الحكومة المصرية تراهن على خفض الضريبة وتبسيط الإجراءات لتنشيط حركة العمران

TT

أثار النص الخاص بإلغاء الإعفاءات الممنوحة للمستثمرين في المدن المصرية الجديدة في قانون الضرائب الجديد الذي يناقشه حاليا البرلمان المصري تمهيدا لإقراره خلال أيام مخاوف عدد كبير من خبراء الاقتصاد والمستثمرين من تراجع حركة العمران في هذه المدن، خاصة أن الفلسفة الأساسية التي قامت عليها هذه المدن اعتمدت على إقامة مجمعات صناعية تتيح فرص عمل جديدة لآلاف الخريجين مع توطين العاملين في هذه المجمعات بالمدن المقامة فيها للتخفيف من حدة الكثافة السكانية داخل القاهرة.

وفي الوقت نفسه يعد القرار الذي أصدره الرئيس حسني مبارك منذ أيام بخفض أسعار تملك الوحدات السكنية في المدن الجديدة بنسبة تصل إلى 15 بالمائة حافزاً إضافياً لإمكانية استمرار عمليات العمران والتشييد في هذه المدن، وخاصة القريبة من القاهرة في ظل الزحام المتزايد وارتفاع أسعار العقارات بها بشكل متسارع، كما يعد بديلاً عن إلغاء الإعفاءات الضريبية للمشروعات الصناعية والتجارية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل السماح للأجانب بتملك وحدات في هذه المدن وخفض أسعار الأراضي، وكذلك خفض الجمارك على معدات البناء والحديد والإسمنت.

أصحاب المخاوف من خبراء الاقتصاد ومن بينهم الدكتور علي لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق قالوا إن هذه المدن ما زالت في مراحل النمو، وإن معدل الإسكان فيها مازال منخفضا نتيجة لعدد من المشاكل المتعلقة بالنقل والمواصلات ونقص الخدمات الأخرى، وهو ما يستدعي استمرار تقديم الحوافز للمستثمرين سواء في قطاع الإسكان والعقارات أو القطاع الصناعي من أجل تشجيعهم على الاتجاه لهذه المدن والاستثمار فيها ورفع معدل التنمية داخلها. ويتفق الدكتور حمدي عبد العظيم عميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية مع الرأي نفسه، مؤكدا أن إلغاء الإعفاءات الممنوحة للمستثمرين في المدن الجديدة أو لأصحاب المنشآت الصغيرة يعد أهم الثغرات الواضحة في قانون الضرائب الجديد، مشيرا إلى أن هذا الإلغاء يتعارض مع دعوة الحكومة لرؤوس الأموال المحلية أو الأجنبية للاستثمار في المدن الجديدة، بالإضافة إلى أنه يتعارض مع رغبتها في تنمية منطقة الصعيد وجذب الاستثمارات إليها، وأن المناطق الصناعية الجديدة التي أقيمت في محافظات الصعيد سيصعب تشجيع المستثمرين لإقامة مصانع فيها إن لم يكن هناك حافز ضريبي يساعد على ذلك.

أما رئيس اتحاد الصناعات المصرية جلال الزوربا فعبر عن وجهة نظر المستثمرين في قانون الضرائب الجديد، قائلا إن هناك عددا من النصوص التي جاءت في القانون الجديد يتعارض مع احتياجات المرحلة الحالية والتي تنادي فيها الحكومة المصرية بزيادة الاستثمارات لمواجهة مشكلة البطالة التي تتزايد معدلاتها سنويا.

وأوضح أن أهم هذه النصوص هو إلغاء الإعفاءات المخصصة للشركات التي يتم تأسيسها في المدن الجديدة أو المناطق الصناعية النائية وهو ما يفقد المشروعات التي تقام في هذه المدن أهم مزاياها وقد يؤدي هذا إلى هجرة المستثمرين لها وبالتالي تراجع معدل الإسكان والتعمير فيها.

كما أكد نبيل فريد حسانين رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية وصاحب إحدى الشركات المقامة بمدينة العاشر من رمضان أن الإعفاء الضريبي الذي منحته الحكومة للمستثمرين في المدن الجديدة كان أحد أهم العوامل التي ساهمت في تعمير هذه المدن واتجاه المستثمرين إليها وبناء قلاع صناعية استوعبت الآلاف من فرص العمل، وأن إلغاء هذا الإعفاء في الوقت الحالي سيحد من حركة الاستثمار فيها بل وقد يؤدي إلى هجرة المستثمرين الحاليين منها.

