هبوط الطلب على سندات الخزينة الأميركية 75%لأدنى مستوى منذ 16 شهرا

بعد تحذير غرينسبان من مخاطر ضعف جاذبية الأوراق المالية الأميركية

TT

أوضح التقرير الأسبوعي لبنك «الكويت الوطني» الصادر حول أداء أسواق النقد العالمية أن رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي آلان غرينسبان قال في تقريره نصف السنوي للكونغرس بشأن الاقتصاد والسياسة النقدية، إن البنك المركزي سيواصل حملته التي بدأها في شهر يونيو(تموز) الماضي لرفع أسعار الفائدة القصيرة الأجل. ولكنه لم يصل إلى درجة التهديد بتقييد أشد في أسعار الفائدة الرسمية في محاولة لرفع أسعار الفائدة طويلة الأجل. وقد كان أداء سندات الخزينة لمدة عشر سنوات مدعاة للإرباك بين الاقتصاديين ومراقبي الأسواق، إذ أن مستوى الفائدة على هذه السندات قد انخفض رغم ارتفاع أسعار الفائدة القصيرة الأجل. وكان مجلس الاحتياط الفدرالي قد شعر بالارتياح أكثر لو أن سعري الفائدة ارتفعا معا. حيث أن أسعار الفائدة الطويلة الأجل تساعد مجلس الاحتياط الفدرالي على إبقاء الاقتصاد تحت السيطرة. وقال رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي إن تحرك أسعار الفائدة الطويلة الأجل كان لغزا. وتطرق غرينسبان أيضا إلى موضوع الإنتاجية، قائلا إنها تملي المسار المستقبلي للتضخم وأسعار الفائدة. ومن المعروف أن الارتفاع النسبي السريع في الإنتاج لكل ساعة قد ساعد على إبقاء التضخم منخفضا، كما ساعد على تقدم الاقتصاد. ولكن السؤال الكبير يبقى: إلى متى يمكن لنمو الإنتاجية أن يبقي كلفة العمل منخفضة.

وقالت وزارة العمل إن مؤشرها لسعر الإنتاج للسلع المصنعة ارتفع بنسبة 0.3 في المائة في شهر يناير(كانون الثاني) بعد أن انخفض بنسبة 0.3 في المائة في شهر ديسمبر(كانون الاول). وكان الارتفاع الذي سجلته أسعار الإنتاج الرئيسية، التي لا تتضمن الأسعار المتقلبة للمواد الغذائية والطاقة، والبالغ 0.8 في المائة قد فاجأ الأسواق. ويمكن تفسيره كدليل على أن المنتجين يحاولون تمرير ضغوطات الأسعار إلى المستهلكين. ويجب أن تبقي هذه البيانات مجلس الاحتياط الفدرالي على مساره لمزيد من التقييد على أسعار الفائدة. ولن يشكل إسقاط الإشارة إلى التخلي عن الوتيرة المتئدة للسياسة التسهيلية في الاجتماع المقبل، مفاجأة كاملة.

وبدأ سوق الإسكان الأميركي يشهد رواجا شديدا في شهر يناير بأسرع معدل له منذ عقدين، إذ ارتفع بنسبة 4.7 في المائة ليصل إلى مستوى سنوي معدل فصليا قدره 2.159 مليون وحدة. ومن الواضح أن الأسعار المنخفضة للفائدة الطويلة الأجل قد ساعدت على إبقاء الطلب على المساكن قوياً. ومن ناحية أخرى، بقي الإنتاج الصناعي على حاله في شهر يناير، مقارنة بتوقعات بارتفاع قوي. ولكن انتاج المصانع كان قويا نوعا ما، فكانت النتيجة الصافية لذلك انخفاضا في استخدام الطاقة الإنتاجية، وذلك لأول مرة منذ أشهر، ما يشير إلى احتمال «تراخي» الاقتصاد، الأمر الذي يمكن أن يبقي الضغوطات التضخمية منخفضة.

