سكرتير عام أوبك: ليس من مصلحتنا استمرار ارتفاع أسعار النفط

عدنان شهاب الدين لـ«الشرق الاوسط»: على الدول العربية تنويع منتجاتها المستديمة حتى لا تقع في مشكلة اقتصادية

TT

حذر الدكتور عدنان شهاب الدين سكرتير عام أوبك بالوكالة ومدير الأبحاث بأوبك في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» الدول العربية من اعتمادها الكلي على منتج واحد فقط يتمثل في النفط أو الغاز أو خلافه، حتى لا تقع هذه الدول في نفس المشكلة التي تعرضت لها في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ونصح بحتمية تنويع المنتجات المستديمة حتى تستطيع الدول العربية أن تعتمد عليها في اقتصاداتها المستقبلية.

وقال شهاب إن لم يكن هناك حل جذري للعجز المالي الاميركي، فان من الممكن أن يستمر الدولار في الضعف، وقد يؤدي هذا إلى هزة في الاقتصاد العالمي، ولكن ليس في المستقبل القريب ربما بعد سنوات. وقد شارك عدنان، وهو كويتي الجنسية وعمل سفيرا لليونسيكو قبل ذلك في القاهرة لمدة 7 سنوات، في مؤتمر اقتصادي عقد أخيرا في اليونان ممثلا عن منظمة أوبك، حيث التقت به «الشرق الاوسط»في أثينا وكان معه هذا الحوار:

* ما هي نصيحتك في ظل ارتفاع أسعار النفط، وما هي سياسة أوبك حيال ذلك؟

ـ لا داعي للقلق لأن في عام 2004 كانت هناك إمدادات كافية مع ارتفاع الأسعار، ومع النمو الاقتصادي كانت هناك إمدادات أكثر من الطلب وكذلك أيضا في عام 2005، وجزء كبير لهذا يعود طبعا إلى سياسة أوبك التي رفعت إنتاجها بشكل كبير عام 2004 وبداية عام 2005، حيث أضافت حوالي 4 ملايين برميل إلى سقف الإنتاج، وأيضا أسرعت في تطوير سعتها الإنتاجية الكلية حتى تستعيد سعة إنتاجية إضافية بحدود 10 في المائة، لكي تزيل القلق والمخاوف من حدوث نقص أو شح في إمدادات النفط في المستقبل القريب.

* هل هناك مخاوف من شح النفط في الأسواق؟

ـ اوبك والمنظمات الدولية والبنك الدولي يعتقدون انه لا يوجد سبب حقيقي في الوقت الحاضر للمخاوف من حصول شح في النفط، طالما أن الدول النفطية على استعداد مثل ما أوضحت سابقا لأن تواصل استثمار سعتها الإنتاجية.

* هذا يعني أنه سيكون هناك استقرار في السوق؟

ـ نتوقع أن تستعيد الأسواق استقرارها بعض الشيء، وأن يحصل توازن أيضا ليس فقط بين الطلب والعرض، وهو حادث حاليا، ولكي يحصل نوع من التوازن في الأسعار وتقل تقلبات الأسعار التي لاحظناها خلال العامين الماضيين.

* هل تعتقد ان ارتفاع اسعار النفط لها تأثير سلبي على النمو الاقتصادي العالمي؟

ـ إذا نظرنا إلى عاملين، أولهما أن وحدة النمو الاقتصادي حاليا تحتاج تقريبا إلى نصف ما احتاجته من النفط في السبعينات، والعامل الثاني أن أسعار برميل النفط اليوم حتى على مستوى 50 دولارا، فهي تعادل نصف المستوى القياسي الذي وصلت اليه في أوائل الثمانينات. وإذا أخذنا هذين العاملين بالإضافة إلى انخفاض أسعار صرف الدولار، نجد أن مستويات الأسعار في حدود 40 إلى 50 دولارا،لا يبدو أنها ستكون لها أي أثر ملموس على الاقتصاد العالمي، اللهم إلا بالنسبة للدول التي اقتصاداتها ضعيفة.

