العملة الخليجية الموحدة بين الطموحات والمغامرات

TT

اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي بالرياض في 19 مارس (اذار) 2005 عدة خطوات اقتصادية تعبد الطريق نحو قيام الاتحاد النقدي الخليجي والعملة الخليجية الموحدة. ومن هذه الخطوات وضع حد أدنى للدين العام لا يتجاوز 60 في المائة من الناتج الوطني لدول الخليج. كما وافق محافظو البنوك المركزية بالدول الست على تحدد مستويات اسعار الفائدة على العملات وعلى حجم الاحتياطات النقدية ونسبة العجز في الميزانيات الحكومية بالنسبة للناتج الوطني على ان يتم الالتزام بهذه الخطوات ابتداء من عام 2007 . فمن هذا المنطلق، فان قرار اصدار عملة خليجية موحدة تشترك في اصدارها ستة اقتصادات متباينة في أحجامها من حيث الناتج الوطني وعدد السكان وايرادات ومصروفات الميزانية، وكذلك التباين الكبير في الميزان التجاري وميزان المدفوعات لأمر يستحق الدراسة الدقيقة والتريث. فبالرغم من جرأة الفكرة وبراعة اهدافها الوطنية إلا انه من المهم جدا ان نتعلم ونستفيد من دروس وتجارب من سبقونا في هذا المضمار الاقتصادي الشائك، وأعني بذلك تجربة قيام العملة الاوروبية الموحدة «اليورو» ليس فقط بعد اصدارها وما حققته من أهداف وطموحات لشعوبها ولكن من المهم ايضا معرفة الخطوات التاريخية التي مرت به هذه العملة قبل إصدارها.

ان التحضير لقيام اليورو بدأ قبل اكثر من 50 عاما من الاستعدادات الهائلة من اجل بناء الصرح الاقتصادي والسياسي الضروري الذي ستتداول على العملة الموحدة. ففي 19 سبتمبر (ايلول) 1946 بعد الحرب العالمية الثانية، نادى ونستن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا آنذاك بقيام اتحاد اوروبي على غرار الولايات المتحدة يسمى الولايات المتحدة الاوروبية. وفي 16 ابريل (نيسان) 1948 وعلى إثر التمويل الاميركي لإعادة بناء اوروبا بواسطة خطة مارشال أنشئت منظمة التعاون الاقتصادي الاوروبي لتنظيم وادارة نحو13 مليار دولار للإنفاق على المشاريع الاوروبية. عقب ذلك العديد من المفاوضات والاجتماعات، تمخضت عنها بعض المعاهدات; اهمها معاهدة باريس في 18 ابريل 1951 لإقامة الاتحاد الاوروبي للفحم والحديد بمشاركة بلجيكا وفرنسا والمانيا وايطاليا ولكسمبورغ وهولندا ومن نتائجها إلغاء التعرفة الجمركية وبعض القيود التجارية بينها عام 1953. وفي روما وقعت معاهدة إنشاء المجموعة الاوروبية (الاتحاد الاوروبي حاليا) ومعاهدة الاتحاد الاوروبي للطاقة النووية اللتان دخلتا حيز التنفيذ في اول يناير (كانون الثاني)1958 . واستمرت اللقاءات الاقتصادية والسياسية بين الدول الاوروبية بين شد وجذب حتى تمخضت عن قيام معاهدة ماستريخت عن الاتحاد الاوروبي بمباركة 15 دولة اوروبية غربية دخلت حيز التنفيذ في اول نوفمبر (تشرين الثاني) 1993 وكانت هذه المعاهدة التاريخية اللبنة الرئيسة لقيام العملة الاوروبية الموحدة التي وافقت 11 دولة على تبنيها بينما تحفظت بريطانيا والدنمارك والسويد واليونان للانضمام لمنطقة اليورو إلا ان اليونان انضمت عام 2001. وقد أخذ طرح اليورو في الأسواق ثلاث مراحل; الاولى في اول يوليو (تموز) 1990 وتهدف الى تحقيق حرية كاملة لانتقال رؤوس الأموال والاستثمارات عبر دول الاتحاد وتحقيق تعاون في السياسات النقدية والمالية. المرحلة الثانية بدأت اول يناير 1994 بانشاء معهد النقد الاوروبي. اما المرحلة الثالثة فبدأت في اول يناير 1999 حيث بدأ العمل من الناحية المحاسبية باليورو وفي اول يناير 2002 بدا تداول اليورو بالاسواق الاوروبية. فعلى ضوء هذه الخطوات الاقتصادية التاريخية الهامة يمكن ان ندرك ان توحيد عدة عملات لاقتصادات متباينة الإمكانات لا يحتاج فقط الى وقت لانجازه بل يحتاج الى تخطيط عميق ومعرفة علمية واسعة بالمراحل الاقتصادية التي يجب ان يتم من خلالها بناء القاعدة السياسية الاقتصادية الصلبة التي سوف تقوم عليها العملة الموحدة. فتوحيد العملة يعني ضم السياسات النقدية الست في سياسة نقدية موحدة تحمل على عاتقها مسؤولية زيادة الناتج الوطني لهذه الدول الى اقصى مستوى وخفض معدلي البطالة والتضخم من اجل رفع المستوى المعيشي لمواطني مجلس التعاون. هناك اسئلة هامة يجب طرحها للنقاش وهي هل توحيد العملة يقوي اقتصادات دول الخليج او يعود عليها بالخسارة؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومن سيكون أكثر انتفاعا بالعملة الموحدة؟ ومن سيكون اكثر تضررا بها؟ أين سيكون البنك المركزي الموحد ومن سيديره؟ من المسؤول الأول والأخير عن نجاح او فشل السياسة النقدية الموحدة؟ وهل التكامل الاقتصادي بين دول الخليج يحتاج الى قيام عملة اقتصادية موحدة؟ وهل سترتبط العملة الخليجية الموحدة بالدولار او بسلة من العملات؟ وما هو حجم السيولة المتوقعة لهذه العملة، والتي من شأنه تقوية أركانها؟ وهل يمكن للدول الست الالتزام الكامل بحد أعلى للدين العام لا يزيد عن 60 في المائة وبعجز في الميزانية لا يزيد على 3 في المائة؟ وما مصير هذه العملة اذا انخفضت اسعار البترول الى ادنى حد؟ وحري بنا ايضا ان نتساءل هنا عما اذا انفصلت إحدى دول الخليج الست فجأة عن العملة الخليجية الموحدة، كما حدث أخيرا خلال الاتفاقات الثنائية لبعض دول مجلس التعاون مع الولايات المتحدة؟ وأخيرا وليس آخرا لماذا رفضت بريطانيا والدنمارك والسويد الانضمام الى اليورو؟ اسئلة يجب ان يواجهها محافظو البنوك المركزية بدول مجلس التعاون خلال اجتماعاتهم قبل إصدار العملة الخليجية الموحدة.

* رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية والإدارية