وأشار التقرير إلى تراجع مبيعات المفرّق بنسبة معدلة فصليا بلغت 0.3 في المائة في شهر يناير. ولم يكن ذلك مفاجئا نظرا للارتفاع الضئيل في التوظيف والارتفاع البطيء في الدخل. ولكن عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات أولية لإعانة البطالة انخفض إلى ثلاثمائة وألفين في آخر بيانات أسبوعية صادرة ، وهو الأدنى منذ أربع سنوات. وبلغ المعدل المتحرك لأربع أسابيع، والذي انخفض بمقدار 4 آلاف ليصل إلى 311 ألفا و750. وهو أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2000. وقد تظهر بيانات الوظائف المقبلة تحسنا أيضا، حيث يقول الاقتصاديون إن المعدلات دون 350 ألفا دليل على خلق وظائف. وفي نفس الوقت، تراجع مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك الأولية لشهر فبراير من 95.5 في شهر يناير إلى 94.2 ويشير هذا التقرير إلى أن نظرة المستهلكين للاقتصاد قد أصبحت قاتمة.

وكان تدفق الاستثمار إلى الولايات المتحدة من البيانات الرئيسية الأخرى التي صدرت الأسبوع الماضي. وفي حين بلغ مجموع صافي المشتريات الأجنبية من سندات الشركات الأميركية 40.8 مليار دولار أميركي في شهر ديسمبر، أي بارتفاع قدره 60 في المائة عن شهر نوفمبر وقريبا من المبلغ القياسي الذي سجله شهر سبتمبر والبالغ 43.5 مليار دولار أميركي، تراجع صافي المشتريات من سندات الخزينة الأميركية بنسبة 75 في المائة ليصل إلى أدنى مستوى له منذ 16 شهرا، حيث بلغ مستوى مثيرا للقلق قدره 8.3 مليار دولار أميركي خلال نفس الفترة التي قلصت فيها اليابان، وهي المستثمر الأكبر في سندات الخزينة الأميركية على الإطلاق، من حجم ممتلكاتها.

