رجل الأعمال وليد سعد صايل: سواء وصلنا لحل سياسي أم لا على الاقتصاد الفلسطيني الوقوف على قدميه

مشاريع الغاز والاستثمارات الخاصة أهم مقومات التنمية في غزة

TT

نادراً ما يظهر هذا الرجل في وسائل الإعلام، بل ويستخدم في حياته اسم «وليد سلمان» وليس وليد سعد صايل كما يحلو للكثيرين مناداته، وهو في هذا له فلسفة خاصة تقوم أساسا على قناعته بأن اسم القائد سعد صايل ليس ملكا له وحده، بل هو رصيد ضخم وملك لعموم أبناء الشعب الفلسطيني لا يحق لأحد مصادرته لنفسه، وقال: «كان رحمه الله ينعتني دائما باسم العائلة حتى أتعود على بناء نفسي من دون الاتكاء على اسمه كقائد.. ولهذا قررت مواصلة استخدام اسم العائلة حتى لا يعتقد أحد بأنني أعتمد في حياتي وعملي على رمزيته.. إنه رصيد كبير يلقى على كاهلي مسؤولية الإضافة أو على الأقل الحفاظ عليه».

ويرفض وليد سعد صايل في حوار اجرته «الشرق الأوسط» في غزة اتهامه بالغرق في الاقتصاد على حساب العمل السياسي، على الرغم من قناعته بأن معظم السياسيين العاملين على الساحة لا يمتلكون رؤية تنموية بقدر ما يبرعون في الظهور الإعلامي على وجه الخصوص.

* دعنا نبدأ من حيث انتهيتم وهو بناء المرحلة الأولى من مدينة الشيخ زايد رحمه الله بتمويل وتبرع من دولة الإمارات.. إلى أي مدى طبقت الشفافية في هذا المشروع الضخم؟

ـ هذا المشروع من أنجح المشاريع التي نفذت في فلسطين عملياً من حيث طريقة التنفيذ، فنتيجة لظروف عدم الثقة في التبرعات التي تمر عبر السلطة اتبعت دولة الامارات العربية المتحدة أسلوباً مختلفاً في عملية دفع الأموال، حيث قام صندوق أبو ظبي للتنمية والاستثمار بطرح العطاء لمقاولين دوليين قادرين على تنفيذ مشاريع بهذا الحجم، وهم بدورهم يختارون المقاول، في حين يقوم صندوق أبو ظبي للتنمية بتعيين استشاري من طرفه، ويدفعون الأموال اللازمة مباشرة للمقاولين، ومن ثم يأتي دور وزارة الإسكان الفلسطينية حيث توافق على التصميم ومتطلباته التي تناسب العائلة الفلسطينية، وتقدم الأرض، وأخيراً قامت دولة الإمارات عبر صندوق أبو ظبي للاستثمار والاستشاري المعين من قبلهم بافتتاح هذه العملية، والتي تنتهي بتسليم المفاتيح لأصحاب الشقق من الأسر المستورة وفق آلية وشروط واضحة اشتركت في الإشراف عليها جمعية أصدقاء الإمارات بتكليف من الهلال الأحمر الاماراتي ووكالة الغوث الدولية إضافة الى وزارتي الإسكان والشؤون الاجتماعية من خلال طواقم عمل ميدانية لبحث وضع الحالات المستفيدة من المشروع.

* نعلم أنكم انتهيتم من تنفيذ المشروع رغم كل العراقيل الإسرائيلية في الوقت المحدد ولكن لماذا تم التأخير في تسليم الشقق للمستفيدين أكثر من تسعة أشهر؟ ـ تم تسليم المشروع في سبتمبر (أيلول) 2004 بشكل كامل للسلطة الوطنية ولصندوق أبو ظبي بوجود وزارة الإسكان، وتسلمت وزارة الإسكان المفاتيح، ولكن نتيجة للتغييرات الوزارية التي تمت فيها، واختيار المستفيدين حصل تأخير في طريقة توزيع الشقق لمدة 9 أشهر، وهذا طبعاً ضمن الروتين والبيروقراطية الفلسطينية.

