هل آن لمؤشر الأسهم السعودية الرحيل؟

TT

لعله من الصعب أن يوافق من لديه خبرة اقتصادية متواضعة عن أسواق الأسهم، على استمرار مؤشر سوق الأسهم السعودية العام في تذبذبه المؤلم بدون ضابط يضبطه أو مرشد يرشده. هذا المؤشر الذي يتماوج كأمواج بحر هائج بين مختلف الاتجاهات أو كريح عاتية تهب من كل صوب لتدمر ما حولها.

ففي يوم الثلاثاء 19 أبريل (نيسان) 2005 هبط هذا المؤشر 511 نقطة في يوم لم تبد خلال مشرقه أو مغربه دوافع سياسية أو اقتصادية ملحة تزج به إلى القاع. وفى اليوم التالي مباشرة ، أي 20 أبريل قفز هذا المؤشر 438 نقطة في غياب أية تطورات سياسية أو اقتصادية تدفعه إلى هذه القفزة الكبيرة.

من هذا المنطلق ونتيجة هذه السلوكيات المستمرة لمؤشر سوق الأسهم المدلل فقد قمت بدراسة مستفيضة تناولت تحليل سلوكيات سوق الأسهم السعودية المتأرجحة وتفسير الجوانب الاقتصادية المتعددة للقوائم المالية للشركات المساهمة لكي تستبين لنا الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي تؤثر هذا التأثير العميق في تذبذبات مؤشر السوق المستمرة. ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة هو أن السبب الرئيسي والمباشر للتذبذب مؤشر سوق الأسهم هو وجود مؤشر واحد عام، فقط يترجم من خلال رقم مفرد أداء جميع الشركات المساهمة بمختلف أحجامها بغض النظر عن مستويات أداء كل شركة على حدة. هذا المؤشر يجمع بين شركات مساهمة ذات تداول قوي من ذوي الدخول المرتفعة «الهوامير» تتميز بضخامة رأسمالها وقيمتها السوقية والدفترية وارتفاع أسعار أسهمها، مثل البنوك وشركات سابك والمصافي وصافولا يجمعها مع شركات ذات تداول متواضع من ذوي الدخول المتوسطة تتميز بانخفاض رأسمالها وتواضع قيمتها السوقية والدفترية وانخفاض أسعار أسهمها نسبيا، الأمر الذي يخلط أوراق سوق الأسهم وينتج عنه هذا التذبذب اليومي الحاد.

لذلك فقد أوصت الدراسة من خلال التحليل الاقتصادى الإحصائي المبرمج بإحداث مؤشرين منفصلين، أحدهما يحتوى على كبار الشركات التي يتداولها كبار المساهمين، ومؤشر آخر يحتوى على باقي الشركات التي يتداولها متوسطو الدخل. هذا بطبيعة الحال سيؤدي إلى استقرار كبير في تحركات كلا المؤشرين ويعكس في نفس الوقت أداء الشركات المساهمة كبيرة كانت أم صغيرة، وكذلك سيكون مرآة شفافة بينة لأداء الاقتصاد الوطني.

إن قيام هيئة السوق المالية بدراسة وجود مؤشرين يصنفان أحجام الشركات المساهمة طبقا لعومل اقتصادية ومالية خاصة بهذه الشركات، مثل رأس المال والقيمة السوقية والدفترية وسعر السهم ومقياس التشتت السعري بدلا من مؤشر عام واحد سيذيب التشتت العنيف الحاصل حاليا بسوق الأسهم، كما ويبعث الطمأنينة في قلوب المساهمين. إنه من الضروري العمل من خلال هيئة السوق المالية على تأمين الاستقرار بسوق الأسهم السعودية لحماية المؤشر من الانهيار، خاصة في وضع تغيب فيه السياسة النقدية اللازمة لامتصاص التقلبات الحادة بالمؤشر. إن انهيار سوق الأسهم لن يسبب فقط خسارة فادحة لمدخرات المساهمين من المواطنين السعوديين خاصة ذوي الدخل المحدود والذي اقترضوا من أجل تحقيق بعض المكاسب من سوق الأسهم لكن الخسارة تمتد إلى سمعة الاقتصاد السعودي بين المراقبين الدوليين وصندوق النقد الدولي. هذا لأن سوق الأسهم بأي دولة هو احدى المرايا الهامة التي ينعكس فيها أداء مؤشرات الاقتصاد الوطني مثل الناتج الوطني وميزان المدفوعات ومعدل البطالة وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الحيوية. فالشركات المساهمة ما هي إلا جزء من القطاع الخاص والذي هو جزء لا يتجزأ من الناتج الوطني لذلك فانهيار سوق الأسهم يشير للمراقبين والمؤسسات الدولية بانهيار الاقتصاد السعودي. وحيث أن السعودية تنادي دائما بتشجيع الاستثمارات الأجنبية للدخول في مشاريع حيوية بمختلف قطاعات الاقتصاد الوطني وتدعو الوفود الأجنبية لزيارة المملكة والالتقاء برجال الأعمال السعوديين بجانب أن المملكة تقف حاليا على أعتاب الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية فإن جميع هذه المتطلبات لا يمكن تحقيقها في ظل مؤشر سوق أسهم يعلو تارة بالأفق ويهبط تارة أخرى إلى القاع بدون ضوابط تقيده.

من ناحية أخرى فإنه نظرا لأن بعض الشركات المساهمة السعودية تصدر منتجاتها لخارج المملكة فانهيار سوق الأسهم يشير أيضا إلى انهيار الميزان التجاري السعودي ومن ثم ميزان المدفوعات. فالقطاعات الاقتصادية تكمل بعضها البعض فانهيار أحد القطاعات يؤدى إلى انهيار الاقتصاد كله خاصة إذا كان هذا القطاع حيويا ويتعلق بأداء الاقتصاد الوطني ومصالح المواطنين. لذلك فإن المضاربات المستمرة من قبل بعض الأفراد الذين يتلاعبون بمؤشر السوق تضر بمصلحة وسمعة الاقتصاد السعودي.

إن وجود أكثر من مؤشر بسوق الأسهم يصنف الشركات المساهمة من خلال عوامل اقتصادية ومالية هو أمر صحي ومتعارف عليه بأسواق الأسهم العالمية ولا أقصد بذلك مؤشرات أسهم القطاعات الاقتصادية التي تصدرها هيئة سوق المال حاليا والتي لا تلفت اهتمام الكثير من المساهمين. فالجدير بالذكر أن مؤشر داوجونز الأميركي الذي أنشئ في عام 1884 قبل 121 عاما يتكون من 30 شركة عملاقة فقط من قطاعات مختلفة تتميز بضخامة رأسمالها وارتفاع قيمتها السوقية والدفترية وأسعار أسهمها مثل شركات صناعة الطائرات والمعدات والأجهزة الكهربائية والمواد الغذائية وهناك مؤشر آخر يشمل معظم شركات التقنية الحديثة وهو مؤشر «نازداك» ومؤشر آخر موسع آخر يشمل 500 شركة ومؤشر آخر يشمل 1000 شركة. فهل آن لمؤشر سوق الأسهم الحالي الرحيل؟

* رئيس مركز استشارات الجدوى الاقتصادية والإدارية