رئيس مجلس الإدارة في الإمارات القابضة: أبوظبي تتجه لتعزيز اقتصاد الصناعات الأساسية بمشاركة القطاع الخاص

حسين جاسم النويس يؤكد في حديث لـ «الشرق الاوسط» أن التغيير المقبل في الدولة يشمل جوانب أساسية

TT

«نهضة ثانية» تتحضر إمارة أبوظبي لإنجازها وتتجاوز الاقتصاد لتشمل القوانين والنظم وحتى المؤسسات التعليمية.. هذا ما يتم الحديث عنه اليوم بشأن هذه الإمارة التي بدأت قبل عقود مسيرة التحديث والتطوير و مع قيادتها السياسية الجديدة يبدو انها بدأت فعلياً إنجاز ما يمكن تسميته بالمرحلة الثانية من هذه المهمة فقد بلغ اجمالي التكاليف التقديرية للميزانية التطويرية في الإمارة خلال العام الماضي ما يزيد على 60 مليار درهم حسب بيانات رسمية.

وحسب حسين جاسم النويس رئيس مجلس ادارة مجموعة الامارات القابضة والذي يشغل ايضا مناصب رفيعة في مجالس ادارة العديد من الشركات الحكومية والمساهمة فإن القيادة السياسية الشابة في الامارة تدرك المتغيرات العالمية وان ملامح النهضة المقبلة ترتكز في الاقتصاد على السياحة والعقار والصناعة و أكد على توجه الامارة للاهتمام بسياحة النخبة وجذب السياح ذوي القدرات المالية المرتفعة وهو لم ينف صفة التشابه عن المشاريع السياحية التي تطلقها المنطقة لأنها حسب تفسيره جاءت من اقتصادات متشابهة أصلاً.

وفي الصناعة توقع ان تشهد الامارة مشاريع ضخمة في أقسام الصناعات الرئيسية وخاصة البتروكيماويات والالمنيوم والحديد التي قد تتجاوز كلفتها 20 مليار درهم خلال السنوات الخمس المقبلة.

وعن اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة التي تمضي الامارات قدماً في انجازها والمخاوف المثارة حولها تحدث النويس عن ايجابياتها خاصة لجهة فتح سوق كبير «اميركي» امام الصناعات التي تنوي الامارة تأسيسها.

وعن سوق الاسهم ابدى النويس تخوفه من «المستثمرين الجهلاء» الذين يتبعون الشائعات في تعاملهم مع السوق وهو ما قد ينعكس سلباً عليه لكنه لم يربط نشاط السوق ونموه بارتفاع اسعار النفط معتبراً ان الامارات لم تعد معتمدة على النفط فقط في اقتصادها حديث النويس الى «الشرق الأوسط» دار في معظمه في أبوظبي عن نهضة ابوظبي المقبلة بعيدا عن اعماله الخاصة.

* تغييرات كبيرة يجري الحديث عنها في امارة ابوظبي.. ما هي أهم ملامحها و متى نشهد بداياتها؟

ـ فعلاً الإمارة مقبلة على مرحلة مهمة وهي ترتكز على عدة عوامل أولها قيادة جديدة شابة تخطط لاستكمال ما أسس له المغفور له المرحوم الشيخ زايد بن سلطان بفكر يتماشى مع التطورات الاقليمية والعالمية وهي قيادة تملك الحماس والقدرات وتدرك المتغيرات المتسارعة وأن الوقت مهم والمستقبل واعد والمسؤولية تحتم عليها ان تبدأ بسرعة.

والسياسة الجديدة ترتكز على عدة محاور أساسية، أولها اعادة تنظيم الأجهزة الحكومية بحيث تتماشى مع المعطيات الجديدة بتسهيل الإجراءات والنظم والقوانين لتتلائم مع النقلة الاقتصادية ومحاولة استقطاب الاستثمارات المحلية والاقليمية والعالمية، والتركيز على تدريب وتأهيل الكوادر، وإعادة تقييم المناهج بحيث تتوافق معطياتها مع سوق العمل، وهناك خطة عامة للتركيز على قطاعين مهمين الاول: قطاع السياحة والعقار بالترويج لإمارة ابوظبي كوجهة سياحية عالمية، وأيضا استغلال الامكانات السياحية فيها من شواطىء وجزر جميلة «جزر السعديات ــ الريم ــ وشاطىء الراحة» خاصة مع النمو المتسارع لطيران الاتحاد والمترافق مع تطوير وتوسعة مطار أبوظبي. والقطاع الثاني: هو الصناعة وخاصة النوع الذي يمكن ان يستغل الميزات التنافسية لأبوظبي وهي الطاقة ورأس المال، فالطاقة المتوفرة في الامارة وخاصة الغاز والكهرباء يمكن ان تؤسس لقيام صناعات رئيسية تنتج مدخلات الصناعات التحويلية، وأخيرا تم اطلاق المؤسسة العليا للمناطق الاقتصادية المتخصصة التي يرأسها سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس دائرة الاقتصاد و التخطيط ومهمتها خلق قطاعات متكاملة في الصناعة مثل تجمع لصناعة البتروكيماويات وثان للحديد وآخر لقطع السيارات والأجزاء المكونة لها.

