الاقتصاد السعودي يتعزز بطرح مشاريع الغاز وتجاوز العمليات الإرهابية باكتتاب فاق 13.6 مليار دولار في اتحاد اتصالات مع نمو بقطاع العقار و«ترويكا» تقود إلى تحرير كامل للاقتصاد المصري

الاقتصادات العربية تنهي عام 2004 وسط توجه نحو توسيع حرية الأسواق وتحدي المنافسة العالمية

TT

بيروت: مارون حداد ـ القاهرة: «الشرق الأوسط» مثلت المنجزات الاقتصادية التي حققتها السعودية خلال العام 2004، قفزات كبيرة في كافة القطاعات التجارية والصناعية، إذ شهد صدور العديد من الأنظمة والقرارات الاقتصادية والتي كان لها دور كبير في تفعيل الاقتصاد السعودي وتنظيمه، في ظل مشاركة فعالة للقطاع الخاص في عملية إصدار الأنظمة الاقتصادية والمشاركة في العمليات التنموية وتحرير التجارة البينية بين السعودية ودول العالم، ليتجاوز بذلك العمليات الإرهابية من تفجير مبنى المرور في الوشم بمدينة الرياض ومحاولة الاعتداء على القنصلية الأميركية في جدة، والحصار الذي دام لفترة 3 أيام في منطقة الشرقية.

وتظل أبرز الملامح الواضحة في الاقتصاد السعودي هو ما حققته الموازنة الحكومية المتساوية للعام المقبل وسط تنامي أسعار النفط عالميا ووصوله إلى مستويات قياسية تجاوزت 50 دولارا للبرميل الواحد مع زيادة في تمويل السوق بكل ما يحتاجه ارتفعت معه كمية التصدير بمتوسط 9 ملايين برميل يوميا، فانعكس على أداء الموازنة العامة للبلاد التي أعلنت عنها الحكومة في فبراير (شباط) ولاقت أصداء تفاؤلية في أوساط السعوديين.

ويرى السعوديون أن موازنتهم للعام الحالي والعام المقبل والتي قدرت إجمالي الإيرادات مساويا لحجم النفقات بمبلغ 280 مليار ريال ( 74.6 مليار دولار) أمر في غاية الأهمية للموازنات التقديرية وسط الضغوطات الكبيرة كما يمكنها أن تسهم في سداد جزء من الدين العام بشكل واضح وضخ أموال أكثر، وترفع إمكانيات الإنفاق والاستثمار بشتى وسائله وطرقه، وتسريع عملية تخصيص القطاعات والاستفادة من عوائدها. ولعل من أهم هذه القرارات التي صدرت عام 2004 طرح مشاريع الغاز على العديد من الشركات العالمية كمناقصة عامة بعد أن أبرمت وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية في مارس (آذار) الماضي الاتفاقيات النهائية لمشاريع الغاز الواقعة في منطقة الربع الخالي جنوب شرقي السعودية مع شركة لوك أويل الروسية الفائزة بالمنطقة الأولى (أ) والشركة الصينية سينوبك الفائزة بالمنطقة (ب) وائتلاف شركتي إيني الإيطالية وربسول الاسبانية بمنطقة (ج) بمشاركة شركة أرامكو السعودية، مما يمثل منعطفاً ومرحلة هامة في الاقتصاد السعودية بعد الثورة النفطية التي عاشتها البلاد في منتصف الخمسينات الميلادية لاكتشاف النفط الذي يعتبر من أهم سلع الطاقة العالمية، ليأتي الغاز الذي يشهد خلال الفترة الحالية تناميا كبيراً للطلب العالمي عليه وبمعدلات متزايدة تفوق مصادر الطاقة الأخرى.

