جدل ساخن بين مراكز الاستشارات المالية بشأن مستقبل سوق الأسهم السعودية

«نومورا» يحذر من أن الأسعار مبالغ فيها و«بخيت» يرد أنه تضمن أخطاء جوهرية

TT

أثار ارتفاع اسعار الأسهم السعودية لمستويات قياسية، صعدت بمؤشره الى 13679 نقطة بنهاية تعاملات الخميس الماضي ما أسهم في رفع القيمة السوقية للشركات الـ 75 المدرجة الى 1.97 تريليون ريال (525 مليار دولار) وسط معدلات تداول يومية كبيرة جدا «115.8 مليار ريال (30.8 مليار دولار) خلال الأسبوع الماضي، جدلا بين المصارف وبيوت الاستشارات المالية بشأن صلابة الاسعار الحالية واحتمالات المستقبل.

وقد شهدت الأيام القليلة الماضية صدور تقريرين ماليين أحدهما صادر عن «نومورا» الناشطة في مجالات الاستثمار محذرة من احتمالات هبوط حاد للسوق السعودي (وأيضا الإماراتي) وفي المقابل فقد أصدر مركز بخيت للاستشارات المالية تقريرا تحت عنوان «ملاحظات على تقرير نومورا» يؤكد انه بالرغم من أن العديد من الأسهم السعودية (حوالي 25 سهماً تصنف ضمن فئة المضاربة) متضخمة بشكل كبير عن أسعارها العادلة وتحتاج أسعار أسهمها لهبوط تصحيحي بنسبة تبلغ أكثر من 70 في المائة لتصل إلى الأسعار التي تستحقها.

ولكن مركز بخيت أكد أن تأثير هذه الأسهم على سوق الأسهم سيكون محدوداً نظراً لمحدودية الحجم السوقي لهذه الشركات والذي يبلغ أقل من 8 في المائة من إجمالي حجم السوق السعودي، في حين أن عدداً قليلاً من أسهم الشركات التي تصنف ضمن الفئة الاستثمارية قد تكون أعلى قليلاً نسبياً من سعرها الذي تستحقه ولكنها بعيدة كل البعد عن التراجع القوي، مشيرا بلغة مباشرة الى ان تقرير «نومورا» افتقد للعديد من مبادئ الاستثمار الأساسية.

وقد بدأ الجدل عندما أصدر مصرف نومورا تقريرا يشير فيه الى عدة مؤشرات ايجابية يمر بها الاقتصاد السعودي والاقتصادات الخليجية بشكل عام وبينها بلوغ اسعار النفط لمستويات قياسية وازدهار اسعار العقار وارتفاع وتيرة النشاط السياحي في بعض تلك الأسواق الخليجية وأيضا تحقيق عوائد جيدة جراء بعض الإصلاحات الاقتصادية، إلا ان التقرير يرى ان هناك صعودا مبالغا فيه لأسعار الأسهم وخصوصا في السعودية التي صعد مؤشرها 69.8 في المائة منذ بداية العام وحتى الـ 19 من يونيو (حزيران) الحالي (تاريخ اعداد التقرير) وكذلك سوق الأسهم الإماراتي الذي صعد 111.8 في المائة خلال ذات الفترة.

ويرصد التقرير عناصر متشابهة بين الصعود لأسهم السعودية والأمارات ومرحلة النمو الكبير «الفقاعة» التي مر بها مؤشر ناسداك او نيكاي، كما يرصد التقرير وصول تجاوز القيمة السوقية لسوق الأسهم السعودية لمستوى قيمة الناتج المحلي الإجمالي لتبلغ 155 في المائة منه في حين ان تجربه كل من الصين وكوريا الجنوبية والبرازيل والمكسيك وروسيا وجنوب أفريقيا يقل فيها حجم القيمة السوقية للبورصة عن الناتج المحلي.

كما أشار التقرير الى تجربة السوق الصيني الذي شهد نسبة نمو هائلة لما قبل يونيو (حزيران) 2002 مرتفعا 700 في المائة تبعها فترة هبوط ليفقد 55 في المائة بعد ذلك على الرغم من الأداء الممتاز للاقتصاد العام للصين الذي ينمو بنسب مرتفعة.

واشار التقرير الى انه وبالرغم من إمكانية تحقيق كل من سوق الأسهم السعودية والإماراتية تراجعا تصحيحيا تدريجيا، إلا ان المؤشرات الخاصة بتدافع المستثمرين قد يؤدي الى هبوط حاد وموجع.

وفي حين يرى التقرير ان المؤشرات تؤكد ان السوق وصل لقمة صعوده في الوقت الراهن وان المستثمرين قد ينجحون في خلق ارتفاعات جديدة عبر مضاربات تكسبهم بعض الارباح، إلا أنه حذر من الهبوط المتوالي بفعل عوامل نفسية للمتعاملين.

