أول وزيرة إماراتية تقود ثورة صعبة لإدخال البلاد إلى عصر الشفافية الاقتصادية

الشيخة لبنى القاسمي تثير تحفظات أصحاب النفوذ بخططها نحو تعزيز المعايير الصارمة

TT

لم يمض على اعتلاء اول امرأة في تاريخ دولة الامارات لمنصب وزاري سوى عدة اشهر، الا ان الشيخة لبنى القاسمي المقبلة من امارة رأس الخيمة والتي كلفت بوزارة الاقتصاد والتخطيط احدثت خلال فترة وجيزة من الزمن خضات عنيفة في محاولة لإخراج البلاد من عباءة قوانين وتشريعات اقتصادية اقل ما يقال عنها بأنها لا تساير الفورة الاقتصادية التي تشهدها الامارات. ولكن على الرغم من الدعم السياسي الذي تستند عليه الوزيرة، الا ان القوى الاقتصادية التقليدية ترى ان الهزات التي تحدثها قرارات الوزارة ستؤدي في نهاية المطاف الى تقليص نفوذ هذه القوى التي اعتادت على الاستفادة من ثغرات عديدة في القوانين لدعم مصالحها وتوسيع دوائر نفوذها. ولعل المواجهة الرئيسية التي تقودها القاسمي حاليا وتثير تحفظات اصحاب النفوذ هي خططها الخاصة بتعديل قانون الشركات واخضاع الشركات الجديدة الى معايير صارمة قبل ان تفكر في دخول السوق.

وأكدت القاسمي في غير مناسبة أن تعديل قانون الشركات البالي يأتي في مقدمة القوانين التي سيتم تعديلها أولا، موضحة أنه خلال ثلاثة أو أربعة أشهر ستكون الدراسة الأولية لقانون الشركات المعدل جاهزة وستوزع على جميع الجهات المعنية في الإمارات بما فيها القطاع الخاص لأخذ رأيها ووجهة نظرها بمشروع القانون المعدل. وأكدت القاسمي أنه خلال العامين المقبلين سيتم تعديل الكثير من القوانين الاقتصادية والتجارية والاستثمارية المعمول بها في البلاد، مؤكدة أن تعزيز ودعم القطاع الخاص سيأخذ حيزا كبيرا من استراتيجية وزارة الاقتصاد والتخطيط خلال الفترة المقبلة. ابرز ملامح القانون الجديد للشركات هو السماح للمستثمرين الأجانب بتملك أكثر من 49% من الشركات العاملة في الامارات في بعض القطاعات التجارية والاقتصادية. وتصف الوزيرة ان مجموعة القوانين والتشريعات الاقتصادية الجديدة بأنها متوازنة ستحقق الاستقرار وتكفل نمو القطاعات الاقتصادية والتجارية المختلفة. اما القوانين الرئيسية التي تود القاسمي تغييرها للابد فهي قانون الشركات، وقانون هيئة الأوراق المالية والسلع وقانون الضمان والتأمينات وقانون الوكالات التجارية، فيما سيتم تطوير قوانين التأمين من خلال تدشين هيئة مستقلة للتأمين سيتم الإعلان عنها خلال الأسابيع المقبلة بعد ان اقرها مجلس الوزراء. ووفقا لمراقبين فإن التعديلات ستطال نسب التملك في الشركات وانشائها وطرحها كل حسب نشاطه، في الوقت الذي تطالب به الوزيرة بشفافية أكبر لبعض الشركات أو المصارف. هذا «الانقلاب» التشريعي تزامن مع دخول الامارات مطلع العام الحالي في مفاوضات لتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وهي مفاوضات تستلزم بطبيعة الحال ووفقا لشروط الأميركيين تعديل الكثير من القوانين التي تتعارض والنظام الاقتصادي العالمي. كما تزامن هذا مع تحقيق الاقتصاد الاماراتي لطفرة نمو قفزت به الى مرتبة متقدمة على مستوى العالم العربي ليصبح ثاني اكبر اقتصاد في المنطقة بعد المملكة العربية السعودية. وتشير التقديرات إلى أن اقتصاد الإمارات نجح خلال عام 2004 في تحقيق حصيلة جيدة غير مسبوقة، حيث بلغت نسبة النمو 14% بالأسعار الجارية ليصل الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 334 مليار درهم (91 مليار دولار) مقابل نحو 80 مليار دولار عام 2003 .

