روسيا تحاول استرجاع مصداقيتها في مجال الاستثمارات

في ظل مخاوف من الشركات العالمية

TT

تحاول حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استرجاع مصداقيتها في مجال الاستثمارات والأعمال، بعد ان تعرضت لانتقادات شديدة بسبب الطريقة التي تعاملت فيها مع قضية شركة يوكوس العملاقة بعد ان قامت بتفكيكها «عنوة» عندما باعت يوغانسك للنفط والغاز بأقل من قيمتها الحقيقية لاسباب ضرائبية في كانون الاول (ديسمبر) عام 2004. وقد ادت عملية بيع يوغانسك وهي الذراع المنتج للغاز والنفط التابع ليوكوس، الى خلق اجواء من الذعر في صفوف شركات الطاقة العالمية العاملة في روسيا. وينتظر العالم قرار المحكمة الروسية لرئيس يوكوس السابق ميخائيل خودوركوفسكي بالإدانة أو التبرئة خلال أيام قليلة.

وفي إطار الضرائب واجهت أيضا شركة بريتيش بيتروليوم «بي بي» البريطانية العملاقة وشريكتها الروسية «تي إن كي»، طلبا بدفع ضرائب سابقة مستحقة تبلغ مليار دولار. وتقاوم «بي بي» وشريكتها «تي إن كي» هذا الطلب، ومن المتوقع ان تتحداه قانونيا. وفي اتصال مع «الشرق الأوسط» قال روني تشابل الناطق الصحافي باسم شركة بريتيش بيتروليوم «إننا نرفض هذا الطلب.. ورئيس الشركة يزور موسكو حاليا لبحث هذا الامر مع الرئيس الروسي بوتين».

وقد قابل اللورد براون المدير التنفيذي لـ«بي بي» موسكو أخيرا، الرئيس بوتين وطلب إيضاحات بهذا الشأن. وبدوره أعاد الرئيس فلاديمير بوتين طمأنة اللورد براون بأنه وحكومته يؤيدان المشاركة الروسية البريطانية في قطاعات الطاقة وأنه شخصيا، اي الرئيس بوتين، يدعم المشاركة بين «بي بي» البريطانية و«تي إن كي» الروسية. وتأمل شركة «بي بي» في أن هذا الدعم سيخفف حدة الأزمة المتعلقة بموضوع الضرائب، التي تطالب بها الحكومة الروسية والبالغة مليار دولار. وحصل اللورد براون على تعاطف شفهي إزاء القوانين الروسية المقترحة، التي تهدف إلى منع الشركات الاجنبية من الاستيلاء على أكثر من 49 بالمائة من الشركات الروسية. ومن الجدير بالذكر أن اللورد براون زار روسيا عام 2003 واجتمع مع الرئيس بوتين، ووقّع صفقات تعاون واستثمارات في روسيا بلغت قيمتها 7 مليارات دولار. ويصر المسؤولون الروس على أن القرار بوضع حد أقصى للاستثمارات الاجنبية هو أمر حيوي لحماية الأمن الوطني ولتمكين الشركات الوطنية من تطوير الموارد الاقتصادية المهمة. وسيتم استثناء الاجانب من عدد محدود من الحقول النفطية من أصل أكثر من 200 حقل. ولكن المراقبين يعتقدون بأن الحقول المستثنية هي الأكثر جاذبية للشركات العالمية.

