خبراء: الحضور العربي في القمة الاقتصادية اللاتينية محاولة لكسر الاحتكار الأميركي وفرصة لدخول أسواق جديدة

«الشرق الاوسط» ترصد آراء اقتصاديين حول نتائج القمة

TT

ما هي الاهداف الحقيقية للقمة العربية ـ الاميركية الجنوبية التي استضافتها البرازيل الشهر الماضي، بمشاركة 16 رئيس دولة وحكومة وعشرات المسؤولين العرب والاميركيين؟ وهل وجد العرب في هذه القمة منبراً حليفاً لتوجيه رسالة مباشرة حول قدرتهم على اقامة علاقات استراتيجية مع مجموعات دولية سياسية واقتصادية، بما يمثل خطوة توسعية باتجاه مناطق جديدة، ام هي خطوة لدول اميركا الجنوبية باتجاه حيازة دورها في منطقة الشرق الاوسط الكبير التي تطرحها ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش؟ هذه التساؤلات وغيرها طرحتها «الشرق الأوسط» على خبراء اقتصاديين في بيروت.

مستشار العلاقات الخارجية لرئيس الجمهورية اللبنانية الدكتور جورج ديب اعتبر «ان آفاق التعاون العربي ـ الاميركي الجنوبي ايجابية، وما تحديد موعد القمة الثانية في عام 2008 سوى خطوة مدروسة، لاعطاء المزيد من الوقت للمشاورات والارتقاء بمستوى الحوار بين الجنوبين الاميركي والعربي، بهدف تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي في ما بينهما، وسط الصراع القائم على الخريطة الاقتصادية العالمية مع دولة كبرى عظمى، مثل الولايات المتحدة الاميركية، التي تحاول بناء امبراطوريتها على حساب مصالح دول الجنوب ثم تحويلها لأسواق استهلاكية لانتاجها واسواق لتصدير ازمتها الاقتصادية، بما فيها من بطالة وأزمات معيشية..».

ويعود ديب بذاكرته الى فترة انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث بدأت هيمنة الشمال (اميركا) على كافة قرارات هيئة الامم المتحدة، لا سيما تلك المتعلقة بقرارات الاستقلال والوحدة للدول النامية. وخير مثال على ذلك هو طرح سفير لبنان في الامم المتحدة الدكتور جورج حكيم (عام 1948) والقاضي بانشاء صندوق الامم المتحدة للتنمية لدعم مسيرة التنمية في دول الجنوب.. وهذا ما لاقى ترحيباً واسعاً من دول آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية والدول العربية آنذاك ورفضاً من محور الشمال. الى ان عادت تلك الدول الرافضة في عام 1968 وفقاً لمصالحها الاقتصادية فوافقت عليه. وهذه الخلفية التاريخية شكلت حالة من الوعي لدى دول الجنوبيين، لايجاد سبل للتعاون فيما بينها وتشكيل نوع من الحلف الاقتصادي يشكل عقبة في وجه هذا الحد الاميركي في دولها ودول الشرق الاوسط... ولتحقيق هذه الاهداف لا بد لمجموعة الدول العربية ـ الاميركية الجنوبية من البدء بالبحث عن فرص مشتركة لتحقيق هذا التكامل، عبر مؤسسات اقتصادية صناعية مشتركة... ويجب التحرك بطريقة مدروسة وواضحة بهذا الاتجاه، وذلك لتعزيز اقتصادات هذه الدول التي تعتبر في معظمها، مدينة لمعظم دول الشمال او مسيطرا عليها اقتصادياً من قبلها. واستنتج ديب: «ان نجاح هذه الخطوة الجديدة مرهون بحسن اختيار سبل التعاون لتحقيق التكامل المتوازن. وعلى المدى المنظور فان السيطرة الاقتصادية عالمياً محتكرة من قبل اميركا. وبالواقع فإن ما ينطبق على الدول العربية ينطبق على لبنان، فجميل جداً ان تنفتح على العالم ولكن الافضل ان يكون هذا الانفتاح لصالح الاقتصاد الوطني وعدم الاستسلام بالتحول الى سوق استهلاكي لهذه الدول».

