مصر «تطارد» القطاع الاقتصادي غير الرسمي والحكومة تتوقع تحصيل ضرائب بقيمة 2.6 مليار دولار

TT

في الوقت الذي تعد فيه الحكومة المصرية عدتها للامساك بالقطاع غير الرسمي وادخاله قفص الشرعية ويشمر فيه وزير المالية د.يوسف بطرس غالي عن ساعديه لتحصيل 15 مليار جنيه (نحو 2.6 مليار دولار) ضرائب من هذا القطاع بعد ضبطه واحضاره إلى المؤسسات الرسمية و«مأسسته» بتعبير الوزير، في ذات الوقت يخرج فريق من خبراء الاقتصاد ليحذر الحكومة من وضع يدها على هذا القطاع ويلوح بقطع ارزاق الملايين لو طورد هذا اللون من النشاط.

وجاء التحذير أثناء الندوة التي نظمتها منظمة العمل الدولية في القاهرة بالتعاون مع وزارة القوى العاملة المصرية حول سياسات التشغيل في مصر. وجاء التحذير الأقوى على لسان د. سعاد كامل أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة التي انتقدت نظرة رجال السياسة إلى القطاع غير الرسمي في مصر حيث أكدت على أن النظرة السلبية التي يحملها صانعو السياسات والتي تجعلهم يطلقون مسميات من قبيل القطاع العشوائي والقطاع الهامشي وصناعات «بير السلم» تعطي انطباعا بأن هذا القطاع غير شرعي أو ينتج سلعا كلها فاسدة، لان هذه النظرة تستعدي الرأي العام ضد المنشآت المعنية واصحابها.

كما انتقدت د. سعاد كامل صانع القرار الذي لا يرى المشاكل الحقيقية لهذا القطاع حيث يصر على أنه مشكلة تمويلية فقط، معتبرة ان هذا الامر غير صحيح حيث انه ثبت أن الفقراء يدخرون اكثر وان تمويل هذا القطاع يأتي دائما ذاتيا من داخل صفوفهم أي انه قطاع لا يزاحم احدا تمويليا، في نفس الوقت الذي يقدم فيه فائضا من المدخرات للاخرين. ووصفت كامل موقف الحكومة من القطاع بانه موقف متناقض وغامض، موضحة أن التناقض يأتي من أن بروز القطاع بمثابة نفي لوجود الحكومة لانه يعمل خارج أطرها، الا انه في الوقت ذاته هو قطاع ينتج سلعا رخيصة ويلبي طلبا حقيقيا حيث لا ركود عنده ولا مخزون لديه لان علاقته بالمستهلكين مباشرة وهو يولد فرص عمل لموظفي الدولة وللعاطلين، مؤكدة أن موقف الحكومة غامض لأنها تقف موقف المساند لهذا القطاع في العلن، ولكن هدفها الحقيقي هو السيطرة عليه وتحجيمه وتتبيعه عنوة للاخرين.

واختلفت د. سعاد مع نظرة الحكومة المصرية الى هذا القطاع على انه متهرب من الضرائب مشيرة الى أن دخول المنتمين إلى هذا القطاع عادة ما تقع تحت حد الاعفاء في حين انه يخضع لضرائب غير مباشرة لكون هؤلاء منتجين ومستهلكين في الوقت الذي لا يحصلون فيه على مقابل للضرائب التي يدفعونها في صورة خدمات عامة مثل المياه النظيفة والكهرباء والطرق والصرف الصحي، محذرة من ان محاولة غير محسوبة لفرض ضرائب على القطاع غير المنظم ستصبح خانقة لنشاطه الامر الذي قد يضطره إلى رفع أسعار السلع التي يقدمها وتخفيض حجم العمالة لديه.

وانتقدت د. سعاد قانون المنشآت الصغيرة الذي لم يمنح هذه المنشآت اية اعفاءات ضريبية، بينما قانون الاستثمار يمنح المشروعات في القطاع المنظم اعفاءات تصل إلى عشر سنوات، مبينة ان القطاع غير المنظم يعمل فيه ما بين 40% إلى 60% من إجمالي المشتغلين في المناطق الحضرية. واشارت الى ظاهرة هامة وهي عدم قدرة المشروعات الصغيرة للوصول إلى جهات التمويل أو الاستفادة من الفروق الحكومية، مدللة على ذلك أن إجمالي القروض التي قدمها الجهاز المصرفي إلى هذا القطاع لا تتجاوز 6% من إجمالي القروض.

وتشير د. سعاد إلى أن العاملين في هذا القطاع يتمتعون بقدرة على الابتكار والابداع وهي القدرة التي اكتسبوها نتاج سنوات من تعلم البقاء في بيئة معادية. ولكن هل ستظل البيئة التي يعمل فيها هؤلاء على الدوام معادية، أم ستنجح الحكومة في عقد الصلح معهم وتضع في اعتبارها محاذير منظمة العمل الدولية وخبراء الاقتصاد؟