وتعتبر موافقة الحكومة السعودية على أسس ومعايير مشاركة القطاع الخاص في مشاريع تحلية المياه وإصدار الضمان المطلوب لاتفاقية الدعم الائتماني لمشروع الشعيبة وكسر احتكار شركة الاتصالات لتقديم خدمة الاتصال عبر الهاتف الجوال التي فاز بها اتحاد اتصالات قدم أعلى عرض مالي والبالغ 12.2 مليار ريال (3.2 مليار دولار) لتأتي موافقة مجلس الوزراء على منح رخصة الجوال للجيلين الثاني والثالث لاتحاد اتصالات بعد الموافقة على تخفيض نسبة المقابل المالي لتقديم خدمة الاتصالات تجاريا التي تتقاضاها الدولة من دخل شركة الاتصالات السعودية لتكون 15 في المائة بدلا من 20 في المائة بداية 2005 ، وطرح شركة اتحاد اتصالات للاكتتاب منتصف أكتوبر (تشرين الأول) ليبلغ حجم تغطيتها أكثر من 51 مليار ريال (13.6 مليار دولار) ضخها أكثر من 4 ملايين مكتتب، وطرح شركة التعاونية للاكتتاب بعد أن حددت علاوة الإصدار بنحو 155 لتكون قيمة السهم بعد الطرح 205 ريالات، بعد أن أعلنت السعودية في مارس الماضي بيع حصة صندوق الاستثمارات العامة في الشركة الوطنية للتأمين التعاوني وبيع جميع الأسهم المملوكة للدولة في الشركة والبالغة نسبتها 50 في المائة ليتم طرحها للقطاع الخاص وتداول أسهمها في السوق السعودية في الوقت الذي أعلنت مؤسسة النقد عن اللائحة التنفيذية للتأمين والتي ستعمل على تنظيم سوق التأمين في السعودية الذي كان يعيش حالة من العشوائية طوال الأعوام الماضية. بعدها جاءت موافقة مجلس الوزراء على الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية بالصيغة وتولي الهيئة العليا للسياحة إعداد معايير لقياس ومراقبة تنفيذ أهداف الاستراتيجية العامة للسياحة الوطنية والتي ينتظر أن تسهم في توفير 489 ألف وظيفة.

وتأتي موافقة السعودية على فتح العديد من الفروع البنكية الدولية والخليجية من أهم المنعطفات التي شهدها الاقتصاد السعودي هذا العام، وذلك بالموافقة على طلب بنك مسقط بسلطنة عمان فتح فرع له في مدينة الرياض، إضافة إلى فتح فرع لبنك الإمارات وفتح 3 فروع لبنوك عالمية هي بنك دويتشه الألماني، وبنك بي إن بي باريبا، وبنك جي بي مورغان تشيز الأميركي، في الوقت الذي أعلن عنه عن تشكيل هيئة السوق المالية في السعودية لمراقبة أعمال السوق والشركات المدرجة.

وما أن جاءت موافقة السعودية على افتتاح فروع لعدد من البنوك العالمية في البلاد حتى صدرت موافقة مجلس الوزراء على مشروع دمج نشاط ثمان شركات صيرفة في السعودية في شركة مصرفية وتكوين بنك جديد تحت مسمى بنك البلاد، على أن تكون شركة مساهمة رأس مالها 3 مليارات ريال (800 مليون دولار) مقسم إلى ستين مليون سهم اسمي قيمة كل سهم خمسون ريالا (13.3 دولار) على أن يطرح نصف هذه الأسهم للاكتتاب العام ويوزع النصف الآخر على مالكي المؤسسات والشركاء في الشركات في الوقت الذي يتوقع أن يتم طرحه للاكتتاب بداية 2005.

وشهد عام 2004 إعلان استراتيجية تخصيص شركة التعدين العربية السعودية (شركة معادن) بعد موافقة مجلس الوزراء على اتخاذ الخطوات الأساسية لعملية التخصيص وتكثيف الجهود لإدخال مستثمرين استراتيجيين في مرحلة مبكرة في الوحدات الاستراتيجية والمشاريع لتوفير التمويل والقدرات الفنية اللازمة، وطرح أسهم الشركة القابضة للاكتتاب العام تدريجيا بعد تحقيق عائد مناسب من مشاريعها الاستثمارية لا سيما مشروعي الفوسفات والبوكسايت.