* ولكن الصناعة المتعلقة بالنفط والطاقة بدأت قبل عقود في المنطقة «السعودية تحديداً»

* هل تأخرتم في أبوظبي كثيرا عن هذه الخطوة وماذا ستتحملون من أعباء نتيجة هذا التأخر؟

ـ التأخير قد يفيد احيانا فقد نتعلم من أخطاء الآخرين ونبدأ على قاعدة أكثر نضوجاً. صحيح ان بعض التجارب في المنطقة، وأعني هنا تحديدا صناعات البتروكيماويات السعودية اصبحت اليوم تحتل مكانة عالمية وأخذت مكانتها ومساحتها المرموقة في الأسواق العالمية، ولكن هذا لا يعني أن لا فرص متاحة امام من يبدأ اليوم أو غداً لأن احد أهم صفات الأسواق العالمية اليوم أنها مفتوحة ومتداخلة، وفي ظل زيادة الطلب ستبقى الامكانية متاحة امام طرح المزيد من المنتجات خاصة التي تدار بادارات مؤهلة و بميزات تنافسية مثل الجودة والسعر والتسويق، ثم ان ما يحدث اليوم في العالم هو هجرة الصناعات الرئيسية مثل الالمنيوم ـ البتروكيماويات ـ الحديد وهي جميعها تعتمد على الطاقة التي تشكل احد أهم عواملها التنافسية. واليوم تهاجر هذه الصناعات من أوروبا وأميركا إلى المناطق التي تتوفر فيها الطاقة بأسعار أرخص نسبياً ومنها دول الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج وهذه الأخيرة تتمتع بميزات اخرى نذكر منها، قربها من الاسواق الناشيءة وتحديدا سوق الهند والصين اضافة لأسواق الشرق الاوسط نفسها، وهذا ما يفسر عدم قيام أي مصانع جديدة لهذه الصناعات منذ فترة، بل ان جزءاً مما هو قائم يغلق ابوابه ويتجه الى اسواق اخرى.

* ولكن ما زالت الشكوى من الصناعة ترتفع لناحية ضعف مردودها مقارنة مع قطاعات اخرى اضافة لضعف ميزاتها التنافسية وتواضع الدعم الحكومي لها؟

ـ صحيح ان الصناعة محكومة بشروط كونها ذات مردود طويل الأجل اضافة لحاجتها لرؤوس اموال ضخمة. ولكن هذا لا ينفي اهميتها ودورها المهم في الاقتصاد وفي الامارات تحديدا سجلت العديد من النجاحات والأرقام تؤكد ان مساهمة الصناعة في الناتج القومي وصلت لحوالي %14 في السنوات العشر الماضية، وأتوقع ان يصل الرقم الى 20% خلال السنوات الخمس المقبلة وباستثمارات لا تقل عن 20 مليار درهم في الصناعات الرئيسية. وإذا أردنا رسم خريطة للصناعة في الامارات فيمكن توصيفها حسب التالي: فالامارات الشمالية تحتضن الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وعدد المصانع فيها قد يفوق عددها في أبوظبي إلا ان هذه الأخيرة تحتضن الصناعات الكبرى برؤوس أموال واستثمارات ضخمة.

* من هو الطرف المرشح للقيام بهذه النهضة، القطاع الحكومي أم الخاص؟

ـ الطرفان الحكومي والخاص وسوف يكون للشركات المساهمة العامة دور فعال أيضاً.

* هل يمكن هنا رسم مخطط لدور كل طرف وهل يمكن القول ان القطاع الحكومي بات معنياً اليوم أكثر بإتاحة الفرصة للقطاع الخاص وهل أصبح هذا الأخير أقل تحفظاً من قبل؟

ـ هناك توجه قوي لدى الحكومة بمشاركة أوسع للقطاع الخاص وهو توجه ايجابي بكل المقاييس ثم ان القطاع الخاص اصبح اكثر نضجاً و يحوز على وفرة مادية ضخمة وهذا كله يشجع على ان يلعب هذا القطاع دوراً أكثر اتساعاً و فعالية.

