عبد الرحمن الزامل: موقع الرياض في الصناعات البتروكيماوية يقودها لمصاف الدول الصناعية في العالم واستثمارات مستقبلية تتجاوز 92 مليار دولار

أكد في حديث لـ «الشرق الاوسط» أن ازدهار قطاع البتروكيماويات في السعودية يتطلب توسعة المشاريع زيد بن كمي

TT

الحديث عن صناعة البتروكيماويات في السعودية ومستقبلها هو الحديث عن قصة نجاح هذا القطاع في السعودية خلال الثلاثين سنة الماضية وكمؤشر لما ستؤول إليه هذه الصناعة، هذا ما بدأ به الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الزامل عضو مجلس الشورى ورئيس مجلس إدارة مجموعة الزامل حديثه لـ«الشرق الأوسط» في الرياض حول الصناعة وتطورها في السعودية، إذ أشار الزامل الى أنه تبلغ الطاقة الإنتاجيه السنوية حالياً لهذه الصناعة 50 مليون طـن تقريباً (منها 43 مليون طن لسابك) ومن المتوقع أن تصل إلى 75 مليون طـن في عام 2008 (منها 64 مليون طن لسابك) مع إضافة ما تنتجه كل شركات البتروكيماويات الأخرى العاملة، او التي في طور الإنشاء. إلى جانب سابك، مثل المجموعة السعودية للاستثمار، العالمية للبتروكيماويات، الصحراء، التصنيع، نمـا، اللجين) فيما يبلغ إجمالي عدد العاملين في الجبيل وينبع نحو 96 الف عامل (منها 16 ألف عامل في «سابك»)، وتبلغ العمالة المطلوبة للإنشاء والتطوير للمشاريع الجديدة حوالي 80 ألف عامل في السنوات الخمس المقبلة، مشيراً إلى أن خدمات مساندة للصناعة يقوم بها القطاع الخاص ببلايين الريالات ويعمل فيها آلاف العمال والموظفين، كل ذلك في خلال 25 سنة.

ويضيف الزامل أن الصادرات البتروكيماوية تمثّل ثُلثي الصادرات غير النفطية، والبالغة في عام 2004 مبلغ واحد وخمسين مليار ريال (13 مليار دولار) والتي ارتفعت بنسبة 24 في المائة عن صادرات عام 2003 بفضل نمو أسعار البتروكيماويات وزيادة الانتاج والتصدير، وهي ايضاً تمثل 11 في المائة من مجمل صادرات المملكة البالغة في عام 2004 لتبلغ 451 مليار ريال (120 مليار دولار). هذا مع العلم بأن إجمالي مبيعات سابك في عام 2004 بلغت 68.5 مليار ريال، بصافي ارباح 14.2 مليار ريال، في الوقت الذي بدأت فيه الشركات الأخرى تعمل وتنتج وتبيع وتصدر.

وتساءل الزامل بقوله هل هذا الإنجاز مسبوق في دول العالم الثالث التي لديها مال وغاز؟ ليرد بجواب لا غير مسبوق..! وإلاّ لشاهدنا مثله في أماكن أخرى حيث يوجد المال والغاز!، ويضيف الزامل بقوله «أستطيع أن أؤكد أن هذا الإنجاز كبير بكل المعايير، حتى في السعودية مقارنة بإنجازات القطاعات الاقتصادية الأخرى، وهذا بحاجة لبحث مستقل»، ليضيف «إن قصة هذا الإنجاز وأسلوب العمل الذي حقق هذه النتائج تستحق الدراسة واستخلاص الدروس والعبر، نظراً لحاجتنا الماسة في المملكة لتطوير بعض القطاعات الإنتاجية أو التعليمية أو تطوير بعض المناطق الجغرافية للقفز بها لمرحلة متقدمة من النمو».

ويشير الزامل الى أن سبب النجاح السعودي في الصناعات البتروكيماوية يعود الى التفكير الصحيح وذلك بأن بدأ بتنفيذ عدد من الخطوات التي تمثلت في تجميع الغاز عن طريق برنامج ضخم من قبل ارامكو ومد شبكة نقل إلى الجبيل وينبع، وإنشاء البنية التحتية للجبيل وينبع وهيئتها الملكية، وإنشاء شركة مساهمة حكومية 100 في المائة لعدم قدرة القطاع الخاص على الدخول في هذا المجال، وتوفير التمويل اللازم من صندوق الاستثمارات العامة وتقديم الحوافز اللازمة للمستثمر الأجنبي للمشاركة في المشاريع البتروكيماوية.