* وهل تعتقد اذا ان زيادة أسعار النفط من مصلحة أوبك؟

ـ لا بالطبع، مصلحتنا أن يكون هناك اعتدال في الأسعار والتي تؤمن موارد عادلة وكافية للدول النفطية حتى تعاود الاستثمار في زيادة الإنتاج، وتكون في الوقت ذاته غير مؤذية للنمو الاقتصادي العالمي، لكننا نؤكد في نفس الوقت على أن أوبك تسعى الى عدم استمرار ارتفاع اسعار النفط لفترة طويلة إلى الحد الذي قد يضر بالاقتصاد العالمي، لأن هذا ليس من مصلحة دول أوبك.

* كيف يمكن بالتالي ان تكون نوع العلاقة بين أسعار النفط والاقتصاد العالمي؟

ـ الأسعار تؤمن إمدادات كافية للأسواق وبنفس الوقت لا تضر نمو الاقتصاد العالمي بل تساعد في نمو الاقتصاد العالمي وخصوصا بالنسبة للدول النامية مثل الهند والصين والدول الآسيوية.

* ما تقيمك للمؤتمر الاقتصادي الذي شاركت فيه؟ وما أهميته؟

ـ هذا المؤتمر مهم جدا حيث يعقد في وقت حاسم وفي فترة تتعرض فيها أسعار النفط لعدم التوازن، وواضح أن هناك مشاركة قوية وإيجابية لوفود عامة تضم الخبراء والمسؤولين على مستوى العالم بما فيهم رئيس المفوضية الأوروبية ورئيس الوزراء اليوناني ووزير الاقتصاد والمالية.

* عن ماذا تطرقت في محاضرتك خلال المؤتمر؟

ـ معظم الكلمات والمحاضرات تهتم بالتطلعات حول أوضاع الاقتصاد العالمي بشكل عام وأوضاع الاقتصاد الأوروبي وبالذات اليونان وجنوب أوروبا في ضوء التطورات التي حصلت بين عامي 2004 و2005، وخصوصا أن عام 2004 شهد أكبر نمو اقتصادي عالمي منذ حوالي 30 سنه تقريبا، وهناك توقعات أن يستمر نمو الاقتصاد العالمي بقوة وأن كانت تقل عن المستوى القياسي للعام الماضي. وتحدثت في المؤتمر عن وجهة نظر أوبك في أوضاع سوق النفط سواء بالنسبة لعامي 2004 و2005 ونظرتنا المستقبلية على المدى القصير وعلى المدى البعيد.

* هل هناك قلق من وجه نظرك تجاه الاقتصاد العالمي؟

ـ طبعا هناك فيه قوى في الاقتصاد العالمي والاقتصاد الإقليمي سواء في أوروبا أو في آسيا تبعث على القلق بعض الشيء، جرى ويجري مناقشاتها، وخصوصا فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأميركية وسياستها النقدية والائتمانية، ولكن مع ذلك يبقى الجميع متفق على أن عام 2005 سيشهد نموا عالميا جيدا وخصوصا في آسيا وكذلك في أميركا.

* وماذا عن أوروبا؟

ـ أوروبا سيكون حظها أقل، لان هناك نوعا من خيبة الأمل في نمو الاقتصاد الأوروبي، ولكن بالنسبة لجنوب أوروبا والدول الأوروبية حديثة الالتحاق ـ هناك توقعات تشير إلى أن فرصها جيدة، وستظهر فرص النمو الاقتصادي الحقيقي على مدى أعوام مقبلة نظرا للسياسات الجديدة التي اتخذت في تحرير الاقتصاد وتشجيع الاستثمار وتشجيع المبادرات.

* يرى المراقبون الاقتصاديون أن أسعار النفط تؤثر على استقرار أوروبا، ما رأيك؟

ـ أسعار البترول تؤثر على الاستقرار في الاتحاد الأوروبي، ولو نظرنا إلى الـ12 دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ( المتوحدين في عملة اليورو) سوف نرى التأثير، أن لم يكن هناك عملة اليورو الموحدة، وهذا التأثير قد تتفاوت درجاته في المستقبل في ضوء النمو الاقتصادي في آسيا وفي بقية الدول النامية بالإضافة إلى الدول الصناعية.

