خبراء: استقرار سعر صرف الدولار إزاء الجنيه المصري رهن النمو الفعلي

ساهم تدخل البنك المركزي برفع سعر الفائدة في حالة الاستقرار الحالي

TT

استقر سعر صرف الدولار عند 5.79 جنيه مصري لأكثر من خمسة أسابيع على التوالي، مما ترك انطباعا في الأسواق بأن هذا هو السعر الذي تستهدف السياسة النقدية الوصول إليه في هذه المرحلة. وقال في تصريح مباغت انه يرى أن 5.57 جنيه ـ 6 جنيهات هو السعر العادل للدولار. وجاءت الرسالة في أعقاب مخاوف سادت بين مصدرين ومتعاملين من استمرار نزول السعر إلى حد قد يقود إلى هبوط دراماتيكي، على قاعدة «كرة الثلج الجبلية». وتتساءل أوساط عديدة في مصر إن كان السعر السائد حاليا عادلا، ولماذا استقر الدولار عند هذه المنطقة؟ وإلى أية مصالح بني هذا السعر وهل يدوم استمراره وهل ثمة عناصر كامنة يمكن أن تغير الموقف فجأة؟ يقول إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي الأسبق ورئيس بنك مصر إيران إن تفعيل الإنتربنك الدولاري في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2004 جاء في وقته تماما نتيجة التحسن في النشاط السياحي بصفة أساسية.

وتقوم آلية الانتربنك على أساس أن كل بنك يعلن لحظيا أسعار شرائه وبيعه للدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري، ويلتزم كل بنك بالشراء والبيع من البنوك الأخرى بأسعاره المعلنة وبذلك اصبح كل بنك قادرا على تبليغ طلبات عملائه من النقد الأجنبي ليس فقط استنادا إلى ما لديه من أرصدة ولكن استنادا إلى ما لدى جميع البنوك، حيث بمقدوره الشراء من البنوك الأخرى في أي وقت. وبهذا يتوحد سوق الصرف ويصبح العنصر الحاكم فيه هو السعر. واختفت تماما السوق السوداء، كما تلاشت عملية المضاربة على الدولار وأصبحت المعاملات فيه معاملات حقيقية. ويضيف إسماعيل حسن: انه مع بدء تراجع سعر الدولار اضطر المضاربون والحائزون للدولار من دون حاجة حقيقية له إلى بيع ما لديهم تحسبا لمزيد من الانخفاض. فزاد العرض وقل السعر وعزز من ذلك اختفاء الطلب على الدولار للمضاربة عليه، لذلك تواصل انخفاض سعر الدولار مقابل الجنيه المصري واستقر سعره في الأسابيع الأخيرة.

ومع هذا يؤكد محافظ البنك المركزي الأسبق أن حالة الاستقرار الحالية لا تعني ثبات هذا السعر، فيمكن أن يتحرك إلى أعلى أو اسفل، لكن هذه الحركة سوف تكون بفعل قوى العرض والطلب الحقيقيين بعيدا عن تأثيرات عمليات المضاربة والدولرة.

ويشير محمد الصراف مدير فرع بنك سوسيتيه جنرال إلى انه بالإضافة إلى آلية الانتربنك، هناك عدة أسباب ساهمت في حالة الاستقرار منها تدخل البنك المركزي بقوة في رفع سعر الفائدة على الجنيه المصري، فظهرت أوعية ادخارية وشهادات ادخار فائدتها 12% ثابتة لثلاث سنوات، كما خفّض سعر الفائدة على الدولار إلى 1% فانخفض الطلب على تجميع الدولار.

كما أن هناك أسبابا فرعية تتمثل في الزيادة الملحوظة في الإنتاج المصري والخطوات التي اتخذتها الحكومة لتخفيض الجمارك والضرائب، بالإضافة إلى رواج السياحة وارتفاع عائدات قناة السويس وزيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج، جميع هذه الأسباب أدت إلى استقرار سعر الصرف ولكن إلى متى؟! ويقول محمد الصراف هذه الأسباب لها عوامل أدت إليها، لكن السؤال هل حدث ارتفاع لقيمة الجنيه المصري، وهل زادت قيمة الجنيه أم حدث انخفاض في قيمة الدولار عالميا؟ فحالة الاستقرار سببها الرئيسي تدخل الحكومة برفع سعر الفائدة على الودائع بالجنيه المصري وآلية الانتربنك، لكن هناك فجوة بين الودائع والقروض في البنوك المصرية مع ارتفاع سعر فائدة الإقراض، وهذا الوضع غير مشجع على الاقتراض الذي هو أساس العملية الاقتصادية.

من ناحية أخرى، لم يحدث انخفاض في أسعار السلع في السوق المصري رغم انخفاض سعر الصرف، ولا أحد يستطيع أن يجزم إلى متى يمكن أن تستمر حالة الاستقرار. وهناك مدرستان في هذا الاتجاه، الأولى تتنبأ بأن الدولار سيستمر في حالة الاستقرار بل وسيستمر في انخفاضه، أما المدرسة الثانية فترى أن السعر سيستقر حتى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل ثم يبدأ في الارتفاع مرة أخرى مع موسم الاستيراد.