وفي هذا الاتجاه أعلنت السعودية فعليا في الرابع عشر من أغسطس «آب» الماضي نظامها الضريبي الجديد بعد موافقة مجلس الوزراء لتطبيقه على الشركات والأفراد من المستثمرين غير السعوديين ومواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وحددت 20 في المائة على شركات الأموال المقيمة عن حصص الشركاء غير السعوديين، واحتسابها على الشخص الطبيعي المقيم غير السعودي الذي يمارس الأنشطة التجارية في السعودية إضافة إلى الشخص غير المقيم الذي يمارس النشاط في السعودية من خلال منشأة دائمة، والمستثمر غير المقيم الذي لديه دخل آخر خاضع للضريبة من مصادر في السعودية.

من جانب آخر، أعلنت السعودية عبر وزارة التجارة والصناعة أنه تم تخصيص وتحديد مدينة صناعية مخصصة للنساء في العاصمة السعودية الرياض، وذلك على مساحة تبلغ 600 ألف متر مربع يعمل حالياً على تطويرها وإيصال كافة الخدمات لها ويتوقع أن تبدأ أعمالها نهاية العام الجاري في حركة ترمي إلى دفع الحركة الاقتصادية النسائية وتحريك الأيدي العاملة في المنازل كشريك اقتصادي مع الرجل.

وكان أبرز حدث اقتصادي سعودي غير متوقع هو مبادرة الحكومة السعودية في الرابع من سبتمبر«أيلول» لفائض الميزانية الذي جاء نتيجة ارتفاع غير متوقع في أسعار البترول، بتوجيه 41 مليار ريال (10.9 مليار دولار) كله فيما يحقق رفاهية المواطنين، إذ سيتم التركيز على المشاريع ذات الأثر المباشر والكبير للمواطنين على أن تكون شاملة لكافة مناطق السعودية وبالذات الأكثر احتياجا إلى المرافق والخدمات العامة. إضافة إلى نمو الحركة العقارية التي بلغت عام 2004 نحو 900 مليار ريال (240 مليار دولار)، مع توقع تجاوز السوق السعودية العقارية حاجز التريليون ريال (226 مليار دولار) العام المقبل في ظل المشاريع المطروحة خاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والتي سيضخ فيها ما يتجاوز50 مليار ريال (1.3 مليار دولار) عبر مشاريع عقارية وتنموية مثل مشروع الشامية ومشروع جبل عمر بالاضافة إلى المشاريع الاسكانية التي ركزت عليها الشركات العقارية بشكل كبير خلال العام المقبل.