ويقول الزامل إن جميع تلك الخطوات الأربع الأولى نفذت، أما الخامسة فلم يتقبل الأجنبي المشاركة لعدم قناعته بأن السعودية يمكن أن تكون قاعدة صناعية. لتخرج العبقرية السعودية مرّة أخرى لتقدم ما سمي بالحافز البترولي (Oil Incentives) وهو عبارة عن ضمان امدادات مليون برميل سنوياً لكل مليون دولار يستثمر في المشاريع البتروكيماوية في السعودية، تشجيعاً للشركات الأجنبية للدخول في السوق السعودية، والتي بدأت بالدخول في السوق السعودي رغبة في الاستثمار.

ويؤكد الزامل بأن هذا الانجاز بقطاع البتروكيماويات بحاجة لدراسة مركّزه تعتمد على مصادرها الأولية وهم النخبة من الشباب السعودي ـ الذين وصفهم بالعجزة حالياً ـ، الذين قاموا بأدوار واضحة في تطوير هذا الإنجاز وهم أحمد بن زكي يماني، محمد العلي ابا الخيل، غازي القصيبي، هشام ناظر، علي النعيمي، عبد العزيز الزامل، هاشم بن عبد الله يماني، الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي آل سعود، جميل الجشي، ابراهيم بن سلمة، محمد الماضي، جاسم محمد الأنصاري، وهناك العشرات من رفاقهم الذين كانت لهم أدوار تاريخية في مراحل تطور التجربة يصعب ذكرهم، وخاصة أعضاء مجلس إدارة شركة سابك ومجلس إدارة الهيئة الملكية للجبيل وينبع الذين شاركوا في المجلس منذ البداية وحتى اليوم.

وطلب الزامل من الجمعيات العلمية المتخصصة ان تدعو هؤلاء القادة لطاولة مستديرة لسرد تجربتهم وتسجيل نمط التفكير الذي دفعهم لمثل هذا الأسلوب من العمل ومن دون هذه الخطوة فإننا نخسر مرحلة تاريخية مهمة في حياتنا لم تسجل تماماً بلسان صانعيها.. الحاجة ملحة لدراسة التجربة لأننا بحاجة ملحة لإعادة التجربة في قطاعات أخرى في مجتمعنا السعودي اليوم وفي بعض الدول العربية والخليجية الأخرى ذات الظروف المماثلة.

ويشير الزامل إلى أنه من المتوقع أن تبلغ استثمارات وتوسعات البتروكيماويات حوالي 92 مليار دولار (حوالي 345 مليار ريال) خلال العشرين سنة المقبلة بدءاً من عام 2005 الحالي وذلك بناء على دراسة أعدها مجلس الغرف السعودية، وهو ما يعكس التوقعات الحقيقية لمستقبل هذه الصناعة.

ويضيف الزامل أن الخبراء أجمعوا على أن نجاح صناعة البتروكيماويات في السعودية يعود للمزايا النسبية التي تتميز بها والتي أهمها توفر الغاز بأسعار منافسة، وجود البنية التحتية (الجبيل وينبع وإدارتهما المرنة)، والشركات المستثمرة مثل سابك وغيرها من القطاع الخاص السعودي والأجنبي، وقروض صندوق الاستثمارات العامة، مشيراً إلى أن كل تلك العناصر والمزايا النسبية ستكون متوفرة للمستقبل المنظور بالرغم من محدودية توفر الغاز حالياً في هذا الوقت المناسب بالكميات الكافية لكل من يريد أن يستثمر هذا اليوم بسبب منافسة إنتاج الكهرباء وتوسعاتها والتي تحتاج لغاز طبيعي بكميات كبيرة، والتي لها الأولوية لأسباب معروفة ومنطقية وبسبب كثرة طلبات المستثمرين في قطاع البتروكيماويات، سواء كانوا من القطاع الخاص او حتى من شركة ارامكو بمشاريعها البتروكيماوية الجديدة، مضيفاً ان الأمل في مشاريع الغاز الجديدة المتوقع ان تعمل خلال السنوات القليلة المقبلة وكذلك مشاريع توسعة نظام الغاز الرئيسي (Master Gas System).

