«غازبروم» الروسية تحتاج إلى استثمارات في مجال الغاز تبلغ 130 مليار دولار

وسط مخاوف من الشركات الغربية وقلق من المستثمرين

TT

تراجع الانتاج الروسي النفطي للشهر الخامس على التوالي وجاء هذا بعد نمو غير مسبوق بلغ 50% خلال 6 أعوام وانخفض الانتاج بمقدار 110 آلاف برميل يوميا إلى 9.26 مليون برميل يوميا كنتيجة مباشرة لمشاكل يوكوس وتناقص انتاج جزر سخالين. وحسب تقارير وكالة الطاقة الدولية تم تعديل تنبؤات الانتاج لعام 2005 من 8.7% لعام 2004 إلى 3.8% أي النمو في الانتاج سوف لا يزيد عن350 ألف برميل يومـيا فوق معدلات عام 2004 .

ومن الجدير بالذكر أن روسيا كانت مسؤولة عن 95% من النمو في الانتاج النفطي خارج إطار أوبك عام 2003 وتضاءلت هذه النسبة إلى 75% لعام 2004. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن معدلات نمو الانتاج الروسي ان لا تصل الى مستوى منتجين آخرين مثل آذربيجان، كازاخستان وأنغولا.

ولا شك أن مشاكل روسيا تعتبر فوائد لمنظمة أوبك التي تعمل لتنظيم مقادير الانتاج لتتوازن مع طلب السوق والحفاظ على مستويات معقولة في الأسعار. وحسب تقرير الوكالة الدولية أن عملية تفكيك يوكوس لأسباب ضرائبية وبيع فرعها المنتج يوغانسك لشركة روزنفط خلق بلبلة وزعزعة في السوق أدت إلى تقلص في الانتاج. ولم يقتصر تضاؤل الانتاج على يوغانسك ذاتها بل تقلص انتاج تآلف«بي بي وتي إن كي» وتضاءل انتاج شركة سيب نفط أيضا. واستنتج التقرير أن الاستثمار في قطاع الطاقة الروسي سيتأثر سلبا.

وبدأت مشاكل يوكوس تتراكم عندما قبض على رئيسها ميخائيل خودوركوفسكي في اكتوبر(تشرين الاول) عام 2003 وتبع ذلك بيع الذراع المنتج يوغنسك للنفط والغاز بالمزاد العلني في ديسمبير (كانون الاول) عام 2004. بينما خسرت يوكوس المعركة مع الكرملين ظهرت «غازبروم» كالرابح الرئيسي. وغازبروم هي شركة الغاز الطبيعي الرئيسية المحتكرة لقطاع الغاز في روسيا. ويسعى الكرملين إلى تحويل غازبروم إلى لاعب محوري في مجال الطاقة العالمي ومنتج احتكاري ذو حجم يضاهي إكسون-موبيل وأرامكو السعودية. ولمن مع ذلك، تواجه «غازبروم» عقبات كبيرة تمنعها من تحقيق هذه الطموحات حيث انها كبيرة الحجم وبيروقراطية ضخمة ذات تكلفة عالية وتعاني من عجز في التقنية الحديثة ولا تعتبر في شكلها الحالي قادرة على أن تلعب دور الشركة الرئيسية المسيطرة في قطاع النفط والغاز. ويشك خبراء الطاقة في مقدرة غازبروم أن تنجز المهمة الصعبة في تنمية قطاع الطاقة. وتسيطر غازبروم على 20% من احتياطات العالم للغاز الطبيعي ولكنها تحتاج إلى مليارات الدولارات من الاستثمارات الخارجية لتمويل عمليات الاكتشاف والتطوير وتحويل الغاز الطبيعي إلى غاز مسال. وستحتاج إلى تمويل إضافي ضخم لتتمكن من ضم روزنفط الذي خطط له من زمن بعيد ولا يزال تحت الدراسة. ومن الجدير بالذكر أن روزنفط هي الشركة التي سيطرت على يوغانسك من شركة يوكوس في عملية البيع القسري في ديسمبر (كانون الاول) عام 2004. وشهدت السنوات الأخيرة تقلصا في عدد الشركات العاملة في قطاعات النفط الروسي وبلغ عدد الشركات العاملة في قطاع النفط في روسيا قبل عام أكثر من 8 شركات مستقلة وتقلص هذا العدد الآن إلى 3 شركات رئيسية وهي: «بي بي ـ تي إن كي» (تآلف بين الشركة البريطانية بريتيش بتروليوم والروسية تي إن كي). وشركة لوك أويل وهي ثاني شركة نفطية في روسيا وشركة سيب ـ نفط التي كانت مرشحة سابقا للاندماج مع يوكوس.