وعن الاهمية الاقتصادية لهذه القمة بالنسبة للدول العربية، يقول رئيس اللجنة الداعمة للثقافة العربية الدكتور عمر حلبلب: «تطرح هذه القمة عناوين سياسية اكثر منها اقتصادية، سواء في مضمونها او في توصياتها، حيث ركزت على كل المشاكل الرئيسية فهي قمة بين فريقين يعانيان معاً من النفوذ الاميركي وهي محاولة لخرق مشروع جورج بوش لمنطقة الشرق الأوسط الكبير... وأعتقد انها بهذا الاتجاه ليست قصة كبيرة، ذلك ان هذه الدول تعتبر دولا فقيرة وضعيفة مقارنة بمستوى اقتصادات دول الشمال، باستثناء فنزويلا وثروتها النفطية التي تشكل نقطة ضغط اقتصادي... ولكن من ناحية ثانية تعتبر خطوة مهمة بالنسبة للدول العربية لانها تشكل خطوة توسعية باتجاه اسواق اميركا اللاتينية في زمن التكتلات السياسية والاقتصادية، وهذا سيعزز دور الجاليات العربية، لا سيما اللبنانية والسورية في اميركا اللاتينية، وخاصة البرازيل والارجنتين. كما سينعكس ايجابياً على تعزيز العلاقات التجارية بين هذه الجاليات ووطنهم الام وحكومات دول اميركا اللاتينية وهذه قراءة اولية على المدى المنظور لتلك القمة».

اضاف حلبلب: «يجب ان لا نغفل ان اميركا اللاتينية نجحت بدورها في الحصول على اسواق استهلاكية لمنتوجاتها واسواق لعمالتها.. مما يعني ان همها الاساسي ليس مصالح الدول العربية، كما جاء في التوصيات الختامية للقمة، ويجب على الدول العربية المعنية مباشرة عن جالياتها في تلك الدول (مثل لبنان)، ان تستفيد من هذه القمة بتعزيز وتفعيل دور السلك الدبلوماسي هناك وخلق حوافز جاذبة لاستثمارات تلك الدول لتفعيل الاقتصادات الوطنية». واختلفت قراءة الخبير في القانون الدولي والاتفاقات الدولية الدكتور شفيق المصري عن سواه، حيث اعتبرها «قمة ممتازة ورسالة صريحة ومباشرة بوجه الضغط الاميركي على المنطقة العربية ودول اميركا الجنوبية، وهي رسالة نظمتها البرازيل وباركتها الموافقة العربية، خاصة عندما رفض المؤتمرون طلب الولايات المتحدة الحضور بصفة عضو مراقب لاعمال القمة».

ويقول د. المصري: «من هنا تبدأ الاهمية الاولى لهذه القمة، اما الايجابية الثانية لها فهي تأتي في مرحلة توثيق العلاقات السياسية والاقتصادية، من خلال هذا الوعي لاهمية الحوار بين الجنوب والجنوب في زمن السيطرة الاميركية على مسار اقتصاد العولمة، فهذا الحوار هو البديل لحوار «الشمال والجنوب»، الذي تحول الى قرار لفرض الموقف الاميركي وسيطرته على مصالح هذه الدول».

اما كيف يمكن للبنان الاستفادة من هذه القمة فيجيب المصري: «يجب علينا تفعيل الاتفاقية الثنائية مع البرازيل، التي تضيف على علاقات لبنان رصيداً آخر يجب تفعيله لصالح القطاعات الانتاجية اللبنانية والجاليات اللبنانية في دول اميركا اللاتينية عامة والبرازيل خاصة».

من جهته يقول الاعلامي والخبير الاقتصادي حسن مقلد: «بكل اسف ان اهتمام العالم العربي في هذه القمة طغى عليه الجانب السياسي اكثر منه الاقتصادي، ذلك ان القضايا العربية المهيمنة التي اصبحنا نحتاج لحلّها لاي دعم، حتى لو كان هذا الدعم من قبل دول كنا ندعمها لتعزيز موقعها. اما اذا اردنا قراءة الاهمية فان اي انفتاح للعالم العربي على اسواق اقتصادية جديدة يعتبر خطوة ايجابية.. ولكن الاهم هو اجراء صياغة اقتصادية لمعرفة المزايا الموجودة في العالم العربي وتقييم اي تواصل اقتصادي مع الآخرين. ويجب على حكومات الدول العربية البحث في كيفية الافادة من تجارب هذه الدول».