* ماذا عنكم أنتم في الامارات القابضة، هل يمكن اعتبار تجربتكم الصناعية ناجحة ومشجعة؟

ـ نعم، ونجاحاتنا يمكن قياسها من المردود المادي أو التوسع في الاسواق داخل الامارات وخارجها ودرجة الجودة التي وصلنا اليها.

* اذاً أنت لا تشارك الصناعيين في القطاع الخاص في الشكوى من مصاعب الصناعة ومتاعبها وافتقادها للمساندة؟! ـ أؤمن بأنه على القطاع الخاص ان يكون مستقلاً وغير معتمد على الحكومة ودعمها، وعلى كل مؤسسة خاصة الوقوف على رجليها بدون مساعدة الآخرين، هذا لا يعني انتفاء الحاجة لمساندة الحكومة ودعمها، خاصة لناحية الترويج الخارجي والتمويل بشروط مناسبة بعد ان تراجعت البنوك التجارية من هذا الدور نتيجة لاعتمادها سياسة الكسب قصير الأجل وهذا ما لا يتحقق في قطاع الصناعة.

وسياسة المساندة الحكومية هذه باتت واضحة النتائج وأصبح من الملاحظ مثلا وجود شخصيات من القطاع الخاص في المباحثات الاقتصادية التي تجريها الحكومة داخل الامارات وخارجها. والظروف المواتية للصناعة يعكسها الإقبال الكبير من القطاع الخاص عليها خاصة بعد التشجيع الحكومي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وهذا يعني حتماً إدخال جيل من الصناعيين الشباب على هذا القطاع.

* ما يجري في الامارات اليوم المزيد من المشاريع والمزيد أيضا من العمالة الوافدة؟

ـ نعم، لذا علينا الاهتمام جدياً بنوعية الصناعات التي نريد تأسيسها بحيث نختار منها ما يعتمد على التقنية العالية والحد الادنى من العمالة وبذلك نقلل من خلل التركيبة السكانية وهذا الخلل اعتبره شخصياً مهدداً لهويتنا العربية والاسلامية وهو موضوع يشغل تفكيري ليل نهار.

أما عن القطاعات الاخرى مثل الإنشاءات فيجب اعتماد قوانين اخرى مثل ان يتم ترحيل العمال فور انتهاء المشاريع التي استقدموا لأجلها.

* إذا كانت الحكومة متخوفة والقطاع الخاص متخوفا من خلل التركيبة السكانية وان أصبحت المشكلة الى تزايد، إذاً من الملام هنا؟! ـ هي مثل قصة البيضة والدجاجة، فهناك خطط للتنمية والاستثمار وهي تتطلب استقدام أيد عاملة فإن توقفنا عن التنمية تأخرنا عن الركب وان مشينا فيها زادت مشكلة التركيبة السكانية، إذاً هي معادلة صعبة أساساً ويجب الاعتراف بصعوبتها ويبقى كيف يمكن موازنة الامور، مثل اختيار الصناعات التي تعتمد المكننة في معظم أعمالها.

* تحدثت عن نقلة سياحية وعقارية مقبلة في امارة ابوظبي ما هي أهم ملامحها وهل يمكن القول انها ستتشابه مع تجارب أخرى في المنطقة «دبي ـ قطر» كما يتوقع البعض؟

ـ علينا ان لا ننسى ان اقتصادات دول الخليج متشابهة وبالتالي من الصعب تجنب وجود تشابه في المشاريع والخطط ويبقى هناك مجال للفروقات في الادارة والتوجه والتسويق وبعض من الخطط والأفكار الإبداعية ولكن يجب التأكيد هنا على أهمية نجاحات التجارب الاقتصادية سواء داخل الامارات أو في المنطقة عموماً لأن نجاحات دبي السياحية مثلاً رسخت اسم الامارات على خريطة السياحة العالمية. ويمكن للامارات الاخرى ان تبدأ كل منها تجربتها ومشاريعها الخاصة لتكون الامارات جميعاً وجهة سياحية متكاملة والسائح الذي يأتي الى دبي يمكنه ايضا ان يزور أبوظبي أو رأس الخيمة أو اية امارة اخرى.

أما عن هوية أبوظبي كوجهة سياحية فهي لن تسعى لجذب السياحة الاقتصادية، وأعتقد انه ليس من مصلحة الامارة تشجيع مثل هذا النوع من السياحة. وعلينا التوجه للفئة ذات القدرة الشرائية العالية.

* أين وصلتم في هذه الخطة.. ما زالت على الورق؟

ـ لا. فقبل أيام أعلنت شركة الدار عن أول مشروع عقاري وسجلت إقبالاً عالياً وسوف تشهد الأشهر القليلة المقبلة مشاريع اخرى لشركات صروح ـ والريم.