ويشير الزامل الى أن هنالك عنصرين رئيسيين اضافيين كان لهما الدور الأكبر في نجاح صناعة البتروكيماوية أولهما المنافسة وفتح قطاع البتروكيماويات للقطاع الخاص منذ عام 1993 والذي أدى لإنشاء 4 شركات رئيسية وعدد آخر تحت الإنشاء يقودها شباب سعوديون ذوو خبرة ومستثمرون ومطورون ذوو دراية وخبرة بهذا القطاع، والذي خلق تحدياً رئيساً لسابك لظهور لاعبين جدد في السوق وخلق فرص رائعة للمستثمر الأجنبي لتوفر خيارات أخرى من شركاء محليين مرنين ومتطلعين للتعاون مع الشركاء الأجانب الذين كانوا ينتظرون دورهم لكي تعطيهم سابك الفرصة للاجتماع معهم، إلا أن سابك دائماً مواقفها شديدة وغير مرنه نتيجة الاحتكار.

وأوضح الزامل أن من المتوقع أن تشهد الأعوام الخمسة المقبلة قيام سابك بزيادة إنتاجها من 43 مليون طن إلى 64 مليون طن تقريباً وباستثمارات تصل إلى 30 مليار ريال حتى عام 2008، كما ستعمل المجموعة السعودية للاستثمار باستثمارات تبلغ حوالي الـ 16 مليار ريال، وستعمل الشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات باستثمارات تبلغ حوالي 11 مليار ريال، وستقوم شركة التصنيع الوطنية للبتروكيماويات بإستثمارات تبلغ 11 مليار ريال، وستقوم شركة «الصحراء للبتروكيماويات» باستثمارات قدرها حوالي 11 مليار ريال، فيما ستعمل شركات أخرى تحت التنفيذ بآلاف الملايين من الريالات.

ويؤكد الزامل أن ثاني سبب في نجاح القطاع البتروكيماوي هي الأمانة والشفافية والبعد عن الفساد الإداري التي اتصف بها هذا القطاع في السابق والتي يؤمل أن يكون كذلك في المستقبل، إضافة إلى أن عنصر الفساد وتواجده في أي عمل يؤدي لفشل هذا العمل حتى ولو كان يدر ذهباً والأمثلة في العالم كثيرة.

وحدد الزامل ستة عوامل رئيسة تضمن النجاح لقطاع البتروكيماويات والتي تكمن في توفر الغاز، والبنية التحتية في الجبيل وينبع وأسلوب إدارة هيئتها الملكية المرنة، المستثمرين محليين وأجانب مثل سابك وغيرهم والحوافز المقدمة، والمنافسة في القطاع، الأمانـة والبعد عن الفساد، قروض صندوق الاستثمارات العامة والتي عملت تلك العوامل لتكون السعودية مركزاً رئيسياً للإنتاج ومصدراً أساسياً للأسواق العالمية حتى الآن وفي المستقبل.

ويشير الزامل الى أن توقعات الاستثمار في البتروكيماويات حسب دراسة مجلس الغرف تبلغ 345 مليار ريال (92 مليار دولار) حتى عام 2025 هي توقعات عملية، مؤكداً أنه لن يكون تحقيق هذا الهدف صعبا، وخاصة إذا أضيفت لكل المزايا النسبية التي ذكرت مزايا إضافية مثل توفر الكوادر الفنية السعودية حيث يتم تدريب العمالة على رأس العمل في المشاريع القائمة، واقتناع المستثمرين المحليين والأجانب بجدوى اقامة المشاريع في السعودية بعد تجربتهم الناجحة حتى الآن، واقتناع الحكومة السعودية بأن تبني قاعدة صناعية حقيقية ومنافسة وليست صناعات هزيلة او ما يطلق عليها (الفيل الأبيض) White Elephant. والدليل على ذلك تواجد المنتجات السعودية على المستوى العالمي. إضافة إلى كفاءة صناديق التمويل (سواء الصندوق السعودي للتنمية الصناعية) أو (صندوق الاستثمارات العامة)، والدور الذي لعبته وتلعبه وزارة الصناعة وهيئة الاستثمار كمحفز للقطاع، والحوافز المالية وغيرها المشجعه للمستثمر المحلي والأجنبي، والانفتاح على الاستثمار الاجنبي وتشجيعه، الاستقرار السياسي، والموقع الجغرافي.