* مصر : 2004 انفتاح اقتصادي يقود الرهان على الاستثمار

* وفي مصر وعلى غير ذوق عصر التعقيد والحكومات الذكية، يمكن القول، إن 2004، عام اقتصادي في مصر، هو المولود الشرعي الأول، لسياسة الانفتاح الاقتصادي، التي أطلقها الكثير من الجيل الجديد، من الذين امتزجت في دمائهم صفات مهجنة من الانفتاح مع الشمولية، والعشوائية مع الوضوح، والتردد مع الإقدام، وغير ذلك من نتاج التشوش الناجم عن سيطرة رجال الأعمال الجدد، من ذوي الأصول الفلاحية، على القرار، إلى أن جاء جيل جديد من أبناء الطبقة المتوسطة، استطاع أن يراكم الخبرات ومواقع النفوذ والتأثير، إلى أن قادته الظروف، لتولي زمام المسؤولية.. جيل من رموزه الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء واستاذ هندسة المعلومات والاتصالات، ومعه «الترويكا» الاقتصادية المكونة من الدكتور محمود محيي الدين ـ وزير التجارة والصناعة - ورئيس «يونيلفر مصر» والدكتور بطرس غالي في ثوبه الجديد والحقيقي، كوزير للمالية، بعد أن أمضى 9 سنوات مع الحقائب الوزارية من قبل، متنكراً في ثوب المتوافق مع ما يرفضه. كان الدكتور عبد العزيز حجازي، رئيس الوزراء الأسبق وواضع أول قانون للاستثمار عام 1974، يقول دائماً، ولا يزال، إن الانفتاح الذي تم التخطيط له وقتذاك، كان حزمة متكاملة، لكن تم تفكيكه، وأسيء استخدامه، والآن قد يكون بوسع الوجوه التي اعتلت سدة الوزارة في يوليو (تموز) 2004، وبعد أن وصلت حكومة الدكتور عاطف عبيد (تولت في اكتوبر 1999) إلى شوارع مسدودة، بوسعهم القول، إن عصر الانفتاح الحقيقي يبدأ الآن، كانت اللطمة الكبرى التي حاقت بالانفتاح الأول، وقوع انتفاضة الجوعي في يناير (كانون الثاني) 1977، عندما حاولت المجموعة الاقتصادية بقيادة الدكتور عبد المنعم القيسوني تحرير أسعار بعض السلع، وهي الانتفاضة التي سماها الرئيس السادات: «انتفاضة الحرامية»، فهل يمكن أن تمضي عمليات التحرير الكامل لكل المعاملات السلعية والخدمية الجارية حالياً، إلى صدمة شبيهة. هذا هو التحدي الجوهري أمام حكومة الدكتور نظيف ووزرائه. لكن لماذا نتوقع مثل هذه النتيجة ولماذا طرح السؤال بالأساس وما هو جوهر الاجراءات الاقتصادية التي تمت في المرحلة الفائتة؟ دعونا أولاً ننظر إلى أهم عناوين العام الاقتصادية في مصر : ان 2004 هو عام استقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، و«الكويز» ومشروع قانون الضرائب الجديد الذي يخفض الضريبة على أرباح الشركات من 40% إلى 20%، وعام السندات الحكومية والخاصة، وتخصيص التعريفات الجمركية، ورفع أسعار السولار بنسبة 50% مما أدى لهياج في الريف وفي المدن، وعام وثيقة مكتبة الإسكندرية للإصلاح، وفيها شق اقتصادي، يتبنى كل أدبيات خطاب «التحرير»، ومن الواضح أن مصر والحكومات العربية، تلتزم جيداً بهذا الجانب، وكأنما عوضاً عن اغماض أعينها جميعاً عن برنامج الاصلاح السياسي في الوثيقة. أيضاً 2004 هو عام الانتحار بسبب الفقر أو القتل، ولو قتل أقارب الدرجة الأولى، بسبب عدة جنيهات، وقد وقع في هذا العام من هذا النوع من الجرائم، ما لم يقع في أي عام سابق. وفي العام ذاته سنجد الهبة المصرية للدفاع عن بقاء المعونة الأميركية كما هي، ضد محاولات لإنقاصها، أو ربطها بشروط إضافية، أبرزها، محاولة «توم لانتوس». عام احتكار الحديد والعجز عن مواجهته رغم أن الجريمة وقعت في «عز الظهر» عام افتتاح سيتي ستار ـ أكبر مشروع سياحي في الشرق وكلفته 750 مليون دولار، وكان قد واجهته على مدى أعوام عقبات سخيفة في 1974 أقبل أجانب بشكل لافت على الاستثمار في صناعة الأسمدة، ووشيكا سيبدأ تصدير الغاز (رشدي سعيد يردد ولا يزال أن أوروبا أكلت فحمها لتنهض وعلينا أن نشرب بترولنا وغازنا كذلك)، في 2004 تم تغيير قيادة اتحاد الصناعات وهيئة الاستثمار وهيئة التمويل العقاري وهيئة التأمين والبورصة وغيرها، ووقعت أحداث فندق طابا، وأعلن لأول مرة أن معدل التضخم في 2003/2004 كان 11.7% وأنه وصل إلى 12.5% في أكتوبر الماضي، بعد انكار طويل لارتفاع الأسعار عقب تحرير سعر الصرف في يناير 2003 ارتفعت أسعار الأراضي الزراعية في وسط الدلتا بنسبة 75% مع بدء تطبيق الشراكة مع أوروبا، وانخفض سعر الفائدة في أول العام وزاد في آخره (نحو 12% حالياً) وكثرت أحاديث الحكومة السابقة والحالية حول توقيع اتفاقيات مناطق تجارة حرة مع دول من السنغال إلى نيوزيلندا، وأخيراً صدر أول تقرير وطني عن تنافسية مصر، واضعاً إياها، في مرتبة متأخرة، وأسدل الستار على قضايا فساد كثيرة بل وعن ضبط قضايا جديدة، خاصة وأن الاتجاه للتيسير على المدينين للبنوك أعطى انطباعاً بأن الدولة، لا تريد ازعاج المستثمرين في الوقت الراهن. هذه هي صورة العام، فما الذي رسمت الحكومة الجديدة فيها، وما هي مصادر التخوف؟ أول ما يجب حسابه للحكومة الجديدة، هو تجديد الأسئلة بعد أن كاد الركود يعصف بالبلاد. مثال : زار المهندس رشيد مصانع حلوان الناصرية العملاقة للحديد والصلب فسأل قياداتها: هل يمكن أن نوقف انتاج الحديد ونبيع فحم الكوك خاصة وأن لنا ميزة نسبية فيه وأسعاره مرتفعة عالمياً سؤال مستفز لكنه جديد؟ ثاني الاضافات هو عدم التردد ـ بغض النظر عن الموقف الاجتماعي ـ فبكل جرأة تم اختيار جلال الزوربا، المفاوض على الكويز، ورئيس المجلس الرئاسي المصري الأميركي السابق، وصاحب مصانع الملابس، رئيساً لاتحاد الصناعات على الرغم من الرفض الواسع الذي جوبه به هذا الاختيار، وأيضاً الحسم في قرارات تجديد أو ابعاد قيادات قطاع الأعمال العام إلى حد أن البعض يرى أن الباقي من القيادات القديمة يعيش في رعب من مفاجآت الدكتور محمود محيي الدين والجرأة في قراري الضرائب والجمارك بل وفي رفع سعر السولار نفسه والدفاع عنه. كان عبيد رئيساً للجمهورية بالتفويض في ظل غياب رئيس البلاد للعلاج في ألمانيا، لكنه لا هو مفوض ولا هو كرئيس وزراء جرؤ على مثل ما يعلن حالياً من خصخصة التعليم والنقل ورفع أسعار مياه الشرق والكهرباء والغاز والتحضير لزيادات وشيكة للبنزين.

