النعيمي: نحن نتحول إلى سوق عالمية واحدة ومحاولات البعض للتفرد لا تنفع

قال في كاليفورنيا أن الشفافية والطاقة الانتاجية الفائضة شرطين أساسيين لاستقرار أسعار النفط

TT

قال المهندس علي بن ابراهيم النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، في كلمة القاها في مجلس الشؤون الدولية لشمال كاليفورنيا ومجلس العلاقات الخارجية اول من امس تحت عنوان «العولمة ومستقبل السوق البترولية»: «اننا نتحول الى اقتصاد سوق عالمية واحدة حيث تتلاشى الحدود التقليدية بشكل متزايد امام حركة الافكار وانتقال رؤوس الاموال. والكلمة العملية في المستقبل هي الاعتمادية المتبادلة، حيث يقترب كل منا من الآخر عن طريق توسعة التجارة والاستثمارات. اما محاولات البعض للانغلاق والتفرد في ظل هذا الاقتصاد العالمي الجديد فسوف تؤدي بهم الى التأخر عن اللحاق بالركب».

وقال: تحمل العولمة الامل في حياة افضل للناس في انحاء العالم، غير ان الآمال ليست سهلة المنال دائما، فسوف تعترضنا مصاعب عديدة في محاولتنا الموازنة بين النمو الاقتصادي والرفاهية والبيئة والثقافة والتقاليد.

واشار الى انه «حين نتحدث عن الامل والعولمة، يجب علينا ان نتذكر الدور الرئيس للطاقة. فالنشاط الاقتصادي يحتاج الى الطاقة لانتاج السلع ونقلها الى الاسواق وبيعها الى المستهلكين. كما تزودنا الطاقة بالعديد من سبل الحياة الحديثة، وبدونها يصبح التقدم الاقتصادي ضربا من المستحيل».

وأوضح ان «الطلب العالمي سيزداد على الطاقة بسبب العولمة، غير ان الجيد في الامر هو اننا اصبحنا اكثر كفاءة في استخدام الطاقة، بمعنى اننا نحتاج الى مقدار اقل من الطاقة في المستقبل عما احتجناه في الماضي لتحقيق التنمية الاقتصادية. وإنني على يقين من اننا سننتج ونزود العالم بكميات من الطاقة اكبر من أي وقت مضى، وذلك بفضل الله وما هدانا اليه من تقنيات واختراعات».

وتطرق الوزير السعودي الى اهم النقاط التي تتعلق بمستقبل الطاقة حيث قال: اولا، بالنظر الى الوضع الحالي للتقنية، نجد انه ليست هناك بدائل مجدية للزيت، وخاصة في قطاع النقل الذي يعتمد على البترول بنسبة 95% عالميا. وعليه، فسيظل البترول هو الوقود المفضل في وسائل النقل من حيث اقتصادياته وسهولة استخدامه خلال السنوات الثلاثين القادمة على الاقل.

وتابع: ومع ان هناك تقنيات بديلة تحمل وعودا للمستقبل مثل خلايا الوقود والسيارات العاملة بالبطاريات، الا ان الواقع يشير الى ان اياً من هذه التقنيات لن تكون قادرة في الوقت الراهن على منافسة العربات المستخدمة للبنزين والديزل في محركات الاحتراق الداخلي.

وبين ان هناك بعض تقنيات الاقتصاد في الوقود التي تعد اليوم تجارية، بل تزيد قدرتها التنافسية يوما بعد آخر، مثل السيارات التي تستخدم نوعين او اكثر من الوقود. وتقف هذه التقنيات دليلا على قدرة التطورات التقنية على مساعدتنا في استخدام مواردنا من البترول بشكل اكثر كفاءة والحد من أي تأثيرات سلبية على البيئة.

وركز النعيمي في كلمته على المفاهيم الخاطئة حول سياسة السعودية البترولية، حيث قال «نحن لسنا ضد ترشيد الطاقة وزيادة كفاءتها، بل لسنا ضد انواع الوقود البديلة. انما الحقيقة هي اننا سنحتاج الى مزيد من الوحدات الحرارية في المستقبل. ويعني ذلك انه سيكون هناك دور لكافة اشكال الطاقة والتقنيات. ونرى ان ترشيد الطاقة وتحسين كفاءتها من الامور الهامة لانها تتيح لنا ان ننجز الكثير من خلال ما نملكه من موارد.

ثانيا، ليس هناك ما يدعو للهلع، فليس صحيحا ان البترول في طريقه الى النضوب قريبا. كما ان الحديث عن شح الامدادات ليس بجديد، فالادعاء بأن موارد البترول في العالم في سبيلها الى النضوب هي ادعاءات قديمة قدم صناعة البترول نفسها.

وقال النعيمي «انا على يقين من ان هناك كميات وفيرة متبقية من البترول يمكن العثور عليها واستخراجها. وينبع هذا التفاؤل لدي من شواهد التاريخ واقوال الخبراء حول مجمل الموارد المتاحة».

