دبي تتحول من مركز اقتصادي إقليمي إلى محور أعمال دولي بنهاية العقد الحالي

رغم أن الضغوط التضخمية تهدد بفقدان جاذبيتها للعمال الأجانب

TT

منذ ان تسلم الشيخ محمد بن راشد ولي عهد دبي مقاليد ولاية العهد قبل عشر سنوات وحصل على الضوء الاخضر من اشقائه لتحويل دبي الى مركز اقتصادي اقليمي من الطراز الاول تسارعت خطى التطور في هذه الامارة الصغيرة حتى استحالت في غضون عقد من السنوات واحة اعمال مزدهرة تستقطب اهتمام العالم وتثير حسد جيرانها. والمتابع لأخبار دبي يصاب بالدوار من كثرة ما يعلن فيها بين يوم وآخر عن مشروع هنا وآخر هناك وتكاد الآلات الحاسبة تصاب بالعطب من حجم الارقام التي يتم ضخها في هذه المشروعات التي اقل ما يقال عنها أنها «خيالية». وفيما نجحت دبي التي تعتبر العاصمة الاقتصادية والتجارية بامتياز لدولة الامارات في فرض نفسها كمحور اقتصادي اقليمي يخدم سوقين هائلتين هما السعودية وايران بعد ان جنت ثمار وضع بنية تحتية متطورة وتشريع قوانين «صديقة» للمستثمرين الاجانب، تتجه خطة ولي عهد دبي الى تحويل الامارة لمركز اعمال عالمي في اقل من عشر سنوات وهو هدف اثار استغراب المراقبين والمنتقدين باعتباره «بعيد المنال». اولى لبنات مشروع عالمية دبي كان اطلاق مركز دبي المالي العالمي قبل ثلاث سنوات ونيف والذي يستهدف ببساطة وضع دبي على شاشات رادار البورصات العالمية لتصبح معبرا اساسيا للتدفقات النقدية الدولية بفضل قوانينها المستلهمة من مراكز المال في لندن ونيويورك وطوكيو. ورغم المخاض الصعب للمشروع فقد اصبح اليوم حقيقة واقعة بل وألهم البحرين وقطر على تأسيس مشاريع مشابهة فيهما. واضافة لهذا المركز والبورصة العالمية التي تشكل جزءا اساسيا منه والتي من المقرر ان تقرع اجراسها في سبتمبر (ايلول) المقبل، اصبح في دبي في الوقت نفسه عدة بورصات احدثها بورصة الطاقة بالتعاون مع سوق نايمكس في نيويورك وبورصات أخرى للذهب والألماس والسلع وغيرها. ويقول خبراء ان سرعة الخطوات التي اتخذتها دبي برشاقة وسرعة لتأسيس هذه القاعدة من البورصات لم تأت من فراغ وانما اعتمدت على ما حققته من سمعة عالمية في مجال اعادة التصدير وموقعها الاستراتيجي بين السعودية وايران والاسواق الجديدة، فضلا عن قوانينها وتشريعاتها المرنة التي تعتبر حجر الاساس في التعاملات المالية والتجارية الدولية.