من غير الحكومة الجديدة كان يجرؤ على الاعلان عن تحويل موقع محطة الضبعة النووية بالساحل الشمالي، إلى منتجعات سياحية بعد الدراسة ؟ أو شركات أجنبية لادارة مطار القاهرة وغيره. هناك كذلك التجانس الوزاري النسبي وتوزيع المسؤوليات.. لدينا رئيس حكومة يعمل إلى الرابعة بعد الظهر ويعود إلى بيته إلى صباح اليوم التالي. على أية حال الصورة من جانبها الآخر قاسية. فما لا تملكه الحكومة في مصر، بحكم الدستور والواقع، هو أن تتحدث عن إصلاح سياسي، وبدون الإصلاح السياسي لا يمكن دفع النخبة المصرية الحالية نحو الأخذ بمبدأ عدالة توزيع ثمرات التنمية، وبدون العدالة، فإن الضغوط العنيفة الواقعة على عاتق المستهلكين (البشر) تكاد تقود ـ وبما لا تخطئه عين ـ إلى غضب جامح، لم يلمس أحد من المتابعين، لإجراءات الحكومة ما يشير إلى أنها بصدد تطويق هذا الغضب.. فقد رفضت زيادة الأجور بحجة أن وفراً سيتحقق للمجتمع من جراء إصلاح الضرائب، وأوقفت بشكل حاد التعيين في الحكومة، ورفعت من سقف شروط الوظائف في المجتمع بشكل عام (وهذا جيد) من دون أن تؤهل غير القادرين لزيادة قدراتهم ومهاراتهم، وتجاهلت مطالب الفقراء، وهم الأغلبية في مصر في الصحة والاسكان، ورفعت كلفة التعليم ـ حتى الرسمي ـ إلى حد غير مسبوق وستواصل، وعجزت عن وضع آليات ومعايير فنية تضبط الأسواق فلا قديد ولا لحم، في بيوت تجاورنا. بدأ العام بزيارة بيل جيتس، وانتهت بغزوات من الهنود والصينيين، وبين الغرب والشرق، ما زال المواطن العادي في مصر، لا يجد نفسه في الحكومة الجديدة.. فثلاثي الاقتصاد يدفع العقبات من أمام الاستثمار والبزنس (حقق المستثمرون في البورصة في الستة أشهر الأخيرة عوائد لم يحلموا بها) ولكن ما الذي يفعله وزراء الخدمات: العمل والصحة والتموين والاسكان والتأمينات الاجتماعية للناس ؟ لا شيء.