واشار في هذا السياق الى انه في اوائل السبعينات توقع بعض الخبراء ان العالم يقترب سريعا من زمن الشح في امدادات البترول، وخلال هذه الفترة، وفيما كان المفترض وفق تلك الآراء ان يكون العالم قد استنفد مخزونه البترولي، واصلت احتياطيات البترول العالمية نموها من نحو 550 بليون برميل في عام 1970 الى اكثر من 1.2 تريليون برميل في الوقت الراهن. وهي زيادة ضخمة بكل المقاييس اذا اخذنا في الاعتبار استهلاك العالم لاكثر من 800 بليون برميل خلال تلك الفترة.

وفي ما يتعلق بالسعودية افاد النعيمي، بان احتياطياتها الثابتة قدرت بنحو 88 بليون برميل في عام 1970، «فيما تشير تقديراتنا المتحفظة اليوم الى ان هذه الاحتياطيات قد بلغت 264 بليون برميل رغم استمرار الانتاج لمدة خمسة وثلاثين عاما منذ ذلك الحين، اذا اضفنا الى هذه الاحتياطيات في العام الماضي اكثر من 1.5 بليون برميل رغم انتاجنا الذي بلغ اكثر من ثلاثة بلايين برميل في العالم نفسه.

وتساءل وزير البترول السعودي «كيف يمكن تفسير ذلك». فأجاب قائلا «يمكننا ان نجد الاجابة عن هذا السؤال في طبيعة التقديرات الخاصة بالاحتياطيات البترولية. فهذه التقديرات ما هي الا نتاج للمعلومات المتاحة حول المكامن وخصائصها، وهي بمثابة «لقطات ثابتة» تعكس افضل المعلومات المتاحة في كل وقت، ولقد زادت تقديرات الاحتياطيات على مر السنين لأننا قمنا بتحسين معلوماتنا حول باطن الارض، اذ ادى التقدم التقني في مجالات مثل المسح السيزمي الثلاثي والرباعي الابعاد وتسجيل خصائص المكامن والآبار الذكية والآبار المتعددة الاتجاهات والتوجيه الجيولوجي للقمة الحفر، الى فهم افضل لما يحدث في اعماق الارض».

ولقد كنا في السعودية ننظر دائما بعين التقدير لاهمية التقنية في فهم المكامن وطريقة عملها، ولذا فقد انفقنا استثمارات كبيرة لاقتناء افضل هذه التقنيات واحدثها».

وبين النعيمي ان لدى العالم كميات كبيرة من الاحتياطيات البترولية التقليدية وغير التقليدية، وقال «لا يساورني شك في ان التطورات التقنية المستقبلية سوف تتيح لنا استخلاص كميات اكبر مما هو مقدر حاليا من مجمل الموارد وبصورة اقتصادية. فعلى سبيل المثال، فان زيادة معدل الاستخلاص بنسبة 1%، تضيف ما مقداره 70 بليون برميل من الاحتياطيات القابلة للاستخراج، وهي كمية تعادل اكثر مما يتم انتاجه خلال عامين».

وتناول النعيمي القضية الثالثة حيث قال «ان كلا من المتسهلكين والمنتجين، وكذلك الصناعة البترولية، يستفيدون من الاسعار المستقرة التي يمكن توقعها والتي تضمن عائدا مجزيا للمنتجين وللصناعة وتساهم في التنمية الاقتصادية عالميا. غير ان تحقيق الاستقرار للاسعار عملية معقدة بفعل عوامل عدة تشمل التقلبات الدورية والاجراءات التنظيمية والدور الجديد للبترول كأحد الاصول المالية الاستثمارية ونقص شفافية الاسواق».

وقال «تعلمنا تجارب الماضي ان الاسعار لا تبقى على ارتفاعها الشديد ولا انخفاضها الشديد، فرؤوس الاموال الاستثمارية تتبع الفرصة المواتية. وحين تنخفض اسعار البترول تبتعد رؤوس الاموال عن قطاع الطاقة وتتجه الى قطاعات تدر عائدا اكبر، مما يؤدي الى انخفاض الاستثمارات في مشاريع زيادة الانتاج في مختلف مراحل الصناعة، مثل مشاريع الانتاج والنقل والتكرير والتوزيع والتسويق».

وبين انه في مثل هذه الاجواء، يزيد الطلب على الطاقة بسبب رخصها، فيما تبقى الامدادات على حالها او تنكمش بسبب نقص الاستثمارات. ويصبح ممن المحتم ان ترتفع الاسعار لاستعادة التوازن عن طريق خفض الطلب والتشجيع على زيادة الاستثمارات في الطاقة الانتاجية.

