واشنطن باشرت سياسة تقليص النفقات للسيطرة على العجز المالي المتفاقم

التضخم لا يزال تحت السيطرة والفائدة الأميركية لن تتجاوز 2.5% هذا العام

TT

محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي (المركزي الأميركي) الأخير منح الدولار دفعا ملموسا بعد التدهور الذي شهده في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. لكن غالبية المحللين يرون أن الارتفاع مؤقت ما يلبث أن يزول بعد رفع الفائدة فعليا. فالرهان على رفع الفائدة في الاجتماع المقبل للجنة السوق المفتوحة في المجلس يدل على أن زمن السيولة الرخيصة الذي طال أمده يقترب من النهاية. فلقد أدت الفائدة الرمزية التي تدنت إلى مستوى واحد في المائة لأول مرة منذ أكثر من أربعة عقود إلى ركوب المستثمرين مخاطر ما كانوا ليجرأوا على ركوبها لو كانت الفائدة أعلى من ذلك. وأدت الفائدة المنخفضة بالتالي إلى تضخم المديونية على صعيدي الأفراد والشركات. وإلى جانب المديونية العالية، تقلصت قيمة الدولار بشكل كبير مقابل اليورو، وبدرجة أقل مقابل الين. فيما ارتفعت أسعار الطاقة بنسبة الضعف. الأمر الذي يثير مخاطر التضخم في الاقتصاد الأميركي ويفرض على مجلس الاحتياطي الاتحادي تضييق السياسة النقدية (التعبير التقني لرفع الفائدة). على أن حيدر توفيق، المدير الاستثماري في مصرف «أتش. أس. بي. سي» في لندن يعتقد أن رفع الفائدة في الولايات المتحدة سيظل محدودا هذه السنة بحيث لا يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي الأميركي القوي. ويؤكد الخبير المالي أن السلطات النقدية الأميركية تتفادى التأثير على النمو الاقتصادي الذي يؤمن إيرادات ضرورية في الظروف الحالية. وأن واشنطن باشرت بالفعل تقليص الانفاق العام مستفيدة من النمو.

«أستبعد أن يلجأ مجلس الاحتياطي الاتحادي إلى ضبط طويل للتضخم. وأعتقد أن رفع الفائدة في الاجتماع المقبل سيكون بمثابة خطوة استباقية لاحتمالات التضخم. فرفع الفائدة السريع قد يؤدي إلى حدوث ركود. ولم تظهر حتى الآن دلالات واضحة ومؤكدة من خلال البيانات تدل على وجود تضخم».

من الأسباب التي حالت دون تفاقم التضخم في السوق الأميركية أن السلع التي تستوردها الولايات المتحدة، لا سيما من شرقي آسيا، جميعها مسعرة بالدولار. وعلى رأس هذه الدول الصين التي ربطت قيمة عملتها بالدولار، وتحاشت تغيير سعر صرف الرنمنبي. وفي رأي المحلل المالي أن الولايات المتحدة رغم معاناتها من عجز تاريخي مالي على صعيدي الموازنة العامة، والميزان التجاري، قادرة على احتواء العجز وبدأت بالفعل العمل على كبحه. ولقد قارب العجز المالي نسبة 6 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي.

«الولايات المتحدة قادرة على استيعاب هذا العجز. إذا استمر النمو الاقتصادي يؤدي إلى زيادة إيرادات الدولة. ومقارنة مع أوروبا واليابان نجد أن المنطقتين الاقتصاديتين العملاقتين غير قادرتين على استيعاب العجز بسبب النمو الاقتصادي الضعيف جدا، وتفشي البطالة. وعليه فإن الولايات المتحدة تستطيع تقليص الانفاق العام بينما لا تستطيع أوروبا أو اليابان أن تفعل ذلك بسبب مشاكلها المستفحلة».

ومن ضمن الحلول التي يمكن أن تلجأ الدول إليها لامتصاص العجز المالي وعواقبه، تخفيض قيمة العملة. وفي رأي توفيق لم تصل الولايات المتحدة بعد إلى الخط الأحمر من العجز.

«إذا شعرت الولايات المتحدة أنها فقدت السيطرة على العجز ستخفض قيمة الدولار. لكنها تشعر أن الأمور لا تزال تحت السيطرة».

ولا يعتبر حيدر توفيق أن الانخفاض الذي تعرض له الدولار مبالغ فيه حتى الآن. فلقد ارتفع بنسبة خمسين في المائة من أدنى مستوى بلغه اليورو. لكن قيمة اليورو عند صدوره عام 1999 كانت 1.18 دولار، ثم هبطت إلى 83 سنتا قبل أن يبدأ الصعود في 2002. من الحلول للعجز التجاري الأميركي التي يراها حيدر توفيق أن تقلص الولايات المتحدة الانفاق العسكري في العراق وأفغانستان وخارجهما. وسجل قراءة لتصرفات واشنطن المالية في موضوع معالجة آثار الزلزال الأسيوي الأخير تدل على أنها تريد حصر الانفاق.

«لاحظت في موضوع التسونامي أن الولايات المتحدة تخلت عن لعب الدور القيادي وأناطته بالأمم المتحدة لحصر النفقات وتوزيعها على الدول الأخرى. وإلا فإنها كانت ستتورط في نفقات غير محدودة هي في غنى عنها. عندما سمعت هذا النبأ توصلت إلى استنتاج بأن واشنطن بدأت فعليا في حصر نفقاتها دون الإعلان عن ذلك رسميا. فالإعلان من شأنه إثارة القلق في الأسواق المالية. حتى المساعدات التي تعهدت واشنطن بها وهي 350 مليون دولار تعد ضئيلة بالنسبة لهذا الاقتصاد العملاق. وربما لا تدفعه بالكامل فعليا. وهذا مؤشر آخر مهم».

ورأى الخبير المالي أن الفائدة الاميركية لن ترتفع كثيرا هذه السنة. «في العام الماضي توقعوا 4 في المائة، من الصعب تصور الفائدة أعلى من 2.5 في المائة في نهاية العام الحالي، وإلا دخل الاقتصاد في متاهة الركود الشديد».

والركود في الولايات المتحدة هو آخر ما تريده واشنطن أو حتى الدول الأخرى.