ان الرهان على أن دفع الاستثمار وحده سيحل مشاكل مصر، لا يوجد أبداً ما يدل على أنه ـ وحده ـ سيربح الجولة في مواجهة احتمالات توتر اجتماعي كامن.

* لبنان: المؤشرات الاقتصادية الايجابية تواصل نموها رغم التجاذبات السياسية

* وفي لبنان وعلى الرغم من التجاذبات السياسية الحادة التي طبعت عام 2004 على خلفية التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد اميل لحود بصورة خاصة، واصلت المؤشرات الاقتصادية تحسنها في لبنان معززاً بالمنحى الايجابي الذي شهده النصف الأول من العام.

وبحسب تقديرات الخبراء، فإن معدل نمو الاقتصاد، مدعوماً بمكوناته الاستهلاكية والاستثمارية، قد لامس 4% وبذلك يكون النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني قد ضاهى متوسط النمو المحقق في الشرق الأوسط.

وعلى غرار الاداء الاقليمي، كانت اهم القوى المحركة للنمو المحلي خارجية المنشأ: فالإيرادات السياحية، والصادرات والاستثمار الخارجي كانت مصدر النمو في العام 2004، ذلك ان الايرادات السياحية استفادت من موسم سياحي مؤات مع ازدياد عدد السياح بنسبة 29% في الاشهر التسعة الاولى من السنة ليبلغ اعلى مستوى له منذ 1997، وقد تعزز الاستثمار الخارجي خصوصاً بفعل الاستثمار العربي في عدة قطاعات اقتصادية، لاسيما في القطاع العقاري، حيث زادت العمليات بنسبة 22% على أساس سنوي. كذلك شهدت الصادرات ارتفاعاً كبيراً بلغت نسبته 23%..

وفي موازاة التحسن في معدل النمو، انخفضت النفقات العامة بنسبة 7.3% في النصف الأول من العام بسبب التأخر في إقرار الموازنة العامة، ولكن هذه النسبة تراجعت الى 1.7% خلال الفصول الثلاثة الأولى.

وعلى مستوى المالية العامة، لوحظ ارتفاع حجم الدين العام بنسبة 6.9% في الاشهر التسعة الاولى، وهذا ادنى مستوى له منذ نيف وعقد من الزمن، وذلك من جراء انخفاض العجز العام بنسبة 28% على اساس سنوي، علماً ان تراجع العجز هذا نتج عن انخفاض خدمة الدين بنسبة 16.2% وعن ازدياد الفائض الاولي بنسبة 54%.

وعلى صعيد القطاع الخارجي ازداد العجز التجاري بنسبة 37% على أساس سنوي، علماً ان كلاً من الصادرات والواردات ازدادت كثيراً. بيد ان نمو الواردات الاكبر، مدعوماً بالطلب الخاص، اسفر عن انخفاض نسبة تغطية الواردات بالصادرات من 20.7% في الاشهر التسعة الاولى من العام 2003 الى 19% في الفترة المماثلة من العام 2004. وعلى الرغم من اتساع العجز التجاري، سجل ميزان المدفوعات فائضاً بقيمة 295 مليون دولار، بفضل ازدياد تحويلات اللبنانيين في الخارج واستثمارات الخليجيين.