* من الواضح أن إنشاء مدينة الشيخ زايد هو أكبر مشروع تنفذه شركتكم في فلسطين، ولكن ألا تعتقد أن مشروع بهذا الحجم يحتاج الى بلدية وصيانة مستمرة إضافة إلى عيادة؟

ـ هو أكبر مشروع ننفذه في فلسطين من حيث الحجم والتكلفة باعتباره وحدة واحدة، حيث بلغت قيمته في حدود 60 مليون دولار، فهذا المشروع يشمل 736 وحدة سكنية بكامل خدماتها من حيث البنية التحتية والشوارع والمجاري والمياه والمدارس والأسواق، فهو ضاحية حديثة متكاملة تستحق فعلاً ان تكون لها بلدية خاصة بها، لاستمرار نشاطات الصيانة واستمرار المحافظة على هذا المشروع إضافة إلى متابعة الترتيبات الاجتماعية وغيرها. وروعي في هذا المشروع طبيعة مدينة غزة والأرض المحدودة فيها، فهي تفرض علينا أن نتبع نظاما جديدا في الإسكان وهو الإسكان العامودي لكي نستفيد من قطعة الأرض بأقصى إمكانية. كما اتبعنا في المدينة النظام العائلي ـ نظام الحارة ـ فكل مجموعة مبان من ضمنها حديقة يستمتع بها كل أفراد العائلة، وصغارهم في اللعب مثلاً، والمباني بصفة عامة غير ملتصقة أي عبارة عن حارات متجاورة.

* قد لا يعرف البعض أن شركة اتحاد المقاولين العالمية «ccc» هي شركة فلسطينية تحمل الرقم 14 على مستوى العالم، والأولى في الشرق الأوسط في كل المجالات. ولكن أي مكانة تحتل فلسطين من مشاريع إتحاد المقاولين؟

ـ فلسطين بالتحديد لها الأولوية في عقل وذهن أصحاب هذه الشركة، فالأخوين حسيب صباغ وسعيد خوري هما شخصيتان فلسطينيتان نادرتان. فهما يشعران بمسؤولية كبيرة تجاه فلسطين، من أجل هذا لا يقتصر عملهما في فلسطين كمقاولين، وإنما كأصحاب قضية، ولهذا تجد بصماتهما البيضاء واضحة في شتى المجالات ومن مالهما الخاص ما قبل وما بعد قيام السلطة الوطنية. فهذه الشركة لديها 62 ألف موظف، نحو 90% منهم فلسطينيون. أي أننا نشارك عملياً في حل مشكلة البطالة في فلسطين.

* ماذا عن المشاريع المستقبلية لشركتكم في فلسطين؟ ـ تعلم ان المشاريع التي ننفذها في فلسطين هي مشاريع استراتيجية لها علاقة بالبنية التحتية، وقد كان المشروع الأول والسبّاق هو مشروع إنشاء محطة كهرباء غزة، وساهمت شركة اتحاد المقاولين فيه كمستثمر وليس كمنفذ، فالتنفيذ تم من خلال شركة سويدية. وكان معنا شركة أميركية اسمها «انرون» وقعت في عدة مشاكل خلال تنفيذ المشروع وأفلست. فاضطررنا لشراء حصتها من خلال شركة أميركية أخرى اسمها «مورغانتي» لحماية المشروع. واستطعنا من خلال إمكانيات ال ccc انقاذ هذا المشروع وإنجاحه، فهذا المشروع تملكه مجموعة من المستثمرين الفلسطينيين، منها الـ ccc، والبنك العربي، وباديكو، وصندوق الاستثمار الفلسطيني، وأبك «مجموعة العقاد» وتم طرح 33% من أسهم هذا المشروع للجمهور الفلسطيني الذي بلغت مساهماته فيه كأكبر نسبة مساهمين من الجمهور في أي شركة فلسطينية حتى الآن، إذ بلغ عدد المساهمين 19 الفا حتى الآن، وبأداء هذه الشركة تم إنهاء المشروع الذي يزود أجزاء معينة من قطاع غزة بالكهرباء، ونأمل من الاخوة في سلطة الطاقة أن يكملوا بناء الشبكة حتى نغطي كامل قطاع غزة.