* ماذا عن دور الطاقة في نمو الاقتصاد العالمي؟

ـ بالرغم من أنه لم يتطرق الحديث إلا بشكل هامشي على دور الطاقة في نمو الاقتصاد العالمي، إلا أنه يبدو وجود بعض القلق من أن يكون ارتفاع أسعار النفط قد يسبب بعض المشاكل لنمو الاقتصاد العالمي، الا انه هناك شبه إجماع حتى الآن في أنه لم تتسبب الزيادات في أسعار النفط في أي أثر ملموس على نمو الاقتصاد العالمي سواء في عام 2004 أو 2005 مع بعض الحذر من مزيد من ارتفاع الأسعار فوق 50 دولارا قد يكون هناك مشاكل.

* ما هو رأي منظمة أوبك في ذلك؟

ـ طبعا في تقديرنا نحن في منظمة أوبك والمؤسسات الدولية هذا يعزى إلى أنه حصل تغير هيكلي في علاقة الاقتصاد بالطاقة بشكل عام والنفط بشكل خاص، واستهلاك النفط بالذات نتيجة لزيادة كفاءة استخدام الطاقة بالنسبة لاقتصاد الدول الصناعية.

* وماذا عن المستقبل الاقتصادي للدول العربية؟ ـ الدول العربية معظمها تقريبا دول منتجة للنفط والغاز، طبعا باستثناء دولتين أو ثلاث، يعني اليمن مصدر للنفط، مصر مصدرة للنفط والغاز والسودان كذلك، باستثناء تونس والمغرب وربما فلسطين ولبنان، وسورية مصدرة للنفط والغاز، دول الخليج كلها مصدرة للنفط والغاز أيضا ليبيا والجزائر، فالدول العربية بشكل متفاوت يعتمد اقتصادها على إنتاج النفط والغاز وتصديره، وبالتالي فهي بكل تأكيد ستستفيد ماليا مع ارتفاع اسعار الطاقة.

* هل ذلك يعني أن الدول العربية آمنة اقتصاديا في السنوات المقبلة؟

ـ لا أستطيع أن أؤكد ذلك، ولكن المهم أنها كيف تستفيد بشكل كبير خلال السنوات المقبلة في تنويع مصادر الدخل وفي حدوث تنمية مستديمة وهذه الفرصة هي الثانية للدول العربية بعد طفرة الثمانينات والسبعينات. وأرى أن الكل سيستفيد في المدى القصير والمتوسط، والسؤال الملح هنا: هل ستترجم الدول العربية هذه الفرصة من جديد إلى وقائع تدعم تنمية اقتصادية مستديمة بحيث لا تقع في الأخطاء التي وقعت فيها سابقا وأن تحافظ على تنوع اقتصاداتها مع اخذ الفرص المتاحة للطاقة لأنها تلعب دورا حاسما، خصوصا في ظل تزايد الطلب.

* ماذا عن تقلبات أسعار الصرف التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة؟

ـ تقلبات أسعار الصرف عادة ما تعادل بعضها البعض على المدى الطويل، وإذا أخذنا نظرة على مدى 30 سنة لوجدنا أن تقلبات أسعار الصرف متوازنة، فهي ترتفع وتنخفض، وعلى المدى القصير تحصل تقلبات حادة مثل ما حصل قبل سنتين في الدول العربية.

* ما هو السبب بوجهة نظرك في انخفاض سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى وخاصة اليورو؟

ـ الاقتصاد الأميركي حاليا يعاني من بعض المشاكل الهيكلية في وجود عجز على مستويين، أولا عجز الميزان التجاري، وثانيا عجز في الموازنة، وهذا الخلل تم التغلب علية حتى الآن لعدة أسباب تكمن في دور الاقتصاد الأميركي في النمو الاقتصاد العالمي، خصوصا في التجارة سواء كمستورد رئيسي من الصين وروسيا، وهناك اهتمام من جميع الدول في العالم أن الاقتصاد الأميركي لا بد أن يستمر، وبالتالي هذا يدعم الدولار مؤقتا، لكن الخلل هذا في العجز المزدوج في التبادل التجاري والموازنة الداخلية لا بد أن يوجد له حل جذري في السنوات المقبلة.

* وإن لم يتم التمكن في التوصل إلى حل جذري؟

ـ إن لم يكن هناك حل جذري، ممكن أن الدولار يستمر في الضعف، وقد يؤدي هذا إلى هزة في الاقتصاد العالمي، ولكن ليس في المستقبل القريب ولكن بعد سنوات عديدة إن لم يتم التخلص من هذا الخلل المزدوج.