وهناك ما يدل أيضا على أنه من المحتمل أن تكون الصين في صدد تنويع احتياطاتها بعيدا عن الولايات المتحدة. وارتفعت احتياطيات الصين من الصرف الأجنبي بشكل سريع لتصل إلى 609.9 مليار دولار أميركي في العام 2004، مع ارتفاع سرعة تكديس الاحتياطيات بشكل مطرد في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2004. وقد حذر غرينسبان من خطر أن ينخفض إقبال المستثمرين الأجانب على الأوراق المالية الأميركية، ويبدو أن البيانات الأخيرة تدعم تقديره وفي حين ما زال الدولار الأميركي يراوح قريبا من النطاقات المسجلة سابقاً، يتوقع الكثير من المحللين أن مسار الدولار التنازلي سيبدأ مجددا حال انتهاء فترة التماسك هذه. وفي ما يخص أوروبا فقد أفاد كبير اقتصاديي البنك المركزي الأوروبي أوتمار أيسينغ أن الاقتصاد في منطقة اليورولاند قد تراجع لأدنى مستوى له في الفصل الرابع العام الماضي لكنه متوقع له أن يتحسن هذا العام. فقد نما الاقتصاد الأوروبي بمقدار ضئيل قدره 0.2 في المائة في الفصل الأخير من العام السابق مع انكماش كل من اقتصادات ألمانيا وإيطاليا وهولندا واليونان، أما على مدار العام الماضي فقد نما الاقتصاد الأوروبي بمعدل 1.6 في المائة سنوياً مقارنة مع توقعات البنك المركزي السابقة بنمو يتراوح ما بين 1.6 في المائة و 2.0 في المائة خلال 2004. وبالرغم من ضآلة النمو المفروض في نهاية العام الماضي إلا أن هناك مؤشرات على بداية مشجعة في عام 2005. وكان مؤشرZEW الطليعي بالنسبة للتوقعات الاقتصادية في ألمانيا قد سجل تحسناً مفاجئاً إذ ارتفع إلى 35.9 في يناير. ومع هذا فإن إجمالي الناتج المحلي الألماني في الفصل الأخير من العام الماضي كان وباعتراف السيد أيسينغ نفسه مخيباً للآمال تماماً لا بل باعثاً على الاكتئاب. فقد انكمش الاقتصاد الألماني بمقدار 0.2 في المائة في الفصل الرابع مقارنة مع توقعات الاقتصاديين بنمو مقداره 0.2 في المائة. وألمح إلى أن ضعف الاقتصاد الأوروبي في خلال النصف الثاني من 2004 قد يضغط على البنك المركزي الأوروبي لإعادة النظر بالنسبة لأسعار الفائدة التي كان يرتب البنك المركزي الأوضاع باتجاه رفعها. ولكن حيال هذا الوضع الاقتصادي ذي الزخم المتراجع فقد خفضت مفوضية الاتحاد الأوروبي من توقعاتها بالنسبة للنمو الاقتصادي في الفصل الأول من العام الحالي إلى ما بين 0.2 في المائة و0.6 في المائة. وفي المملكة المتحدة قال محافظ بنك إنكلترا المركزي ميرفن كينغ إن مستقبل نمو الإنفاق الاستهلاكي شديد الضبابية. وهو يمثل أكبر مصدر لعدم الوضوح حيال مسار معدل التضخم. وكان البنك المركزي قد توقع في وقت سابق أن يرتفع معدل التضخم لما فوق 2 في المائة في نهاية عام 2006، لكن بيانات مبيعات التجزئة الضعيفة خلال فترة أعياد الميلاد الماضية تشير إلى ضعف الإنفاق الاستهلاكي بشكل أكثر حدة مما كان متوقعاً. وكانت معدلات البطالة قد انخفضت في يناير بينما ارتفعت معدلات الأجور بنسبة 4.3 في المائة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام. ويعتبر بنك إنكلترا المركزي أن زيارة الأجور بنسبة لا تتعدى 4.5 في المائة تتماشى مع معدل التضخم المستهدف وبالتالي فإن معدلات الأجور الحالية غير مقلقة. وكانت ضغوط التضخم حسب أسعار منتجات المصانع قد انخفضت بمعدل 0.1 في المائة في يناير مقارنة مع ديسمبر، لكن ارتفاع أسعار النفط في بداية عام 2005 قد يؤدى إلى زيادة هذه الضغوط مرة أخرى. وارتفعت أسعار سوق الإسكان قليلاً في شهر يناير، لكن الارتفاع هذا كان في معظمه فصلياً، إذ أفادت الجمعية الوطنية لوسطاء العقارات أن استطلاعها أظهر أن أسعار المساكن ارتفع بنسبة 0.14 في المائة في يناير بعد أن كان قد انخفض بنسبة 1.2 في المائة في ديسمبر. أما في اليابان فقد أظهرت البيانات الاقتصادية الحكومية الجديدة أن الاقتصاد الياباني انكمش قليلاً في أرباع السنة الثلاثة الأخيرة في عام 2004، ما يعنى أن الاقتصاد الياباني وهو الاقتصاد الثاني في العالم قد دخل تقنياً في مرحلة الكساد. وكان ضعف الإنفاق الاستهلاكي وارتفاع الواردات قد أثر سلباً في إجمالي الناتج المحلى في الربع الرابع من السنة وهو أشمل مقياس للنشاط الاقتصادي حيث انخفض الناتج بمعدل 0.1 في المائة بعد أن انخفض بنسبة 0.2 في المائة في الفصل الثاني وبنسبة 0.3 في المائة في الفصل الثالث من العام الماضي ـ ومن المعروف أن الكساد الاقتصادي يعرٌف تقنياً عند حدوث انكماش اقتصادي في فصلين متتاليين. والأمر الوحيد المريح في هذه البيانات هو أن الانكماش كان ضئيلا جداً. ويتوقع المحللون أن يستمر كساد الاقتصاد الياباني لعدة أشهر قليلة مقبلة بسبب تباطؤ الصادرات وضعف الإنفاق الاستهلاكي. لكنهم يتوقعون أيضاً أن يبدأ النشاط الاقتصادي بالتعافي في الفصل الثاني من العام الحالي. ويبقى الين تحت الضغوط المؤقتة نتيجة ضعف البيانات الاقتصادية، لكن معظم المتعاملين يعتقدون أنه بمجرد أن يبدأ مسار ضعف الدولار الأميركي مرة ثانية فإن قيمة الين سترتفع مجدداّ.