واكد النعيمي «نحن نلمس بعض هذه الآثار الفعالة بشكل واضح هذه الايام، فقد شهدت صناعة البترول في الفترة من منتصف الثمانينات الى نهاية التسعينات فائضا في الطاقة الانتاجية والتكريرية، وادى هذا الفائض الى بقاء الاسعار منخفضة والى زيادة القناعة بأن الطاقة الحالية كافية لتلبية المتطلبات المستقبلية، كما عزز انخفاض الاسعار من الزيادة في الطلب العالمي على البترول».

واضاف «كان من نتيجة ذلك ان زاد القلق في اسواق البترول بشأن قدرة المعروض على تلبية الزيادات المستقبلية في الطلب. وما ارتفاع الاسعار الذي نشهده حاليا الا نتيجة مباشرة للفترة الماضية التي شهدت فائضا في الطاقة وانخفاضا في الاسعار، حيث خلقت دورات ارتفاع الاسعار وانخفاضها التخوف لدى الصناعة البترولية التي تحتاج الى رؤوس اموال استثمارية ضخمة وتحتاج الى فترات طويلة لبدء الانتاج وتحقيق الايرادات. فضعف التوقعات يزيد من المخاطر التي تواجهها الشركات ومن ثم يجعلها تحجم عن الاستثمار في مشاريع انتاجية جديدة».

وقال «انه قد تؤثر الاجراءات التنظيمية، بصرف النظر عن مشروعيتها، سلبا على مجموعة اعمال الطاقة، ومن ثم تؤدي الى ارتفاع اسعار المنتجات بالنسبة للمستهلك. وقد ادت التشريعات العديدة والمعايير غير المتسقة الى تقسيم سوق المنتجات، مما حد من مرونة تلك السوق وزاد من صعوبة ضمان استقرارها.

كما ان هذه الاجراءات التنظيمية، شأنها شأن التقلبات الدورية، تزيد من المخاطر التي تتعرض لها صناعة البترول وتؤدي الى تراجع الاستثمارات.

وافاد بأنه اصبح البترول احد الاصول المالية الاستثمارية مثله مثل العملات والاسهم والسندات، واصبحت عقود البترول المستقبلية والاسواق الفورية تجتذب مبالغ كبيرة من الاموال من صناديق المضاربة والمؤسسات الاستثمارية الراغبة في تحقيق ارباح كبيرة، والتي لا تتخذ قراراتها الاستثمارية بالضرورة في ضوء العوامل الاساسية السائدة في السوق، بل في ضوء العوائد المتوقعة مقارنة بالاستثمارات البديلة. وقد زادت هذه الاموال الضخمة من صعوبة الجهود التي تبذلها المملكة لتحقيق استقرار الاسعار.

وأكد وزير البترول السعودي ان «الشفافية شرط اساسي لاستقرار سوق البترول، كما ان جمع المعلومات الخاصة بالطاقة واعداد التوقعات الخاصة بها هو احد مجالات التعاون بين المنتجين والمستهلكين والتي يمكن ان تزيد من هذه الشفافية. وعلينا ان نسعى لتحسين تقديراتنا الخاصة بالطلب».

وفي ما يتعلق بالنقطة الرابعة قال النعيمي، بالرغم من كل هذه التحديات، تظل السعودية ملتزمة بتحقيق استقرار الاسعار. فلطالما لعبت المملكة دورا مهما في استقرار اسعار البترول، وقامت في اوقات اضطراب الامدادات بتوفير امدادات اضافية للسوق. وبوصف المملكة مورد البترول العالمي الاكثر ثقة، فقد اتبعنا سياسة الاحتفاظ بطاقة انتاجية فائضة واستخدامها في المساعدة على استقرار السوق في اوقات الازمات».

واكد ان الطاقة الانتاجية الفائضة تمثل حجر الزاوية في استقرار اسواق البترول العالمية، مشددا على ان تطوير طاقة انتاجية فائضة والاحتفاظ بها من الامور المكلفة جدا، غير ان المملكة آثرت ذلك من اجل المحافظة على استقرار السوق. وفي ما يتعلق بالمستقبل، طمأن النعيمي الحضور الى ان سياسة السعودية تقضي بالاحتفاظ بطاقة انتاجية فائضة تتراوح بين 1.5 ومليوني برميل في اليوم.

وخلص النعيمي الى القول «لقد بات واضحا ان المنتجين والمستهلكين كليهما يستفيد من استقرار الاسعار وامكانية التنبؤ بها، غير انه يجب ان يكون مفهوما ايضا ان قوة تأثير التقلبات الدورية والاجراءات التنظيمية والدور الجديد للبترول كأحد الاصول الاستثمارية ونقص الشفافية في السوق من العوامل التي تعقد مهمة تحقيق الاستقرار. وتبقى المملكة غير هيابة لما ينتظرها من صعاب، كما ستبقى المصدر الموثوق به للطاقة في العالم . وليس ادل على ذلك من البرامج الاستثمارية والطموحة التي تقوم بتنفيذها في مجال التنقيب والانتاج والتكرير والتوزيع».