إلى أن الاقتصاد ينمو بمعدل 4 في المائة. وانفاق الشركات والأفراد يسير على قدم وساق. بينما شهدت البورصات أفضل ارتفاع منذ ثلاث سنوات. وقبل اسبوعين وجد غرينسبان الثقة في رفع نسب الفائدة لخامس مرة على التوالي. المؤشرات الايجابية الاقتصادية تشجع الادارة على إهمال موضوع العجز، ولكن المشاكل غالبا ما تتفاقم إذ ما أهملت أو دفعت تحت السرير.