خبراء اقتصاديون متشائمون من تحول الاقتصاد العراقي لنظام السوق الحر في المستقبل القريب

بسبب ضعف إمكانيات القطاع الخاص

TT

أكد عدد من الخبراء الاقتصاديين العراقيين على أن عملية التحول الاقتصادي نحو اقتصاد السوق والتي تسمى بالخصخصة، هي عملية شبه مستحيلة في الوقت الحاضر بسبب ضعف إمكانيات القطاع الخاص وعدم وجود تشريعات قانونية تلائم هذا التغيير وتحفظ حقوق العاملين في مؤسسات القطاع العام. وبينت الدكتورة هناء عبد الحسين الطائي أستاذة مساعدة في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد، أن عملية التحول بالاقتصاد العراقي باتجاه الخصخصة لا يخدم الواقع الحالي للاقتصاد العراقي لكونه يعاني من اختلالات وتشوهات هيكلية كبيرة في معظم قطاعاته الاقتصادية الوطنية، كما يعاني أصلا من انخفاض في قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية الأخرى ومن معدلات التضخم المزمنة مع الحاجة الماسة وبشكل سريع وضروري إلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وهنا قد لا تنفعه الدعوة إلى الخصخصة التي يروج لها من قبل المؤسسات النقدية والمالية الدولية المتمثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي اعتادت على تقديم وصفات جاهزة لعملية الإصلاح الاقتصادي للدول النامية.

وتقوم هذه الوصفات على أساس العلاج بالصدمة وتتضمن جملة من البرامج الغير ممكنة التطبيق في بعض هذه البلدان، ومنها تحرير الاقتصاد وتخفيض سعر الصرف وتجميد الأجور والرواتب وزيادة الضرائب غير المباشرة وتقليص مستوى الإنفاق العام وأهمها بيع مؤسسات القطاع العام إلى القطاع الخاص وإلغاء الدعم بكافة أنواعه وغيرها.

ودعت الخبيرة إلى أن على الدولة تحقيق عدد من الأهداف عند تبنيها موضوع الخصخصة وأهمها تحسين الكفاءة الاقتصادية من خلال الاعتماد على آليات السوق والمنافسة وتخفيف الأعباء المالية للدولة التي تسببها شركات القطاع العام الخاسرة، وبالتالي تتمكن من توافر موارد مالية لتمويل أنشطة أخرى وتوسيع حجم القطاع الخاص والاعتماد عليه أكثر في عملية النمو والتنمية وتطوير الأسواق المالية المحلية وتوسيع قاعدة الملكية، إضافة إلى تهيئة البنية الاقتصادية المناسبة لتشجيع المنافسة في الأسواق وتحرير الأسعار ومعدلات الفائدة وتوافر الإدارة المناسبة وتحقيق التوازن الداخلي والخارجي. كما أن عملية الخصخصة تتم وفق طرق وأساليب مختلفة منها عن طريق البيع المباشر (المزادات) والمنح وبيع الأسهم في الأسواق المالية والبيع للعاملين والإدارة والتأجير، وهذا الأسلوب طبق من قبل بعض الشركات التابعة لوزارة الصناعة والمعادن.

وقبل البدء بعملية التخصيص في العراق كأسلوب لمعالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي نعاني منها حاليا، يجب أن تؤخذ بالحسبان الخصوصية العراقية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ولا بد أن تكون هنالك هيئة مسؤولة عن عملية التخصيص، وتمتلك خبرة واسعة في هذا المجال وتتسم بالنزاهة وأن تدرس الموضوع من كافة جوانبه قبل الشروع بالعمل ومن ثم العمل بشكل تدريجي وعبر مراحل تتسم بالشفافية وتوفير الأطر المؤسسية والقانونية الملائمة.

أما الدكتور طه إسماعيل المسؤول في وزارة الصناعة والمعادن فقد تطرق إلى أن فشل القطاع العام في العملية الاقتصادية هو ليس خطأ حصل في العراق وحده، بل هي تجربة عالمية لم تنجح ولم يتمكن أي بلد من السير بخطى ثابتة في هذا المجال وان تدخل الدولة أدى إلى تشويه قوى السوق والاقتصاد الحر الذي أتسم بقدرته على المواكبة والإبداع في مجال التنمية الاقتصادية الشاملة. وعند التفكير بإجراء عملية تحول من القطاع العام نحو الخاص يجب بناء التنظيم المؤسسي للتحول والذي يمكن تسميته بالإصلاح الاقتصادي، إضافة إلى أنشاء قوانين سليمة لعملية التحول وبناء جهاز مؤسسي سليم مع مشاركة سياسية واقتصادية من قبل الدولة.

ورفض الدكتور عماد العاني فكرة اتخاذ قرار بالخصخصة من قبل مجموعة معينة، فموضوع التحول بالاقتصاد يكتسب من الأهمية بما يجعله قرارا مهما ووطنيا يحتاج على الأقل الى التصويت عليه، كما يجب على المعنيين تحديد ما يحتاجه العراق في المستقبل من تخصيص بمعناه الشامل أو الضيق، كما يجب تصنيف المؤسسات المراد تخصيصها بحسب أدائها المالي واستخدام الأساليب الدقيقة في تقويم المؤسسات.

ووصف الدكتور ماهر العبيدي الأستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد عملية تخصيص الشركات بأنها شركات مهيأة للذبح كشركة الزيوت النباتية والصناعات الصوفية والقطنية وشركة منتجات الألبان وغيرها، مضيفا أن مثل هذه الصناعات التي تمتاز بعراقة الإنتاج ووفرة الأرباح لا يستدعي التوجه نحوها، فما تحتاجه هو إصلاح بسيط ومن خلال مسؤولين أكفاء ذوي خبرة إدارية وفنية مؤهله ويجب التوجه نحو شركات خاسرة أو فاشلة كالكهرباء والاتصالات، كما حدث في الكثير من البلدان المجاورة،«فعلينا استخدام الأساليب الإدارية لتقويم الشركات وليس ذبحها».