مخاوف أميركية من ركود اقتصادي ناتج عن أسعار نفط قياسية ودولار هزيل

دولار ضعيف وسعر نفط قوي خطران على نمو الاقتصاد العالمي

TT

يقدر البنك الدولي أن ارتفاع أسعار النفط بعشرة دولارات للبرميل لمدة 6 شهور يؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي ويسبب انخفاضا يعادل 0.5% من نسبة النمو العالمي. وهذه نسبة كبيرة لاقتصادات الدول الفقيرة التي تعاني من ركود اقتصادي أو نمو اقتصادي لا يتجاوز 1 أو 2% وتمثل ربع النمو الاقتصادي في اليابان واوروبا وأكثر من عشر النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. وتتركز المخاوف في الولايات المتحدة حول نمو معدل التضخم المالي وتقليص ربحية الشركات وانخفاض أسواق الأسهم. وهذه مجموعة تعتبر عناصر هامة لخلق ركود اقتصادي. تيري الكساندر مدير قسم الاستثمار والابحاث في مؤسسة بزنس مونيتور انترناشيونال في الحي المالي في لندن، قال في اتصال مع «الشرق الأوسط» «ان استمرار اسعار النفط المرتفعة لفترة طويلة ستجلب الضرر للاقتصاد العالمي. وما يحتاجه السوق والعالم الآن هو اليقين والاستقرار وأسعارا معتدلة للنفط».

من الجدير بالذكر أن أسعار النفط ارتفعت بشكل حاد منذ بداية عام 2004 حيث كان معدل سعر البرميل في أوائل عام 2004 يدور حول 25 دولارا وتجاوز أخيرا 56 دولارا.

وفي هذا الخصوص قال جوزيف كوينلان رئيس التحليل الاستراتيجي في » بنك أوف أميركا كابيتال منجمنت» «ستستمر اسعار النفط في التأرجح حول منتصف الخمسينات حتى يأتي الوقت الذي تتمكن فه امدادات النفط من مواكبة الطلب الآسيوي والعالمي. وسوف لا نرى انخفاضا كبيرا في المستقبل القريب».

وفي هذا الإطار تتعرض أوبك إلى ضغوط لتوسيع طاقتها الانتاجية لمنع الأسعار من الاستمرار في الصعود. واستجابت أوبك لمبادرة المملكة العربية السعودية باقتراح رفع سقف الانتاج بـ 500 ألف برميل يوميا لتهدئة الأسواق. وتخطط السعودية رفع الانتاج الى 10.5 مليون خلال شهور و 12.5 مليون برميل خلال عامين لمواكبة الطلب العالمي المتزايد من الصين والولايات المتحدة.

والنفط ليس السلعة الوحيدة التي شهدت ارتفاعا غير عادي حيث صعدت أسعار المواد الأولية الأخرى مثل الحديد حيث رفعت شركة تعدين الحديد البريطانية الاسترالية ريوتينتو أسعار الحديد الخام التي تبيعها لشركة نيبون اليابانية بنسبة 72%. وفي رأي تيري الكساندر «أن الطلب الصيني للسلع الأولية هو العنصر الرئيسي خلف ارتفاع أسعار السلع».

ولكن يفضل المحللون الاميركيون من أمثال إيرون ستيلزر مدير معهد هدسون الأميركي للدراسات الاقتصادية أن يضع كل اللوم على أوبك وأقر أخيرا في أحد مقالاته في الصنداي تايمز أن هناك عوامل أخرى تلعب دورا في خلق أزمة أسعار نفطية وذكر طلب الصين المتنامي وتناقص الانتاج الروسي النفطي الذي يعود للتدخل الحكومي في شؤون شركات الطاقة. ويمكن إضافة عناصر أخرى لهذا السيناريو الذي ساعد في تعميق أزمة الأسعار وهي مشاكل الطاقة التكريرية الاميركية التي لا تستطيع مواكبة الطلب على المشتقات المكررة مثل زيت الوقود وزيت الملاحة الجوية. ويبدو أن هناك تحالفا شيطانيا بين صناديق التحوط والمضاربين من جهة والشركات العملاقة الاميركية لا سيما إكسون، موبيل وشيفرون، تكساكو وكونوكو، فيليبس التي أهملت الاستثمار في طاقة تكريرية إضافية. وفي الوقت ذاته تستفيد هذه الشركات من الأسعار العالية لزيادة ارباحها وارباح المساهمين فيها. ولا شك أن أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تستفيد أيضا من الأسعار العالية لترقية الخدمات الصحية والاجتماعية والبنية التحتية من جهة، واسترجاع المقدرة الشرائية التي فقدتها نتيجة لضعف الدولار من جهة أخرى. وساهم ضعف الدولار في تعقيد الأزمة الناتجة عن أسعار النفط المرتفعة. ومما عزز نظرية الدولار المريض كان رد الفعل الهيستيري لتصريح أصدره مسؤول في بنك كوريا الجنوبية المركزي عندما لمّح أن كوريا قد تنوع الاستثمار في أصول غير الدولار. وهذا ينطبق فقط على التدفقات الدولارية الجديدة وليس على الأصول التي تراكمت وبلغت 200 مليار دولار في الخزينة الكورية. وتبع هذا التصريح هلعا في الاسواق حيث تسارع الدولار في الهبوط وفقدت الأسهم الأميركية 1.5% من قيمتها في يوم واحد. وازدادت المخاوف أن يرفع الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الفيدارالي) أسعار الفائدة وظهرت سيناريوهات تشير إلى تدهور أسواق العقار وفقدان الثقة في صفوف المستهلكين.