ويقول الصراف إنني من اتباع المدرسة الثانية ما دام التدخل في استقرار سعر الصرف مفتعلا من الحكومة قابله انخفاض في سعر الدولار عالميا، وهذا من مصلحة الولايات المتحدة التي تصدر إلى الدول الأوروبية باليورو مما يزيد قيمة صادراتها. فقد حلت المجموعة الاقتصادية مشكلة أسعار الصرف بمشكلة اكبر، وهي ارتفاع تكلفة القروض بصورة اكبر من ربع الإيداع، وأصبح الإيداع تكلفة عالية على البنك والمقياس هو قدرة البنك على منح قروض وتوظيف الأموال، فهل إذا قامت الحكومة بتخفيض سعر الفائدة سيتحول الناس إلى الدولار مرة أخرى ويزيد سعر الدولار.

ويؤكد محمد الصراف انه رغم أن مسألة الاستقرار في سعر الصرف هي مسألة مؤقتة تدخلت فيها الدولة وتظافرت معها بعض الظروف، إلا أن هذا التدخل لا بد أن يستمر لفترة عام على الأقل حتى يستقر الشارع المصري ويطمئن إلى توافر الدولار، ثم تبدأ عمليات تخفيض هادئ أن الصورة ليست مستقرة تماما، فهناك أشياء كثيرة لها علاقة بالسياسة المالية ما زالت عليها علامات استفهام كبيرة، فالخطوات التي قامت بها الحكومة استهدفت تخفيض الضرائب والجمارك بحيث يزيد الإنتاج ويزيد عدد الممولين، فهل حدث نمو في قاعدة الاستثمار أو هو وشيك الحدوث يعوض هذا الفاقد من الضرائب، مع الأخذ في الاعتبار أن زيادة الاستثمارات ليست فقط ضريبة؟ فما زالت هناك عيوب في مناخ الاستثمار لم يتم علاجها، منها عيوب هيكلية لم يتم التصدي لها كعدم تنظيم لعمل اتحاد الصناعات وبطء التحرير الاقتصادي أو الخصخصة ووجود هيئات اقتصادية ضخمة مدينة للخزانة بمبالغ تفوق المائة مليار جنيه واستمرار قطاعات الإعلام المرئي والإذاعي تحت سيطرة الدولة رغم خسائرها. كذلك قطاعات الغزل والنسيج بما لها من اشتباكات خلفية مع قطاع الزراعة وأمامية مع قطاع الملابس الجاهزة، فهذه العوامل هي التي تقوم وتؤدي إلى تحسين قيمة الجنيه المصري أمام الدولار على المدى الطويل وليس بأسلوب المسكنات كما أن زيادة الإنتاج وزيادة النمو ستنعكسان على دخول الأفراد بما يزيد الاستهلاك ويوفر مناخا طبيعيا لمعرفة القيمة الحقيقية للجنيه. ويواصل هاني أن التحدي الحقيقي هو قدرتها على تحويل 9 ملايين مواطن مصري من صفوف البطالة إلى صفوف الإنتاج بكفاءة، أما خطوة التخفيض الجمركي والضريبي فرغم فاعليتها إلا أنها خطوة فقط في طريق الألف ميل.

ويرى حسين عبد الحليم المحلل الاقتصادي بإحدى شركات السمسرة أن استقرار سعر الصرف مؤشر إيجابي للغاية سواء في تأثيره على الاقتصاد أو على المستثمرين، لان رؤية المستثمر الأجنبي بجاذبية منطقة معينة وتعتمد إلى حد كبير على استقرار عملتها، وهذا الاستقرار يرجع للآليات التي اتبعها البنك المركزي وتسهيل فتح الاعتمادات، بالإضافة إلى انخفاض سعر الدولار أمام العملات الأخرى في الأسواق الخارجية وانخفاض نسبة العجز في ميزان المدفوعات بشكل كبير بل ووجود فائض كبير في الميزان التجاري.

ويؤكد حسين عبد الحليم أن إجراءات التدخل «غير المباشر» التي قامت بها السلطات المعنية لا تعد تحكما في السوق، فقد انتقلنا من طريقة التحكم المباشر إلى غير المباشر، وهذا يدخل في نطاق الفعل الاستراتيجي المسموح به للدولة، وهو موجود في أية دولة يحكمها نظام الاقتصاد الحر، فلا يوجد شيء يعني أن السوق يتحكم بشكل تام في اقتصاداته.

ويشير المحلل الاقتصادي إلى انه إذا قام البنك المركزي بتخفيض بسيط لسعر الفائدة على الودائع سيستمر الدولار في حالة الاستقرار، أما إذا لم ينخفض سعر الفائدة فيستمر الدولار في الانخفاض، فالاحتمالات لا تزال قائمة في إمكانية انخفاض سعره خلال الشهور المقبلة.

ويشير الخبير الاقتصادي وائل نوارة عضو جمعية شباب رجال الأعمال إلى أن استقرار سعر الصرف يعد مظهرا إيجابيا طالما كان الاستقرار حقيقيا ينعكس بدوره على أسعار السلع والخدمات. ويقول إن المستوى الذي وصل إليه سعر الصرف يعد جيدا سواء للمستورد أو المصدر وينعكس أيضا أثره على المستهلك المصري. فبالنسبة للمستورد أصبحت أسعار الاستيراد في الحدود المعقولة خاصة ارتفاع أسعار الخامات عالميا، لكن بالنسبة للمصدر فقد زادت أسعاره عند التصدير بنسبة لا تقل عن 10%. لكن في المدى الطويل يعد الاستقرار مفيدا لكل من المستورد والمصدر.

المشكلة كما يقول وائل نوارة هي عدم فتح باب التعاملات في سوق الصرف للأفراد العاديين وتقييدها بإثبات السفر أو الحج وغيرهما، فالمفروض كما يقول نوارة ألا يضع البنك قيودا على راغبي شراء الدولار.