مهنة المحاسبة عاجزة عن الوفاء بالمتطلبات

TT

كلنا يعلم أن العالم مر ويمر بتغيرات جذرية منذ العقود الأخيرة للقرن الماضي، وإن تفاوتت درجات هذا التطور، من مجال لآخر، لكن مجالات مثل المواصلات والاتصالات وبالأخص ما تقدمه أنظمة الكومبيوتر وشبكة المعلومات العالمية العنكبوتية، من كم هائل ودقيق من المعلومات، ناهيك عن هذه الثورة المعلوماتية في القنوات الإعلامية الفضائية، وإذا كان للمرء أن يميز القرن الماضي بخاصية فإنه قرن ثورة المعلومات. ومن جانب آخر، فإنه إذا كان لمهنة المحاسبة المالية من أهمية، فإنها تنبع من أهمية المعلومات التي تقدمها عن الوضع المالي للمنشآت المالية، وما تتضمنه القوائم المالية من معلومات يستند إليها متخذي القرارات المالية والإدارية. وبهذا الصدد، فإن الذي يؤخذ على مهنة المحاسبة المالية، أنها لم تتطور على نحو يواكب التطور في المجالات الأخرى، للوفاء بحاجة المرحلة الحالية من المعلومات المالية، وهو ما يمكن أن نعتبره حالة من عدم التوازن، بين الخدمة المقدمة والحاجة المنتظرة.

فعلى سبيل المثال... ما زالت البيانات المالية التي يعدها محاسبو المنشآت المالية وتصدر تقارير المحاسب القانوني لتشهد بأن القوائم المالية تمثل بعدل الوضع المالي للمنشأة، في وقت تعتمد في تقييمها على التكلفة التاريخية. والسؤال الذي يطرح نفسه، أي عدل هذا الذي يعرض قيمة لأصول بغير قيمتها التي تساويها؟ فإذا كان لمنشأة قطعتي أرض متجاورتين وبنفس المواصفات، أو عمارتين كذلك (بنفس المواصفات)، لكن احداهن مشتراة بأسعار ما قبل عشرين عاماً والأخرى مشتراة بأسعار العام قبل الماضي، وأن القديمة مقيمة بنصف أو ربع قيمة الأخرى المشتراة قبل عامين، لأن المحاسبة المالية تعتمد التكلفة التاريخية عند إعداد القوائم المالية، ولأن التحقق لزيادة سعر الأولى لم يحدث فعلاً، ولأن المحاسبة المالية لا تعترف بتحقق الإيراد في هذه الحالة إلا بعد البيع الفعلي للأصل!.

هذا في وقت تتطلب المرحلة الحالية بالسوق المالية، معلومات محاسبية في صورة قوائم مالية مشهود بصحتها (لا بعدلها فقط)، وفي دورية أقصر شهرية مثلاً (عوضاً عن سنوية وربع سنوية)... فالأرقام موجودة في أجهزة الكومبيوتر عند كل منشأة، والمصادقة على أرصدة حسابات البنوك والعملاء، ويمكن تنظيم أمر الحصول عليها في وقت أسرع مما كانت عليه.

والحقيقة أن الأمثلة كثيرة على قصور مهنة المحاسبة المالية، وهو ما يعترف به علماء ومنظري هذه المهنة في جميع كتبهم عن المحاسبة المالية، ولست هنا بصدد الخوض في النواحي الفنية البحتة، حول مواطن ضعف المهنة، لكنني أجدها مناسبة لإثبات وإشهار حقيقة وجود قصور مهنة المحاسبة، والتذكير بأنه آن الأوان لأصحاب القرار وبالأخص الاقتصاديين على مستوى العالم، أن يلتفتوا لهذه المهنة التي يعول عليها وتعتبر صمام الأمان لاقتصادات العالم، وتعطيها من بعض الاهتمام المعطى للفن والرياضة. فهذا القصور لم يحدث لولا المشاكل التي تواجهها المهنة والمهنيين، وحاجتها الماسة للدعم الكفيل بمواجهة التحديات والوفاء بمتطلبات المرحلة. إذا المطلوب أن يصغي أصحاب القرارات لرواد مهنة المحاسبة، ويحاوروهم ويحددوا معهم بالضبط ماذا يريدون منهم من مخرجات، ودرجات الشمول والدقة في التفاصيل لهذه المخرجات، ويذللوا الصعاب أمام توفير هذه المتطلبات، في الوقت المناسب وبالكيفية المطلوبة.

* محلل مالي