وللدلالة فقط، ارتفعت صادرات دبي في الربع الاول من العام الحالي بنسبة 18% لتصل الى 6.5 مليار دولار. حيث حافظت إيران على مركزها كأكبر سوق لصادرات دبي ومناطقها الحرة بإجمالي 2.2 مليار دولار او 35% من إجمالي قيمة الصادرات، وحلت السعودية في المركز الثاني بإجمالي بلغ 1.1 مليار دولار. وفضلا عن ذلك، ترافق هذا السعي الحثيث نحو العالمية مع جهود جبارة متسارعة لبناء مدينة عصرية متكاملة لاستيعاب التدفقات البشرية المتوقعة على الامارة خاصة ان التوقعات الحكومية الاكثر تحفظا تتحدث عن ارتفاع عدد سكان دبي الى اكثر من ثلاثة ملايين بنهاية العقد الحالي مقارنة بأكثر من مليون حاليا. فمثلا يتحدث المسؤولون في دبي عن استثمار اكثر من 38 مليار دولار على شراء طائرات جديدة لشركة طيران الامارات ولبناء مطار جديد وتوسعة المطار الحالي الذي تعامل مع ستة ملايين مسافر في الربع الاول من العام الحالي. كما تضخ شركات عقارية ومستثمرون عشرات مليارات الدولارات لبناء مجمعات سكنية ضخمة وابراج وناطحات سحاب وجزر اصطناعية ومرافق سياحية ابرزها مشروع دبي لاند الذي سيكون اضخم من ديزني لاند حين اكتماله بنهاية العقد الحالي مستقطبا استثمارات تزيد على 9 مليارات دولار. ويرافق ذلك اقتصاد محلي قوي ومنتعش على الرغم من فقر الامارة بالنفط، فميزانية دبي للعام المالي الحالي فائضة بأكثر من مليار دولار مقابل مصروفات تبلغ 14.1 مليار دولار وايرادات تتجاوز 15.2 مليار دولار.

وحقق اقتصاد الامارة نموا كبيرا العام الماضي حيث من المتوقع ان يلامس اجمالي الناتج المحلي للامارة 27 مليار دولار بنمو اكثر من 16% بينما تشير التقديرات الى ان الاقتصاد نما بنسبة تدور حول 10%.

واللافت ان الامارة حافظت على خططها الاستراتيجية بتقليل مساهمة النفط في اقتصادها الكلي رغم ان اسعار الخام حلقت لمستويات قياسية خلال العام المنصرم.

ففي الوقت الذي نمت فيه مساهمة النفط في الناتج المحلي بنسبة 10.9% في 2004، تمكنت القطاعات غير النفطية من النمو بنسبة 17%، ما خفض مساهمة قطاع النفط من 7% الى 6.6% في مقابل ارتفاع مساهمة القطاعات غير النفطية من 93.4% الى 94.3%..

وارتفع الناتج المحلي الاجمالي لإمارة دبي بالأسعار الجارية من 84.1 مليار درهم العام 2003 الى 22.9 مليار دولار العام 2004، في مقابل 16.9 مليار دولار العام 2000 و11.2 مليار دولار العام 1995، ما يجعل النمو السنوي لاقتصاد دبي يدور حول 10% في السنوات العشر الماضية وهو من بين اعلى المستويات المحققة في العالم.

ومع هذا يحذر خبراء من تكاليف اجتماعية كبيرة نتيجة التحولات الاقتصادية السريعة تتمثل بصورة اساسية في ارتفاع نسبة التضخم بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والافتقار الى سياسات اجتماعية واضحة للرفاه المستدام. ويقول اكاديميون ان تخفيف مشكلات الفقر والتضخم بتقديم المساعدات الآنية لبعض الفئات المتأثرة لا يحل المشكلة المتفاقمة. ولا يشكل المواطنون الا نسبة ضئيلة من سكان دبي كما هو حال الامارات ككل حيث تشير التقديرات الى ان الاجانب يشكلون اكثر من 75% من اجمالي عدد السكان فيما قد تتجاوز هذه النسبة الثمانين في المائة في دبي نظرا لطبيعتها التجارية الديناميكية. وتشتكي نسبة متزايدة من الاجانب من ارتفاع تكاليف المعيشة في دبي نتيجة تزايد الضغوط التضخمية حيث يحذر مراقبون من فقدان دبي لجاذبيتها للعمالة الاجنبية على الرغم من وصفها بأنها جنة ضريبية. ويقول خبير غربي «دبي ستتحول الى مدينة لا يستطيع سوى الاغنياء تحمل تكاليفها، لكن من سيخدم هؤلاء مستقبلا بالأجور الحالية المتدنية التي لم يعد يرضى بها العمال والموظفون الاجانب لأنها لم تعد تكفيهم؟».