وقال التقرير ان سرعة هبوط الأسواق متفاوتة ففي حين استغرق هبوط مؤشر نيكاي بنسبة 80 في المائة فترة 160 شهرا فان مؤشر ناسداك هبط بنسبة 78 في المائة خلال 30 شهرا. وقال التقرير ان أسهم السعودية والأمارات والى حد ما السوق القطري تشهد اسعارا تفوق بكثير السعر العادل، مشيرا الى احتمالات تعرضها لهبوط حاد.

واتصلت «الشرق الاوسط» بـطارق فضل الله رئيس المبيعات للمؤسسات الاعتبارية في «نومورا انفسمنت بانكينغ - الشرق الاوسط» أمس حيث أكد ان توقعاته لا تنصب حول التنبؤ بانهيار في سوق الأسهم ولكنه يعتقد ان الاسعار مقيمة بأسعار مبالغ فيها، موضحا ان هناك سيولة عالية في السعودية دفعت بأسعار الأصول الاستثمارية لمستويات كبيرة وان ذلك الصعود قد يستمر لفترة أطول ولكنه سيخلق مشكلة مستقبلا.

وقال انه قارن مستوى اداء مؤشر الأسهم السعودي والإماراتي بمؤشرات عدد من الدول حول العالم وان النتيجة أوضحت ان اسعار الأسهم السعودية والإماراتية بلغت مستويات عالية جدا توفق المستويات المقبولة والتي تتوافق مع مستوى النمو في عوائد النفط او ارتفاع الأصول الأخرى.

وبشأن تخوفه من تفوق القيمة السوقية للبورصة في السعودية على قيمة الناتج المحلي قال انه لا توجد نسبة مثالية للعلاقة بين الرقمين ولكن يجب ان ننتبه الى ان الكثير من القطاعات المهمة ومنها النفط غير ممثل في سوق الأسهم السعودي وأيضا العديد من الشركات العائلة الضخمة، من هنا فان القيمة السوقية للأسهم السعودية تبدو مبالغا فيها.

وحول خيارات الاستثمار الأخرى التي يرى أنها ستكون فرصة لضخ بعض الاستثمارات فيها طالما انه ينصح بالحذر احتمالات تعرض سوق الأسهم السعودية والإماراتية لهبوط كبير في المستقبل، قال طارق فضل الله ان تنويع الاستثمار وتوزيعها جغرافيا سيكون احد الاقتراحات، فالاستثمار في الاقتصادات التي تشهد نسب نمو كبيرة مثل الصين والهند والأسواق الآسيوية بشكل عام بالإضافة الى اليابان واوربا.

وفي المقابل أصدر مركز بخيت تقريرا مقابلا للرد على التقرير التحذيري الذي أصدره بنك نومورا الاستثماري قائلا إن التقرير حاول أن يربط بين فقاعة مؤشري «ناسداك» لأسهم التقنية الأميركية و«نيكاي» للأسهم اليابانية (في كلا السوقين وصل معدل مكرر الربحية إلى مستوى 80 إلى 90 مكرراً) من جهة وبين المؤشر العام في سوق الأسهم السعودي «تداول» من جهة أخرى (طبقاً للتقرير يبلغ معدل مكرر الربحية نحو 50 مكرراً)، مبينا ان الأمور غير مرتبطة إطلاقاً بعكس ما يحاول التقرير إثباته.... فما هي العلاقة التي تربط بين مؤشر التقنية «ناسداك» والذي ارتفع بقوة نتيجة توقعات متفائلة لم تتحقق للنمو الحاد في أرباح شركات التقنية جديدة الإنشاء وكذلك مؤشر «نيكاي 225» الذي وصل لمستويات قياسية نتيجة للتضخم المالي للأصول، وبين مؤشر مثل «تداول» الذي يقيس الأسهم في اقتصاد يعتمد على إيرادات النفط والذي تسجل أسعاره مستويات قياسية يوماً بعد يوم!.... ببساطة ليس هناك أي ارتباط.

وذكر تقرير بخيت انه وعودة إلى القضية الأكثر أهمية في التقرير وهي «التقييم» بناء على مكرر الربحية. لقد ركز التقرير في مجمله على فكرة أن مكرر الربحية للسوق السعودي مرتفع بدرجة خطرة ويبلغ نحو (50 مكرراً) (طبقاً لأرباح عام 2004) وبنى التقرير استنتاجاته على هذا الأساس، كما تضمن التقرير جدولاً يضم بيانات 30 شركة كانت الأساس في احتساب مكرر السوق الذي بلغ (50).