ومعركة الوزيرة مع ما يسمى بالحرس الاقتصادي القديم ليست بالسهلة خاصة وانها تعتمد على لغة جديدة على اسماع اصحاب النفوذ تتسم بالصرامة والتخلي عن المحسوبيات والعلاقات لتمرير ما كان قابلا للتمرير في السابق. من ذلك ان الشيخة لبنى القاسمي تترأس حاليا لجنة خبراء للنظر والبت في الطلبات المقدمة للوزارة بتأسيس الشركات المساهمة العامة الجديدة وتحويل الشركات الخاصة إلى مساهمة عامة وزيادة رأس المال للشركات القائمة وعلاوة الاصدار. هذه اللجنة حسب اللغة الجديدة للوزارة «لن تستثني أي شركة من الضوابط التي ستحدد اللجنة وفقا لها موافقتها أو عدم موافقتها». ومن الضوابط الجديدة المثيرة اخضاع الشركات المساهمة العامة تحت التأسيس لدراسة جدوى قبل اصدار الموافقة على بدء نشاطها، حيث اصبحت شركة «نور كابيتال» ومقرها ابوظبي اول من يخضع لهذا الشرط الذي يهدف الى الحفاظ على اموال المساهمين.

وفي اشارة مبطنة الى «نور كابيتال» حظرت الوزارة امس على الشركات قيد التأسيس نشر اي أخبار في وسائل الاعلام إلا بعد الحصول على الموافقات النهائية المطلوبة حيث اكد محمد جاسم المزكي وكيل الوزارة أن بعض الشركات قيد التأسيس درجت على نشر أخبارها وبياناتها في وسائل الاعلام والصحف المحلية تحدد فيها مواعيد الاكتتاب في أسهمها من دون الحصول على موافقة الوزارة على دراسات الجدوى ونشرات الاكتتاب موضحا أن نشر هذه الأخبار والبيانات تشكل مخالفة قانونية وارباكا للمكتتبين والمتعاملين في الاسواق.

اللافت ايضا انه سيكون من صلاحية اللجنة قبول أو عدم قبول النتائج التي تتوصل اليها بيوت الخبرة بالنسبة لدراسات الجدوى وستبني اللجنة قراراتها وفقا لقناعات وأولويات تضع في الاعتبار بصورة رئيسية حماية أموال وحقوق المساهمين وتأسيس شركة قوية قادرة على تحقيق عوائد جيدة للمساهمين وتشكل دعما حقيقيا للاقتصاد الوطني.

كما سيكون من صلاحية اللجنة رفض تأسيس بعض الشركات الجديدة وقد تطلب منها التأسيس كشركة مساهمة خاصة يمكنها التحول بعد سنتين أو أكثر إلى شركة مساهمة عامة في حال تحقيقها أرباحا جيدة واثبات قدرتها على العمل والمنافسة في السوق ما يعني عدم السماح لها بسحب اموال من السوق بعمليات الاكتتاب التي تلقى رواجا كبيرا هنا.

وترى القاسمي أن الإمارات أصبحت دولة عالمية لذلك من المهم جدا أن تكون في الواجهة وأن يتم التركيز على المنافسة، معتبرة إنه ضمن هذا الإطار يتم حاليا إعادة النظر بالكثير من القوانين الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بالإضافة إلى العديد من التعليمات الإدارية والخدمية من أجل الانسجام والتأقلم مع الانفتاح القائم في الإمارات. وتدافع القاسمي عن توجهاتها غير المسبوقة بالقول ان وزارتها تنظر بعين الاعتبار إلى موضوع تدفق الاستثمارات الخارجية إلى البلاد وتهيئة المناخ الاستثماري الجاذب لها، والذي يضمن حقوقها وفقا للقوانين والأعراف الدولية والمحلية، مشيرة إلى أن الوزارة عمدت في مشروع التعديلات الأخيرة على قانون الشركات إلى دراسة موضوع الشفافية والإفصاح والإفلاس دراسة وافية حيث من المتوقع أن يعمم ليشمل جميع الشركات المغلقة والعائلية إضافة إلى الشركات المساهمة العامة المطبق عليها حاليا، خاصة أن الدولة ستصبح قبلة للاستثمارات مع بدء مركز دبي المالي العالمي أعماله التي تعتمد بشكل كامل على الشفافية. وينتقد خبراء وفعاليات بصورة اكثر تواترا موجة الاصدارات الاولية في البلاد حيث يعتبر البعض ان الاموال الهائلة التي تسحبها الشركات الجديدة من السوق يهدد بأزمة اقتصادية لا تحمد عقباها. ويرى احمد الطاير رئيس مجلس ادارة بنك الامارات الدولي ان كثافة اصدارات هذه الشركات برؤوس اموال كبيرة ومبالغ فيها لدى البعض علماً انها قد لا تحتاج لمثل هذه الاموال فيه الكثير من الخطورة على السوق، خاصة ان ما يقارب ما بين 80 ـ 90 مستثمرا في السوق هم الذين يؤسسون الشركات التي تمتص السيولة.

واعتبر ان دراسات الجدوى الاقتصادية لمشاريع الكثير من هذه الشركات ليست دقيقة وغير مدققة وفيها تكرار، وهنا تكمن المخاطر الكبيرة على سوق الاصدارات والمستثمرين.