وفي الإطار ذاته أثارت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس مخاوف مشابهة تجاه رغبة روسيا في تقليل حجم الاستثمارات الاجنبية في قطاع الطاقة الروسي. وقالت للصحافيين، الاسبوع الماضي بعد انتهاء زيارتها لروسيا، «إنها طلبت من الروس أن لا يسنوا قوانين وقواعد تضر بالشركات الأجنبية، لا سيما الأميركية التي ترغب في الاستثمار في روسيا». وقبل ذلك بأيام حذّر السفير الأميركي في موسكو أليكساندر فيرشبو من التدخل الحكومي المفرط في شؤون الشركات العامة في قطاعات النفط والغاز، لأن ذلك سيؤدي إلى هروب المستثمرين، وحثّ الحكومة الروسية على خلق مناخ ملائم لجذب الاستثمارات الاميركية.ياأياأأ وهناك استياء كبير في صفوف الشركات بخصوص ضعف قوانين حماية الملكية الفكرية، وازدادت هذه المخاوف على ضوء مشاكل شركة يوكوس التي أدّت إلى زعزعة الثقة في صفوف المستثمرين. ولا تقتصر الاستثمارات في روسيا على قطاع الطاقة، وتوجد الآن فرص ضخمة في قطاعات الاستهلاك لمعدات الترفيه الصوتية والمرئية والأجهزة المعمّرة، مثل الثلاجات. وأعلنت شركة ديكسون البريطانية أنها تدرس تقديم عرض لامتلاك شركة «إيلدورادو» وهي أكبر شركة بيع بالمفرق في روسيا. ويعتبر بعض المحللين البريطانيين أن دخول ديكسون في مجال السلع الاستهلاكية والالكترونية، ربما يمثل «غزوا تجاريا» نادرا من نوعه، حيث اقتصرت الاستثمارات البريطانية على قطاعات النفط والغاز والبنوك، ولم تدخل الشركات البريطانية القطاع الاستهلاكي بعد، كما فعلت بعض الشركات الفرنسية والايطالية والاسكندنافية. وتحاول ديكسون اقتحام المدن الكبرى، حيث الطلب على الإلكترونيات الاستهلاكية يشهد نموا كبيرا، لا سيما في قطاعات التصوير الرقمية والآي بود، الذي بواسطته يمكن تسجيل الموسيقى من مواقع الإنترنت. وسيقتحم ديكسون المناطق الريفية، حيث توجد أعداد كبيرة من المستهلكين ترغب في شراء أجهزة أساسية، مثل الثلاجات والغسالات وأجهزة التلفزة. وحسب تقرير نشرته شركة الأعمال الروسية (روس بزنس كونسالتنغ) اوائل هذا الشهر، بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في روسيا 3.2 مليار دولار عام 2004، وهذا يمثل زيادة 64.2 بالمائة فوق استثمارات عام 2003. وبلغت الاستثمارات في القطاع البنكي 3.55 مليار دولار وهذا يمثل زيادة 67.6 بالمائة لعام 2004 فوق معدلات عام 2003. وبلغت قيمة الموجودات الأجنبية في البنوك الروسية 25.98 مليار دولار، وهذا يمثل قفزة بنسبة 20.9 بالمائة لعام 2004، فوق معدلات عام 2003 . وفي سياق آخر تتوقع وزارة التنمية الاقتصادية والتجارة الروسية زيادة في الاستثمارات الاجنبية المباشرة في روسيا في العامين المقبلين. وتأمل وزارة التنمية الاقتصادية والتجارة الروسية في أن يساهم التحاق روسيا بمنظمة التجارة العالمية بتشجيع المستثمرين في اتخاذ مبادرات ترفع حجم الاستثمارات في روسيا.

والقطاع الآخر الذي لم يلق اهتماما كافيا من قبل الشركات الأجنبية هو القطاع السياحي. وقال حاكم منطقة كراسنودار في شرق روسيا في لقاءات صحافية أخيرا «ان العالم يعرف موسكو ولكن هناك عالما آخر يحتاج للاكتشاف والزيارة. لا تستطيع أن تحكم على الولايات المتحدة بزيارة نيويورك فقط». وتقع كراسنودار بين بحر قزوين والبحر الأسود، ويمر فيها نهر الفولغا، وتعتبر من أهم المواقع السياحية في روسيا التي اجتذبت 6 ملايين سائحا عام 2004. وإضافة الى السياح اجتذبت المنطقة استثمارات من شركات عالمية مثل نيستله السويسرية وفيليب ـ موريس وكوكا كولا الاميركية، وبلغ عدد الشركات التي فتحت فروعا ومحلات تجارية أكثر من 500، في حين وصلت قيمة الاستثمارات عام 2003 الى أكثر من 250 مليون دولار في الاقليم.