ولكن مكرر الربحية الصحيح ينبغي أن يكون نصف هذه الرقم أي (25 مكرراً) وهي قيمة مكرر الربحية لجميع الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودي كما في نهاية عام 2004 وعددها 73 شركة، في حين أن مكرر الأرباح يبلغ حالياً (39 مكرراً) (بناءً على أسعار الأسهم في 18 يونيو (حزيران) الحالي، وأرباح الشركات للربع الأول 2005)، قائلا «أعتقد أن «نومورا» بحاجة لأن تحصل على الأرقام الصحيحة لتقريرها» بحسب تقرير مركز بخيت.

وواصل تقرير مركز بخيت قوله ان تقرير «نومورا» اشتمل على عدة أخطاء جوهرية أخرى في تقييم السوق بناء على مكرر الأرباح، بينها أن أهم عامل افتقده التقرير هو تحديد زمن القوائم المالية التي تعكس أرباح الشركات المساهمة لاستخدامها لحساب مكرر الربحية في ظل الأرباح المتنامية للشركات السعودية المساهمة؟ وتساءل التقرير، (هل نستخدم أرباح عام 2004، أو أرباح آخر ربع سنة، أو الأرباح المتوقعة لعام 2005)؟

وقال تقرير مركز بخيت، ولقد استخدم التقرير النتائج المالية لعام 2004 وهي أقل الأرقام دقة حيث تشهد أرباح الشركات نمواً كبيراً يصل إلى رقمين (من 10 إلى 99 في المائة) في بعض الشركات بل قد يصل إلى ثلاثة أرقام (أكثر من 100 في المائة) لبعض الشركات المساهمة السعودية.

كما ذكر تقرير بخيت ان تقرير نومورا لم يشر إلى أي تحليل أساسي للأرباح المتوقعة للشركات القيادية (والتي تمثل معظم حجم السوق). على سبيل المثال يشكل الحجم السوقي لشركتي «سابك» و«الاتصالات السعودية» 38 في المائة من إجمالي حجم سوق الأسهم السعودي ولا يزال مكرر ربحيتهما 23 و 24 لعام 2005 بناء على توقعات متحفظة للأرباح تشير إلى نمو أرباحهما بنسبة 54 في المائة و 24 في المائة على التوالي (نمت أرباح الشركتين بنسبة 112 في المائة و 9 في المائة على التوالي في عام 2004).

كما قال ان التقرير استخدم المتوسط البسيط لمكرر ربحية الشركات أي أنه أعطى الوزن ذاته لجميع الشركات مما نتج عنه أن مكرر الربحية لسوق الأسهم السعودي هو (50 مكرراً) وهي طريقة خاطئة استغرب تقرير بخيت أن يستخدمها التقرير. إذ كيف يمكن لمستثمر محترف أن يعطي وزناً متساوياً لعملاق الصناعة البتروكيماوية العالمي (تمثل «سابك» 24 في المائة من إجمالي حجم السوق) وسهم مضاربة صغير (تمثل «أميانتيت» 0.4 في المائة من إجمالي حجم السوق).

وأوضح انه عندما قارن التقرير بين «الاتصالات السعودية» وأي شركة اتصالات أخرى، فقد افتقر إلى حقيقة أساسية وهي أن مكرر ربحية «الاتصالات السعودية» يجب أن يتم تعديله لما تم الإعلان عنه مسبقاً من تخفيض رسوم الاحتكار الحكومية (من 20 في المائة في عام 2004 إلى 15 في المائة في عام 2005 وما بعدها) بالإضافة إلى المصاريف الاستثنائية الناتجة عن مخصص تحسين القوى العاملة والتي لن تتكرر في المستوى ذاته في عام 2005 . وقال تقرير بخيت، فإذا أخذنا بعين الاعتبار هذين العاملين فقط فإن ذلك سيزيد من ربحية الشركة بأكثر من 1,500 مليون ريال سعودي مما سيؤدي إلى أن مكرر الربحية (المتوقع) لعام 2005 سيبلغ (24 مكرراً). وهو تقييم لا نعتقد انه مبالغ فيه لشركة «نصف» احتكارية، حيث أن منافسيها يجب أن يدفعوا لها نظير استخدامهم لشبكتها. وخلص مركز بخيت لنتيجة ان تقرير «نومورا» افتقد للعديد من مبادئ الاستثمار الأساسية.

الا ان تقرير بخيت قال من جهة أخرى، في حين أن عدداً قليلاً من أسهم الشركات التي تصنف ضمن الفئة الاستثمارية قد تكون أعلى قليلاً نسبياً من سعرها الذي تستحقه ولكنها بعيدة كل البعد عن التراجع القوي بنسبة 80 في المائة الذي حاول أن يعكسه سيناريو الهبوط الحاد الذي رسمه تقرير «نومورا» وحاول تبريره.

مرة أخرى، إن الغالبية العظمى من أسهم الشركات في السوق من حيث الحجم السوقي ما زالت تمتلك مقومات الارتفاع تجاوباً مع نمو الأرباح المتوقع لعام 2005، في ظل استمرار أسعار النفط في تخطي مستوياتها القياسية.