* ولكن هل لديكم خطة لتنفيذ مشاريع استراتيجية أخرى لمرحلة ما بعد الانسحاب من غزة؟

ـ نحن نعكف الآن على استثمار موضوع الغاز الفلسطيني، حيث عملنا مع شركة بريتيش غاز الإنجليزية وهي من أفضل الشركات في هذا المجال. وتم اكتشاف الغاز. وهو كالبترول وجوده خير للبلد. لدينا مخططات لتطوير هذا الحقل عبر مد خط منه لمحطة كهرباء غزة، واستثمار هذا الغاز في تصنيع وتحديث وسائل الصناعة في فلسطين، حيث يستعمل في التدفئة للمنازل، وكذلك تحويل السيارات لتسير بالغاز. ونظراً لوجود حقلين، فإننا نركز على الحقل الرئيسي، حيث الكميات كبيرة وتجارية، والفكرة الآن تدور حول وضع خطط لتطويره وتصديره إلى الخارج للاستفادة من السيولة ونأمل خلال عامين من بيعه لطرف ثالث ضمنطقة الشرق الأوسط، والآن لدينا خطة تقضي بأخذ هذا الغاز من الحقل وربطه بخط العريش بمصر مباشرة ليتم تصديره مع الغاز المصري الذي يصدر لأميركا وأوروبا.

* هل الانسحاب الأحادي من قطاع غزة هذه المرة سيكون مختلفا عن خيبات الأمل السابقة؟

ـ هناك مشكلة ديموغرافيا ومشكلة أرض، وهذه مشكلة مستمرة وطويلة وتفاصيلها كثيرة، فإذا انتظرنا حتى تهدأ الأمور سياسياً وتطبق الحلول كاملة، فلن نفعل شيئاً في فلسطين ولن نبني أي شيء.

ولهذا برأيي يقع على القطاع الخاص الفلسطيني دور كبير للنهوض بالبلد حيث المقومات الاقتصادية موجودة، حتى نعطي مثلاً للعالم بأننا شعب يستحق دولة، سواء وصلنا لحلول مع إسرائيل، أو لم نصل فالوضع الاقتصادي الفلسطيني لا بد أن يقف على قدميه.

* أنتم مع هدم أبنية المستوطنات أم استغلالها؟

ـ تم بحث القضية مع الإخوة المسؤولين عن موضوع الانسحاب من غزة ومن وجهة نظري فإني أرى أن ما يتركه الإسرائيليون بدون تدمير يجب ألا ندمره نحن، بل نستفيد منه بشكل كامل، وفي قطاع غزة ألاحظ وجود قوة شرائية كبيرة أي يمكن الاستفادة من المباني الكبيرة والفيلات لأغراض تجارية، لأن الأراضي معظمها حكومية، ويمكن توفير سيولة كبيرة للحكومة من خلال هذه المنازل والبنايات الجيدة والفنادق للميسورين، واستعمال هذه المداخيل في بناء ضواح سكنية شبيهة بمدينة الشيخ زايد لذوي الاحتياجات المتوسطة دعماً أو بيعاً، فأنا ضد فكرة ما يطرح الآن بأن هذه البيوت غير مناسبة لطبيعة السكن الأفقي والرأسي، هذا الكلام غير صحيح يجب اعادة تقييم هذا الموضوع ووضع نظام تقييمي مالي ينعكس إيجاباً على الأسر المستورة وعلى الوضع الاقتصادي برمته.