وتعتقد شركات النفط الغربية أن سياسة الطاقة الروسية الحالية ستؤدي إلى تحويل قطاع طاقة ديناميكي إلى قطاع حكومي بيروقراطي موجّه. وقال أحد العاملين في شركة بريطانية لها نشاطات مشتركة مع شركات روسية وطلب عدم الإفصاح عن اسمه واسم شركته لـ«الشرق الأوسط» أن بوتين يتدخل كثيرا في شؤون شركات الطاقة، ويخلق جوا من القلق في صفوف المستثمرين».

وعندما انتخب بوتين عام 2000 حاول إدخال تغييرات كبيرة في شركة غازبروم وبدأ بتعيين صديق له يدعى أليكسي ميلور كرئيس تنفيذي للشركة. وأعلن أليكسي ميلور أنه سيعالج مواضيع الفساد وتشجيع الاستثمارات الاجنبية. وكان هناك مخططات لدمج غازبروم مع روز نفط والسيطرة على يوغانسك للنفط والغاز الذراع الانتاجي ليوكوس مما سيخلق عملاقا للطاقة يسيطر على أكثر من 15% من انتاج الروسي للنفط. ولكن تطورات أخرى أعاقت تنفيذ المخطط. حيث استولت روز نفط على يوغانسك للنفط والغاز من شركة يوكوس في عملية البيع بالمزاد العلني في ديسمبر(كانون الاول) عام 2004 .

ولو نجحت عملية دمج غازبروم وروزنفط بما في ذلك موجودات يوكوس ستبلغ موجودات غازبروم 60 مليار دولار وديون بقيمة 14 مليار دولار. ويوجد في جعبة غازبروم عددا من المشاريع التي تحتاج إلى تمويل إضافي. وتشمل هذه المشاريع تطوير 4 حقول للغاز في مناطق يامال وشتوكمان وكفتيكا وسخالين وكل منها سيحتاج إلى 25 مليار دولار حسب تقديرات خبراء غربيين ودراسات أجراها معهد كارنيجي الأميركي. وهناك مشاريع لخطوط أنابيب تقدرها تكاليفها بـ30 مليار دولار. وتباينت الاراء حول مصادر التمويل لهذه المشاريع، فيعتقد الخبراء في الغرب أن القوانين الروسية التي سنها الكرملين في الاسابيع الأخيرة لا تحفّز شركات الطاقة الغربية على المجازفة بسبب التدخل الحكومي وفرض سقوف على نسبة الاستثمارات لكي تمنع الشركات الاجنبية من الحصول على حق السيطرة على شركات الطاقة الروسية. ومن جهة أخرى ترى روسيا أن الطاقة الروسية هي مصدر اقتصادي وطني هام وله أبعاد استراتيجية تتعلق بمستقبل وأمن روسيا ولا يمكن التفريط بها بسعر بخس وترك القرار بيد الشركات الأجنبية. والحل الوسط هو صفقات التعاون المشترك بين قطاعات الطاقة الروسية مع نظيراتها الهندية والصينية والتي ستجلب استثمارات طويلة الأمد وبشروط أكثر عدالة في وجهة نظر الطرف الروسي. وتستطيع روسيا استغلال أسعار النفط المرتفعة للاستثمار في قطاعات الطاقة وهذا يعني الحصول على حصص حكومية في هذه الشركات او كما يسميها البعض تأميم من الباب الخلفي. وأفادت وكالة تاس الروسية في تقرير أخير أن مناخ الاستثمار تراجع في العامين الأخيرين. وجاء في تقرير آخر من موقع طاقة إلكتروني يتخصص بأمور الطاقة «يورو أكتف» أن الرئيس بوش عبّر عن استياءه للقرار الذي أعلن عنه وزير الطاقة الروسي أيوري ترونيف في العاشر من هذا الشهر «أن الترخيص للشركات الاجنبية لاستغلال قطاعات الغاز والنفط سيمنح باشتراط أن الشريك الروسي يسيطر على 51% من رأس المال كأدنى حد».

وفي تطور آخر رفضت محكمة فيدارالية في هيوستون تكساس الاميركية القضية التي رفعتها يوكوس لطلب الحماية من الافلاس وذلك لضآءلة حجم وجودها التجاري والاستثماري في الولايات المتحدة. وقال القاضي إن معظم نشاط الشركة المالي والتجاري والعملي يتركز في روسيا، فالقضية من اختصاص القضاء الروسي. وتكمن أهمية قرار المحكمة الأميركي في إزالة العائق القانوني الذي منع دمج غازبروم وروزنفط ولو على أساس مؤقت، حيث أن يوكوس لا تزال تهدد باتخاذ اجراءات قانونية ضد الحكومة الروسية.