وكذلك استفاد القطاع المصرفي من تحسن النشاط الاقتصادي رغم تأثر ربحية المصارف بتقلص العائدات وهوامش الفوائد. فقد زادت الودائع بقيمة 5841 مليار ليرة خلال الاشهر التسعة الاولى، اي بما يقل بقليل عن التحسن المذهل في العام 2003.

واذا تفحصنا القطاع الزراعي لوجدنا ان الصادرات الزراعية زادت في الاشهر التسعة الاولى بنسبة 34.5% بفضل برنامج «اكسبورت بلاس» القائم على دعم الصادرات الزراعية، ولكن هذا التحسن بقي بعيداً عن النسبة التي شكلها القطاع الزراعي من الانتاج الوطني قبل الحرب (18%) في حين انه لم يتجاوز هذا العام 7%..

ويمكن اعتبار قطاع البناء والعقارات من اهم محفزات النمو الاقتصادي. وتظهر الاحصاءات الرسمية ازدياد رخص البناء في الاشهر التسعة الاولى بنسبة 2.2% على الرغم من ارتفاع تكاليف البناء بنسبة 27.4%. ومثلما هي الحال من ناحية الطلب كان اداء العرض مؤاتياً ايضاً، حيث ارتفعت قيمة العمليات العقارية بنسبة 22% والرسوم العقارية بنسبة 36.8%..

وعلى صعيدي المرفأ والمطار، سجل نمو في حركة المستوعبات في مرفأ بيروت بلغت نسبته 24%، ونمو اقل في حركة البواخر وحجم البضائع (1.4% فقط)، وفي المطار ارتفعت حركة المسافرين بنسبة 20.2%، وهذا مرده الى ازدهار القطاع السياحي منذ مطلع العام.

وقد تميز عام 2004 بسياسة تحويل العجز العام عن طريق عمليات السواب (مبادلة) واصدار سندات اليوروبوندز على دفعات الدفعة الاولى تمت في مايو (ايار) بقيمة 1.3 مليار دولار، وفي سبتمبر (ايلول) اجريت عملية سواب بقيمة 350 مليون دولار، تلتها عملية أخرى في نوفمبر (تشرين الثاني) بقيمة 1375 مليون دولار، بحيث بات الدين العام اللبناني، مناصفة تقريباً بين دين داخلي وخارجي. وكان مصرف لبنان المركزي قد حول جزءاً من محفظته من سندات الليرة اللبنانية الى سندات بالدولار بقيمة مليار دولار في الشهر الاخير من العام.

وسجل في العام 2004 انتقال شبكتي الهاتف الجوال من شركتي «سيليس» و«ليبانسيل» الى المشغلين «ديتكون» الالمانية ـ السعودية، و«ام. تي. سي» الكويتية، واستبدال تسمية «سيليس» بـ «الفا» و«ليبانسيل» بـ «ام. تي. سي. تاتش».

واذا كان التغيير الحكومي في نوفمبر (تشرين الثاني) قد ترافق مع ضغط على الليرة اللبنانية تمثل ببيع مصرف لبنان اكثر من ملياري دولار، فإن الشهر الاخير من العام شهد عودة المصرف الى استعادة ما فقده بحيث بلغت احتياطياته نحو 12.3 مليار دولار. وفي موازاة اهتمام الحكومة الجديدة بالشأن السياسي، تواصل اهتمامها بخلق «قاعدة هدوء» اقتصادي من خلال موافقة مجلس الوزراء الأخير على تمديد العمل بقانون الدمج المصرفي، الذي جمد أكثر من سنتين، وعلى إنشاء مديرية لإدارة الدين العام تحت وصاية وزارة المال، ويتوقع ان يوافق مجلس النواب على هاتين الخطوتين الحيويتين في أول جلسة له في مطلع العام الجديد.