* ولكن هناك تخوفات من سيطرة مراكز قوى او تنظيمات وحتى عائلات على هذه البيوت؟

ـ ذلك لن يحدث.. فتخوفات بعض الاخوة من هذا الموضوع في غير مكانها، ومدينة الشيخ زايد خير مثال على ذلك فقد أنجزنا المدينة وتأخر تسليم الشقق لمستحقيها تسعة أشهر، وكانت فارغة في الوقت الذي كانت فيه مئات من أهلنا في بيت حانون ورفح بلا أي مأوى بعد تدمير الاحتلال منازلهم، فلم يعتدِ أي فلسطيني على المدينة أو على الشقق، فهذا المثل نفتخر به وهو دليل على وعي وطني يحول من دون وقوع أي سوء تصرف.

* البطالة هي من أهم المشكلات التي يعانى منها المجتمع الفلسطيني، إلى أي مدى يمكن أن يحد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة والمشاريع المستقبلية من هذه الآفة؟ ـ فلسطين بحاجة لإعادة تأهيل كلي وبشكل كامل لمشاريع رئيسية مثل المطار والميناء والطرق والجسور ومشاريع الكهرباء والمياه والغاز، وهذه المشاريع ستستوعب جزءاً كبيراً من العمالة الفلسطينية، لذلك ستكون هناك حركة اقتصادية كبيرة في البلد. فنحن في فلسطين لن يقوم لنا اقتصاد مشهود له الا إذا كنا قادرين على استيعاب المستثمرين من الخارج فالمستثمرون لا يحضرون لبلد لا استقرار ولا قانون فيه.

وعلينا ان نستفيد من تجارب الغير، فالدول التي تعاني من اقتصاد ضعيف تعدل كل قوانينها وتقدم كل التسهيلات من أجل جلب المستثمرين، وأتمنى على وزرائنا وإخواننا أن يكبروا على التفاصيل ودعم القطاع الخاص فالقوانين في البلد غير واضحة، ولذلك علينا وضع قانون لنظام اقتصادي معين، ووضع قانون للاستثمار واستقطاب رجال الأعمال والمستثمرين، قوانين واضحة وشفافة لا تقبل اي تدخل أو تأويل.

* هناك من يقول بأنك غرقت الى حد كبير في بحر التنمية والاقتصاد على حساب العمل السياسي ونسيت انك عضو في المجلس الثوري وقيادي في حركة فتح.. أين السياسة في حياة وليد سعد صايل؟

ـ أي سياسي ناجح لابد أن يكون عنده شقان في التوجهات شق تنموي وشق سياسي، فهما متلازمان ولدى السياسيين في فلسطين مشكلة تتمثل في عدم وجود تفكير لديهم أو رؤية لعملية التنمية، فالموضوع السياسي الفلسطيني كلنا خبراء فيه، ولا أعتقد ان لدينا نقصا أو أزمة في السياسيين وشخصياً لست بعيداً على الإطلاق عن السياسة وان كنت بعيداً عن الإعلام. فمنذ انتخابي عضواً في المجلس الوطني عام 1984م وانتخابي عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح 1989م أمارس كل النشاطات والمهام التي يتطلبها هذان الموقعان.

* الا تعتقد ان مسيرة الإصلاح والتغيير التي نادى بها الرئيس ابو مازن تسير ببطء لا يتماشى مع ارادة ورغبة عموم الفلسطينيين؟ ـ في المرحلة السابقة خلال فترة حكم القائد الشهيد أبو عمار مرت السلطة في ظروف سياسية صعبة، ونتيجة للحصار وطبيعة الموقف الدولي المتشنج ضد القيادة الفلسطينية المحاصرة، لا ننكر أنه كان هناك خلل في الإدارة الفلسطينية في آخر سنتين ونصف من المرحلة السابقة. ولذلك دخلنا في عصر الاستزلام والعصابات ومراكز القوى، كل ذلك تم بمشاركة رموز في هذه السلطة، ومن غير المنطقي مطالبة الأخ الرئيس أبو مازن خلال مائة يوم بحل كل تلك المشاكل دفعة واحدة.