خبراء : النفط العربي لا سيما السعودي يبقى المفتاح لحل الأزمة

وسط مخاوف من أزمة نفطية في السوق الدولية

TT

تشير التقديرات الصادرة من وكالة الطاقة الدولية، التي تأخذ من باريس مقرا لها وتمثل 26 دولة صناعية مستوردة للنفط، أن الطلب العالمي للنفط خلال عام 2005 سوف يزيد عن 84 مليون برميل يوميا. وقبل عامين بلغت التقديرات 77 مليون برميل يوميا. وأصدرت وكالة معلومات الطاقة الأميركية تقريرا مشابها وأضافت أن العبء الأكبر لتلبية الطلب العالمي سيقع على منظمة «أوبك» لا سيما المملكة العربية السعودية. وفي هذا الاطار تشير بيانات المسح الجيولوجي الاميركية أن المملكة العربية السعودية قادرة على انتاج 11.2 مليون برميل يوميا وتتوقع وكالة معلومات الطاقة الأميركية أن منطقة الخليج والسعودية بالذات ستهيمن على سوق الامدادات النفطية حتى عام 2015 على الأقل.

وفي الإطار ذاته تقدر وكالة الطاقة الدولية التي مقرها باريس أن المملكة العربية السعودية ستزيد انتاجها بـ 4.2 مليون برميل بحلول عام 2015. بينما سيضخ العراق 1.6 مليون برميل فوق المعدلات الحالية وستنتج الكويت 1.3 مليون برميل إضافية والامارات العربية المتحدة 1.2 مليون برميل إضافية. بينما روسيا التي تحتل مرتبة أكبر منتج خارج إطار منظمة «أوبك» ستزيد انتاجها بـ 1.3 مليون برميل فقط.

ومن اللافت للانتباه أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن الاعتماد على نفط الشرق الأوسط سيزداد حيث تبدأ الآبار في المناطق التقليدية خارج نطاق «أوبك» مثل بحر الشمال وخليج المكسيك بالنضوب والاستنزاف. وتوصلت الوكالة للاستنتاج أن المملكة العربية السعودية ستظهر كالمنتج الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه بانتاج أقصى كمية ممكنة. ويوجد في المملكة 80 حقل نفط وغاز وأكثر من 1000 بئر نفط ولكن 50 بالمائة من احتياطات المملكة توجد في 8 آبار عملاقة. وتسيطر المملكة العربية السعودية على 261.90 مليار برميل أو ربع احتياطات العالم. وصرح علي النعيمي وزير البترول السعودي قبل عدة شهور أن احتياطات المملكة قد تصعد إلى 461 مليار برميل خلال اعوام معدودة. وهذه الاحتياطات تجعل من المملكة منتجا كبيرا لـ 70 أو 100 عام في المستقبل. وهناك تخطيط لرفع الطاقة الانتاجية إلى 15 مليون برميل يوميا خلال 10 أعوام. ورغم هذه التطمينات لا يزال القلق يساور بعض المحللين من أن أزمة نفطية ستظهر خلال 3 سنوات. وفي هذا الخصوص قال ماثيو سيمونز مستشار الرئيس بوش للطاقة ورئيس شركة «وول ستريت للاستثمارات» في مؤتمر لمحللي الصناعة النفطية وأكاديميين مختصين عقد في مدينة أدنبرة (العاصمة الاسكوتلندية) في نيسان (أبريل) الماضي «ان الانتاج النفطي سيصعد ويصل إلى ذروته خلال سنوات قليلة ثم يبدأ بالتناقص وقد يصل السعر الى 100 دولار عندما تفشل الامدادات في تلبية الطلب المتنامي». بينما يعتقد سيمونز بأن الأزمة ستظهر خلال 3 أعوام، فيما استبعد محللون آخرون ذلك.

ويختلف الخبراء حول التاريخ الذي سيصل العالم فيه الى نقطة الذروة في الانتاج ثم بدء مرحلة التراجع. وتعتقد وكالة الطاقة الدولية أن اللحظة الحرجة أو الأزمة ستصل بين عامي 2013 و2037 أي أن هناك هامشا واسعا يمتد 24 عاما، وبعد ذلك سيتناقص الانتاج بنسبة 3 بالمائة سنويا. وليس فقط من المصادر التقليدية بل من المصادر الأخرى مثل الرمال القارية في كندا وصخور البيتومين في الولايات المتحدة وفنزويلا. بينما يعتقد محللون آخرون مثل كريستوفر سكروبوسكي من معهد الطاقة في لندن، الذي يرصد انشطة الاكتشاف والتطوير واستنزاف احتياطات النفط في العالم عامة وعلى الأخص في الشرق الأوسط، «أن معدل الانتاج يتناقص بنسبة 5 % سنويا. وتعاني النرويج وفنزويلا بريطانيا واندونيسيا من تقلص في القدرة الانتاجية الحالية وستتبعها خلال 3 أعوام المكسيك والصين وبروناي».

ومن ناحية أخرى يستمر الاستهلاك في الارتفاع حتى عندما صعدت الأسعار باتجاه الـ60 دولارا للبرميل، وهذا ليس غريبا نظرا لتفاعلات العرض والطلب التي هي من أساسيات المعادلة النفطية والتي تبقى عرضة للتأثر بعناصر قصيرة ومتوسطة وبعيدة الأمد.

