السودان يجذب شركات النفط العالمية رغم العنف وأزمة دارفور

في ظل تضارب في المصالح بين الحكومة والحركة الشعبية

TT

تتهافت شركات النفط العالمية للحصول على عقود لتطوير صناعة السودان النفطية، متجاهلة الضغوط الأميركية ومشاكل دارفور. ويبدو أن النزاع القائم بين توتال الفرنسية وشركة النيل الأبيض البريطانية حول حقوق التنقيب في «مربع بي» في جنوب السودان، قد جلب اهتمام العالم لثروات المنطقة. وتسعى الشركات الأوروبية والصينية للعثور على مصادر طاقة جديدة. والصين تمتلك موجودات كبيرة في السودان من خلال شركة الصين النفطية الوطنية. وتعمل في السودان الآن شركات من جنسيات مختلفة، لا سيما الهند والصين وماليزيا، ولكن الشركات الأميركية لا تستطيع العمل في السودان بسبب العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الحكومة الأميركية على السودان لأسباب سياسية. ومن الشركات العاملة في السودان سيمنز الألمانية، وتاف نفط الروسية ولندين بتروليوم السويدية، إضافة إلى توتال ايلف الفرنسية وبترو تشاينا الصينية.

وفي تطور جديد نجحت شركة بتروناس الماليزية في الحصول على عقد قيمته 1.2 مليار دولار لتطوير وبناء مصفاة بورتسودان وبسعة 100 ألف برميل يوميا. وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع المهندس يحيى أبو العلاء، ممثل الشركة السودانية سوماسو النفطية ومدير مكتب مجموعة اسيندكو في لندن، قال: «كان من المقرر أن يتم منح العقد لشركة فوستر ويلر التي تمتلك خبرة طويلة في هذا المجال، ولكن انسحاب شركة فوستر ويلر الأميركية من السودان لأسباب سياسية، أفسح المجال لبتروناس الماليزية في الحصول على هذا العقد المهم لتطوير الطاقة التكريرية السودانية». ويعتقد أبو العلاء أنه «في حال عودة الأمن والاستقرار الى السودان وحل النزاعات القائمة مع الجنوب وتهدئة الوضع في دارفور، سوف نرى نشاطا متزايدا في قطاعات النفط».

وأعلن وزير الطاقة والتعدين السوداني، عوض أحمد الجاز، عن اكتشاف حقل نفطي كبير في دارفور. ولم يستغرب الخبراء هذا التصريح لأنه من المعروف أن منطقة دارفور غنية بالموارد الطبيعية من نفط وذهب وحديد وفضة لم يتم استغلالها بسبب الوضع الأمني المتدهور.

وأشارت دراسات مبدئية إلى وجود كميات وافرة من النفط، حسب تصريحات الناطق الرسمي باسم وزارة الطاقة، محمد صديق. وتم اتخاذ القرار بالمباشرة في أعمال التنقيب بناء على نتائج دراسات مسح جيولوجي. وقال الناطق إن كونسورتيوم يتألف من عدة شركات يدعى «آبكو»، تمتلك شركة كليفدين السويسرية 37 في المائة منه، حصل على امتياز لتشغيل الحقل النفطي. والعمل لا يزال جاريا على أول بئر اكتشفت في دارفور جنوب غرب مدينة الفاشر.

وكان توقيع اتفاقية السلام مع الجنوب أمرا مهما، حيث ازداد الاهتمام بالسودان كمنطقة واعدة.

ومن الجدير بالذكر أن السودان بدأ بتصدير النفط عام 1998، ويصدر الآن 300 ألف برميل يوميا. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 500 ألف برميل يوميا في أغسطس (آب) هذا العام.

وفي السياق ذاته تقول الحركة الشعبية لتحرير السودان انها تجري محادثات مع عدد من شركات النفط من بينها شركات غربية كبرى بشأن تطوير حقول نفط ضخمة في الأراضي التي تسيطر عليها.

وقال كوستيلو قرنق، مسؤول التعاون الدولي في حركة التمرد سابقا في جنوب السودان، ان حقوق التنقيب في عدة مناطق في الجنوب منحت لما تسميه الحركة الشعبية شركة نفط وطنية هي شركة النيل للبترول التي ربما تمنح عقود النفط الآن. وقال قرنق لرويترز في مقابلة اخيرا «تتحدث (الشركة) مع عدة شركات. نحن الطفل المدلل لقطاع النفط حاليا». وينص اتفاق السلام الشامل الموقع بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية في يناير (كانون الثاني) بعد أكثر من عشرين عاما من الحرب الاهلية، على ان تدير الحركة المتمردة سابقا جنوب السودان. ووقعت الحركة الشعبية بالفعل صفقة مع شركة تنقيب بريطانية صغيرة هي «وايت نايل» او النيل الابيض، للتنقيب في منطقة سبق ان منحت الخرطوم امتيازها لشركة توتال الفرنسية العملاقة.

وتقول الحكومة السودانية انه لا يحق للحركة الشعبية منح عقود نفط. وينص اتفاق السلام على ان تتفاوض لجنة البترول الوطنية الجديدة على عقود النفط وان يحصل الشمال على نصيب في عائدات آبار النفط في الجنوب. وقال قرنق ان شركة النيل للبترول ستتفاوض بشكل مستقل عن الخرطوم حتى يتم تشكيل اللجنة في وقت لاحق من العام والتي تهدف لمنح الجنوب دورا مباشرا في كيفية منح عقود النفط.

وتابع «سنبرم عقودا ما دامت اللجنة لم تتشكل». ورغم الشكوك بشأن شرعية عقد وايت نايل، فإن اي صفقة توقعها الخرطوم ستصبح محل شك ايضا اذا انفصل الجنوب عن السودان. وينص اتفاق السلام على حق الجنوب في اجراء استفتاء بشأن الانفصال بعد ست سنوات.

وفي الآونة الأخيرة ارسلت الحركة الشعبية وفدا الى الصين غير أن قرنق رفض الإفصاح عما اذا كان اجرى مباحثات مع بشركات نفط صينية واكتفى بالتلميح الى ان موضوع النفط أثير. وقال وهو يبتسم «سنناقش النفط مع كل من يريد بحثه معنا». وقال قرنق ان وفدا سيزور الهند قريبا. وتبحث شركات النفط الوطنية في الصين والهند في ارجاء المعمورة عن إمدادات نفط لتغذية اقتصادهما المزدهر.

وحالت الحرب الأهلية التي ادت لمقتل مليوني نسمة واضطرت أربعة ملايين آخرين الى الفرار من ديارهم دون تقييم حقول النفط. غير ان محللين يقدرون ان هناك مئات الملايين من البراميل في احتياطيات قابلة للاستخراج في الجنوب. وقال قرنق انه توجد ايضا احتياطيات كبيرة من الذهب واليورانيوم وخام الحديد والأحجار الكريمة.

ويقدر اندرو غروفز، مدير التنمية في وايت نايل، ان منطقة شركته بها خمسة مليارات برميل من النفط، وان الاحتياطي القابل للاستخراج يزيد على مليار برميل. وتوقع غروفز ان يصل انتاج المنطقة مع بدء تشغيلها ما بين 150 ألف برميل و200 ألف يوميا تدر مائة مليون دولار سنويا. وتتوقع وايت نايل إنفاق 30 مليون دولار حتى يبدأ الإنتاج من المنطقة.