ولتدارك الأمر أصدر البنك الكوري تصريحا ينفي أي نوايا لتغيير الأرصدة بعملة أخرى أو استثمارات غير مقومة بالدولار. ونتيجة لهذا التصريح توقف الدولار عن الانخفاض وارتفعت قيمته قليلا. ويعتقد اقتصاديو جامعة كاليفورنيا أنه من الصعب تفادي ركود اقتصادي في ظل ارتفاع اسعار الفائدة وتقليص الانفاق الحكومي. وقد يحدث الركود الاقتصادي قبل أن يغادر الرئيس بوش البيت الابيض عام 2008. ولكن تيري الكساندر يعتقد أن الاقتصاد الأميركي سيشهد تباطؤا في النمو وليس ركودا. أي أنه أقل تشاؤما من محللي جامعة كاليفورنيا.

ويبدو أن الولايات المتحدة لم تنجح كثيرا في استغلال الدولار الضعيف لتنمية الصادرات وتخفيف العجز. حيث لا زال العجز يتنامى ووصل الى 60 مليار دولار شهريا وهذا يمثل 6% من إجمالى الناتج المحلي والذي يصعب تمويله بدون رفع اسعار الفائدة إلى مستويات عالية مما يؤدي إلى انكماتش اقتصادي.

ووصف محلل أسهم في شركة واتشوفيا الأميركية أن انخفاض الدولار، وارتفاع أسعار النفط خلق سيناريو مرعب صعب التنبؤ كيف سينتهي. والسيناريو المفضل لدى خبراء الاقتصاد هو انخفاض في أسعار النفط يرافقه ارتفاع في قيمة الدولار. ويشيرون إلى أن انخفاض اسعار النفط سيهديء ويطمئن السوق أن الطاقة متوفرة بأسعار معقولة، وبنفس الوقت يؤدي الى تضاؤل في أرباح الشركات المنتجة وهرب أسواق التحوط إلى قطاعات أخرى. والدولار المرتفع سيخفف حدة القلق بشأن التضخم المالي ويقلل احتمالات ارتفاع أسعار الفائدة. ولكن دراسة تفصيلية أجرتها جامعة مأرييلاند في الولايات المتحدة تفيد أن انخفاض الدولار مقابل اليورو والين لم ينجح في تقليل حجم العجز ولا يزال المستهلك الأميركي يستمر في شراء المستوردات من اليابان وألمانيا لا سيما السيارات. والاسلوب الوحيد لتجنب ركود اقتصادي هو تعزيز الصادرات بدرجة دراماتيكية واستغلال الدولار الضعيف لتحفيز التصدير. ومن جهة أخرى يعتقد بيتر شيف رئيس شركة باسيفك كابيتال الاميركية أن الدولار الضعيف يساهم في رفع العجز لان الدولار الضعيف يرفع فاتورة الاستيراد الذي بدوره يغذي العجز. وفي هذا السياق قال تيري الكساندر لـ «الشرق الأوسط» ان هناك علاقة تناقضية بين أسعار المواد الأولية مثل النفط وبين أسعار الفائدة المنخفضة والدولار الضعيف. وهذه العلاقة تخلق فرصا للاحتياط الاتحادي الأميركي أن يرفع الفائدة. ويتوقع تيري ألكساندر أن يرفع ألان غرينسبان رئيس مجلس الاحتياط الاتحادي الفائدة إلى 4.5% خلال عام واحد. وهذا الاجراء سوف لا يكون بدون ثمن حيث قد يؤدي الى تباطؤ نمو اقتصادي وازدياد البطالة».