وعلى المدى القصير تتميز العناصر المؤثرة بطابع سياسي وأمني مثل الاضرابات في نيجيريا وفنزويلا، وأعمال الارهاب والتخريب في العراق، وانهيار يوكوس في روسيا التي كانت تنتج في فترة سابقة 20 بالمائة من الانتاج النفطي الروسي. وتزامنت هذه العوامل مع إعصار ايفان الذي عصف بخليج المكسيك في خريف عام 2004 وعطل انتاج 450 ألف برميل يوميا لعدة شهور وسبب أضرارا كبيرة لعدد من المصافي التي تقوم بتزويد المشتقات النفطية كالبنزين للولايات المتحدة.

أما على المدى المتوسط فالعالم يواجه مشاكل من النوع الذي يسمى بعنق الزجاجة في الامدادات مثل النقص الحاد في الطاقة التكريرية لا سيما في الولايات المتحدة حيث لم يتم بناء أي مصاف جديدة منذ عام 1976 لأسباب تتعلق بحماية البيئة وقوانين صارمة بيروقراطية. ولرفع مستوى الطاقة التكريرية أعلنت «آرامكو» و«إكسون ـ موبيل» و«توتال» على تخصيص أكثر من 11 مليار دولار لتحسين ورفع مستوى مصافي التكرير التابعة لها. ومن العوامل التي يمكن تصنيفها تحت مشاكل متوسطة الأمد هي انهيار وتدهورالبنية التحتية للصناعة النفطية في العراق.

وعلى المدى البعيد يعتبر الطلب المتنامي من آسيا، لا سيما الصين والهند، من أهم العناصر التي أدّت لخلق ازمة في الامدادات النفطية. وباتت الصين أكبر ثاني مستورد للنفط بعد الولايات المتحدة بسبب النمو الاقتصادي الذي وصل إلى 9 بالمائة سنويا وهذا ضعف النمو الاقتصادي الأميركي. ويقدر الخبراء أن الطلب الصيني لوحده يمثل 40 بالمائة من زيادة الطلب العالمي منذ عام 2000 .

والهند أكبر سادس مستهلك للنفط في العالم تستورد ثلثي حاجتها، وتستورد الصين ثلث حاجتها من النفط، بينما تعتمد اليابان على استيراد كل حاجتها من النفط.

وتوقعا لأزمة مستقبلية بشأن الامدادات حذّرت وكالة الطاقة الدولية أن هناك حاجة لاستثمار 16 تريليون دولار في الخمسة والعشرين عاما المقبلة في عمليات اكتشاف وتطوير وانتاج، وانتقدت الوكالة الشركات الكبرى لعدم استثمار مبالغ كافية في قدرة انتاجية إضافية خاصة بعد أن أعلنت هذه الشركات عن أرباح خيالية للربع الأول من العام ورأت من الأفضل أن توزع الأرباح على المساهمين وكمكافآت للمديرين. وتم تخصيص نسبة قليلة من الأرباح لأعمال الاكتشاف والتطوير والانتاج.

وفي السياق ذاته انتقد كلود مانديل رئيس وكالة الطاقة الدولية الدول المنتجة للنفط مثل المكسيك وكازخستان ونيجيريا وروسيا لوضع عقبات أمام الاستثمار الأجنبي. وذكر مانديل المكسيك بالتحديد لسنها قوانين تحرم على الشركات الأجنبية الاستثمار في قطاعها النفطي. وجاءت هذه الانتقادات أياما قليلة بعد أن وجه البنك الدولي ومؤتمر مجموعة السبع (الدول الصناعية الغنية) الذي عقد في واشنطن في نيسان (ابريل) الماضي نداء لأعضاء «أوبك» بزيادة الانتاج لتجنب أزمة في الامدادات النفطية.

وجاء تصريح علي النعيمي وزير البترول السعودي بأن المملكة العربية السعودية ستستثمر 50 مليار دولار في الخمس سنوات المقبلة لتوسيع الطاقة الانتاجية. وفي تطور آخر قال رئيس «آرامكو» عبد الله بن صالح بن جمعة، في كلمته خلال افتتاح منتدى المشروعات العملاقة الذي عقد في الدمام الاسبوع الماضي، «إن الطلب على النفط ينمو بصورة تفوق التقديرات السابقة» مشيرا الى أن الطلب العالمي على الزيت الخام سيشهد زيادة كبيرة جدا تصل إلى ما يقرب من 40 مليون برميل حتى العام 2030. وتوقع بن جمعة ان تحتفظ أسعار الزيت بمستويات متماسكة في المستقبل «في ضوء الوضع الرهن للتقديرات المستقبلية لميزان العرض والطلب».

وفي تطور آخر نزلت الأسعار لأقل من 50 دولارا استجابة لبيانات المخزون الاستراتيجي الأميركية التي شهدت ارتفاعا ملحوظا حيث ارتفعت معدلات المخزون النفطي الاسبوع الماضي بـ 4.3 مليون برميل لتصل الى 334 مليون برميل وهذا أعلى مستوى منذ أيار (مايو) عام 1999 بينما ارتفع مخزون البنزين إلى 214.8 مليون برميل. ولا شك ان هذا الصعود في المخزونات سيضغط على الأسعار مما سيجبر منظمة «أوبك» على التعامل مع هذا التطور.

وتبعت ذلك تطمينات «أوبك» بضخ أقصى كميات ممكنة حيث وصل الانتاج اليومي إلى 30 مليون برميل يوميا، وهذه أكبر كمية منذ عام 1980 . وفي هذا الإطار أكد علي النعيمي وزير البترول السعودي أخيرا أن المشكلة ليست في الامدادات النفطية بل في تحويل هذه الامدادات الى منتجات تلبي حاجة المستهلك.