* ماذا عن المشاريع الصناعية؟

ـ في القريب العاجل هناك العديد من المشاريع الصناعية سوف يتم الإعلان عنها.

* في اتفاقية التجارة الحرة لأي درجة يمكن القول ان الامارات في عجلة من أمرها للوصول الى هذا الاتفاق؟

ـ لنقر أولاً بأن مبدأ الاتفاق هو في صالح الامارات فهي دولة ذات سوق صغير وكل اتفاق يفتح اسواقا اخرى أمامها هو في صالحها شرط ان لا يكون على حساب سيادتنا او املاء شروط علينا وأعتقد ان القيادة والفريق التفاوضي الاماراتي يدركون جيدا هذه المصالح ويفاوضون على هذه الأسس.

* ولكن بعض الاقتصاديين يتخوفون من شروط الطرف الأقوى في كل اتفاق؟

ـ نحن بلد صغير و«رحم الله امرأ عرف قدر نفسه» ولكن علينا ايضا ان لا ننسى الجانب الايجابي من الأمر فالسوق الاميركي ضخم وواسع وهو يستورد عددا ضخما من السلع ولننظر الى الاتفاقية التي تمت مع الاردن وكيف ارتفعت صادراتها الى اميركا لتصل الى مئات الملايين من الدولارات واليوم نحن نبني صناعة وهي تحتاج لأسواق ضخمة والسوق الاميركي يمكن ان يكون احدها. فما الضرر في سعينا لدخول هذا السوق في هذه الاتفاقات؟ علينا النظر الى الفوائد بعيداً عن الشعارات التي ولى زمانها ولكن علينا ان لا ننسى ان لكل اتفاقية في العالم جوانب سلبية وأخرى ايجابية و«الشطارة» في التوصل الى نوع من التوازن حتى لا نكون خارج الزمن وخارج المنظومة العالمية.

* ثم أخيرا طرح العديد من الشركات المساهمة العامة ما تأثيرها على السوق وهل أصبح يعاني «تخمة» منها؟! ـ يمثل سوق الاوراق المالية في اية دولة في العالم قاعدة يتم من خلالها توسع عدد الشركات القائمة وطرح شركات جديدة واستقطاب رؤوس أموال كبيرة. في الامارات توجد سيولة ضخمة وحجم الاموال المستثمرة في سوقي الاوراق المالية في ابوظبي ودبي كبير وهو ما خلق فرص ربح كبيرة ووسع قاعدة المستثمرين في الامارات، لكن يجب ان تكون هناك جدوى وفوائد من طرح شركات جديدة لذا من المهم وجود فترات مناسبة تباعد بين هذه الشركات هي بمثابة فترات راحة وتنفس بين طرح وآخر، لذا يجب ان يكون هناك تقنين ومراقبة على هذا الطرح.

* بمناسبة الحديث عن سوق الاسهم كيف تقيم هذا السوق هل لديك مخاوف تجاهه؟

ـ يحرك السوق عاملان، الأول هو النمو والثاني المضاربة، فهناك نمو في جميع القطاعات ينعكس ايجابيا على اسعار الاسهم وهناك عامل مضاربة وهو ما يخيفني ويقف وراءه المستثمرون الجهلاء الذين يبنون قراراتهم على الاشاعات او معطيات غير صحيحة الأمر الذي قد يؤثر سلباً على السوق.

* لأي درجة جذبت اسواق الاسهم الاستثمارات بعيدا عن قطاعات اقتصادية اخرى؟

ـ اللاعبون الرئيسيون في سوق الاسهم هي الصناديق الاستثمارية وكبار المستثمرين ثم الأفراد، والأرباح التي تم جنيها سوف يعاد تدويرها في استثمارات جديدة.

* المحللون يربطون فورة النشاط في سوق الاسهم بارتفاع اسعار النفط هل يعني ذلك ان هذا السوق سيتراجع بتدني أسعار النفط؟

ـ ليس بالضرورة، فنحن في الامارات نجحنا في تنويع مصادر الدخل والنفط ليس دخلنا الوحيد.

* ما زالت معظم هذه الشركات المطروحة في أبوظبي تحديداً حكراً على المواطنين هل ستشهد الفترة المقبلة تحولاً في هذه السياسة؟

ـ القانون يسمح بتملك الأجانب لجزء من اسهم هذه الشركات والقرار متروك لمجالس الادارات فيها.

ـ وهناك نية لتعديل قانون الشركات بحيث يسمح بتملك الاجانب في قطاعات جديدة ويرفع من نسبة مشاركتهم في قطاعات أخرى.