أوضاع السوق المالية السعودية

سعود الأحمد*

TT

تقييم أوضاع سوق المال السعودي (في هذه المرحلة بالذات) أمر في غاية الأهمية، خصوصاً بعد دخول شركات جديدة ومهمة مثل «اتحاد الاتصالات» و«التعاونية للتأمين»، وما لها من تأثير على تركيبة السوق ومستقبل الاقتصاد المحلي واستثمارات المتعاملين في السوق المالية المحلية. وبهذا الصدد يمكن القول إنه وعلى الرغم من العديد من الإيجابيات التي تستحق الإشادة كقيام هيئة سوق المال، وذلك التطور في حجم تعاملات السوق، ناهيك عن القفزات التي بلغها المؤشر العام للأسعار، الذي تجاوز الضعف خلال عام فقط، كما أن دخول شركات جديدة (رابحة) وانتظار أخرى قريباً، حتى صار الغالبية في حالة جني أرباح. كل ذلك من الإيجابيات التي تحسب للسوق المالية السعودية.

لكن هناك نقطة مهمة وجديرة بالعناية تتمثل في ارتفاع درجة المخاطرة، من جراء ارتفاع نسبة تأثير عدد محدود من الشركات، في وقت تمثل نسبة كبيرة من حجم السوق، وبالتالي لها تأثير بالغ على المؤشر العام للأسعار. وأقصد بذلك شركات «الاتصالات» و«الكهرباء» و«سابك»، فهذه الشركات قد تتطور وتنهار بفعل تأثير عوامل لا يمكن معها عمل أي شيء (systematic factors).

فشركتا الاتصالات، ولما تمثلانه من ضخامة حجمهما الحالي من الطبيعي أن يكون لهما تأثير بالغ على السوق المالية. فهاتان الشركتان تقدمان خدمات عالية التقنية، لكنها مستوردة، مثلها مثل الذي يشتري حاسب آلي ويؤجر خدماته للآخرين، بمعنى أنها لا تمتلك القدرة على تطويرها لمواكبة التطور التقني لها واحتياجات السوق!. فكلنا يدرك أن تقنيات الاتصالات الحديثة اكتشفتها عقول الدول الصناعية، وتعتمد على اختراع لا يستبعد مع مرور الوقت وتقدم البحث العلمي، أن تأتي العقول التي ابتكرت خدمات اليوم (أو من عقول بيئات صناعية أخرى منافسة) لتقدم للمستهلك تقنيات جديدة لخدمات اتصالات أحدث وأرخص. وهل من المستبعد أن يأتي العلم الحديث بتقنيات تغنينا بالهاتف الجوال عن جميع خدمات الهاتف الثابت (مطلقاً)؟!، وما المانع أن يستغني الجميع عن الجيل الثاني من خدمات الاتصالات، ويكتفي المستخدم بحمل هاتف جوال في جيبه به شاشة، يشاهد فيها وجه محدثه!، ويرسل منها رسائله الهاتفية المكتوبة (فاكساته)، وهو نفسه حاسب آلي متطور مصغر ومتنقل؟!. وهل من غير المتصور أن تأتي الاختراعات الحديثة بتقنيات جديدة تمكننا من الاشتراك بجميع خدمات الاتصالات مع شركات دولية (تغنينا عن شركات الاتصالات المحلية)؟!.. كأن تأتي تقنية تجعل من شبكة الاتصالات «اللاسلكية» أن تقدمها شركات دولية بشبكة عالمية دون تدخل شركات الاتصالات المحلية؟ وتتاح خدمات أفضل من الخدمات الحالية بأسعار مخفضة أو شبه مجانية، لتعتمد على الإعلانات أكثر من دخل الاشتراكات!؟ مثل هذه العوامل، أليس من الطبيعي أن تنخفض معها إيرادات شركات الاتصالات المحلية، ويتأثر السوق الذي يعتمد عليها كثيراً.. ولأن الشركات في السوق يشد بعضها بعضاً، فإن من غير المستبعد حصول نكسة (Collapse)! أما عن شركة «سابك»، فكلنا يعلم أنها شركة ذات منافسة عالمية، في وقت تعتمد كثيراً على الطاقة التي تشتريها محلياً، وبالمقابل تبيع جزء كبير من منتجاتها في الأسواق العالمية، ومن المعروف أن الشركات المنافسة تشتري الطاقة بأسعار بلغت أكثر من الضعف، وبالتالي فهذا الحدث المؤثر أعطى لـ«سابك» ميزة تنافسية وزيادة عوائد.. لكنه ليس من جراء ابتكار أو اختراع سجلته الشركة وأدى إلى تحسين في الأداء التشغيلي لزيادة الإيراد أو تخفيض المصروفات. ومن هنا فهذا حدث خارج عن الإرادة، لا يستبعد أن يأتي عكسه، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي التدابير لمواجهة أثره؟

أما شركة الكهرباء فهي أيضاً مثلها مثل شركة «سابك»، تعتمد على الطاقة بشكل كبير وعلى القرارات الحكومية. والطاقة تباع محلياً بنفس الأسعار القديمة، ومع توسع الخدمات وبقاء أهم عنصر للمصروفات، فإن من الطبيعي أن تزداد الإيرادات، أما القرارات الحكومية فهو عامل خارج عن إرادة إدارة الشركة. أما شركة «التعاونية للتأمين»، فهذه أخطر من سابقاتها، كونها تتأثر بجميع العوامل السابقة، إضافة إلى تأثرها بالعوامل الدولية الخارجية، لكون شركات التأمين تعتمد أساساً على التأمين على النقل بأنواعه، والنقل (كما هو معروف) يتأثر بالأمن العالمي.. وهذا أمر لا يمكن لأحد التكهن بمستقبله. وختاماً فهذه مجرد تنويهات أسوقها حتى لا نفاجأ بأمور كان يجب توقعها، واتخاذ الإجراءات الكفيلة لتلافي أثارها قبل فوات الأوان. وللتذكير بأن هذه العوامل كانت (بالفعل) قد حدثت لها تأثيرات، لكنها كانت إيجابية الأثر على مؤشر السوق. ولذلك لم نجد لها ردة فعل ملحوظ على نفوس المستثمرين، ولو كانت هذه التأثيرات بالسلب ... فلكم أن تتخيلوا ردة الفعل.

* محلل مالي سعودي