على الجانب الآخر أكدت الحكومة المصرية أن تجارب العديد من الدول ومن بينها مصر قد أثبتت عدم فاعلية الإعفاءات الضريبية كعامل مؤثر على جذب الاستثمارات وأن هذه الإعفاءات أدت إلى تشوهات مختلفة في النظام الضريبي المصري، وأن هناك وسائل أخرى لجذب الاستثمارات الجديدة بعيداً عن الإعفاءات الضريبية.

واوضح المستشار محمد الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة السابق والمستشار القانوني لوزير المالية أن النص الخاص بإلغاء الإعفاءات الضريبية للمشروعات التي تقام في المدن الجديدة لن يطبق بأثر رجعي، وأن الشركات التي أقيمت قبل صدور هذا القانون ستظل متمتعة بالإعفاءات التي حصلت عليها وإنما سيطبق القانون على الشركات الجديدة التي ستنشأ بعد صدور القانون.

وأكد أن القراءة المتأنية لنصوص هذا القانون توضح أنه خطوة هامة لإصلاح المناخ الاستثماري وليس العكس، وأن النص الخاص بإلغاء إعفاءات المستثمرين في المدن الجديدة تم تعويضه بالعديد من النصوص الأكثر إيجابية والأكثر إفادة للمستثمرين من مجرد الإعفاء الضريبي، ومن بينها تخفيض سعر الضريبة من 42 في المائة إلى 20 في المائة كحد أقصى من الأرباح سنويا وتبسيط الإجراءات الضريبية للممولين، واعادة الثقة المفقودة بين الممول ومصلحة الضرائب من خلال قبول اقرار الممول من دون تغيير والتصالح الضريبي مع المتهربين واستبدال فلسفة النظام الضريبي الحالي من الجباية الى اعتبار الضريبة احدى الادوات الاقتصادية لتهيئة المناخ الاستثماري امام المستثمرين واصحاب رؤوس الأموال وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي.

واضاف ان القانون الجديد منح المستثمرين سواء في المدن الجديدة أو في الأماكن الاخرى مزايا اخرى تتمثل في اعفاء 55 في المائة من قيمة المعدات والآلات الجديدة منها 30 بالمائة للضريبة و25 في المائة قيمة اهلاك، بالاضافة الى ان القانون انطلق من كون الارباح والخسائر للشركات تحدد على أساس معايير المحاسبة المصرية ووفقا لذلك يتم خصم كافة التكاليف والمصروفات المرتبطة بنشاط المنشأة واللازمة لمزاولة النشاط، كما سمح القانون الجديد بترحيل الخسائر لمدة 5 سنوات متتالية وخصم الديون المعدومة بشرط أن يكون هذا الدين مرتبطا بالمنشأة.

واشار الى ان القانون الجديد ابقى على بعض الاعفاءات الواردة في القانون القديم والتي تهدف الى تشجيع بعض الانشطة الاقتصادية والبحث العلمي ومنها اعفاء ارباح منشآت استصلاح واستزراع الاراضي لمدة 10 سنوات تبدأ من تاريخ مزاولة النشاط والمساحات المزروعة في الاراضي الصحراوية ومشروعات الانتاج الداجني وحظائر المواشي وتسمينها ومشروعات مزارع ومصايد الاسماك والمعاهد التعليمية.

وأكد أن هناك العديد من الاساليب الاخرى لتشجيع الاستثمار وجذب رؤوس الأموال في المدن الجديدة كبديل عن إلغاء الاعفاء الضريبي ومن بين هذه الاساليب بيع الاراضي باسعار مخفضة أو رمزية للمستثمرين أو منح المستثمرين في المدن الجديدة قروضا بسعر فائدة مخفضة يضاف الى ذلك حل المشاكل المتعلقة بالحصول على تراخيص إنشاء الشركات والتأخير في الفصل بين المنازعات التجارية واحترام أحكام القضاء.

من جانبه يؤكد الدكتور محمد ابراهيم سليمان وزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة ان المدن الجديدة حققت الهدف منها وبدأت تستكمل كافة اركانها وانه لا مخاوف من تراجع الاستثمارات في هذه المدن نتيجة لإلغاء الإعفاء الضريبي عن الشركات الجديدة التي ستقام فيها.