خبراء: إلغاء نظام الحصص يضاعف مشكلات قطاع المنسوجات اللبناني

وسط تحرك نقابة أصحاب المعامل لدعم القطاع

TT

صناعة النسيج اللبنانية، التي كانت تحتل المرتبة الاولى بين الصادرات اللبنانية في الفترة الممتدة من عام 1973 وحتى عام 1997، تعرضت كغيرها من الصناعات المماثلة في العديد من الدول، وربما اكثر، لضربة قاصمة نتيجة إلغاء نظام الحصص، المعمول به عالمياً، ابتداء من مطلع العام الحالي.

وقد تمثلت هذه الضربة بما تسميه نقابة اصحاب مصانع النسيج اللبنانية بـ«غزو غير مسبوق» للمنسوجات الآتية من دول جنوب شرقي آسيا، وبالأخص الصين. ويقول رئيس النقابة سليمان حظار لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كانت المنسوجات المستوردة من الصين تمثل 80% من إجمالي مستوردات المنسوجات في لبنان خلال النصف الاول من عام 2004، وارتفعت هذه النسبة الى 90% في الفترة المماثلة من العام الحالي. وهذا ما يمكن ان نعاينه في كل المخازن، سواء كأقمشة او ألبسة جاهزة».

ويعترف خطار بأن المنسوجات والألبسة الصينية المنشأ كانت موجودة على الدوام في السوق اللبنانية، ومع ذلك بقيت المنسوجات اللبنانية في مقدمة الصادرات اللبنانية لفترة طويلة «غير ان المسألة اليوم تكمن في سقوط كل الحواجز الجمركية وغير الجمركية أمام الزحف الصيني الذي أفقد المنسوجات اللبنانية جزءاً مهماً من أسواقها وهي السوق الاوروبية، خصوصاً وان اوروبا نفسها، والولايات المتحدة أعربت عن مخاوفها من هذا الغزو الصيني اللامحدود».

وتدل إحصاءات نقابة أصحاب مصانع النسيج أن صادرات المنسوجات اللبنانية تراجعت من 2146 طناً في النصف الاول من عام 2004 الى 1962 طناً في الفترة المماثلة من العام الحالي. وهذا خير دليل على التأثير الذي تركه إلغاء نظام الحصص العالمي على الصادرات اللبنانية، وعلى فتح الابواب مشرعة امام منسوجات «صنع في الصين».

ويعزو خطار هذا الزحف الصيني الجديد الى جملة عوامل «ابرزها الدعم الذي يقدمه الصينيون لانتاجهم وصادراتهم النسيجية، فضلاً عن القروض التي تقدمها الدولة للصناعيين من دون اشتراط تسديدها، بالاضافة الى ان العملة الصينية (اليوان) اقل من قيمتها الفعلية بنسبة 40%، وهو الامر الذي يجعل المنتجات الصينية متدنية السعر قياساً الى المنتجات اللبنانية».

ويقول رئيس نقابة عمال مصانع النسيج توفيق ابي خليل لـ «الشرق الاوسط»: «ان الفارق بين الأجر الفعلي للعامل الصيني والعامل اللبناني هو 1 الى 5. اضف الى ان المصانع الصينية، بحسب المراقبين الدوليين، تستخدم العامل لمدة 12 ساعة يومياً بأجر زهيد في حين ان العامل اللبناني يكلف 550 دولاراً مع الاخذ بعين الاعتبار بدل النقل، وايام الاجازات وتعويضات نهاية الخدمة والتأمين».

وعلى الرغم من ان لبنان شهد اقفال 56 معملاً منذ مطلع السنة الحالية وصرف نحو 3 آلاف عامل، فان اصحاب مصانع النسيج (لا يزال هناك 568 معملاً) لا يزالون يعلقون بعض الآمال على الاسواق الاوروبية بفعل اتفاقية الشراكة الاوروبية ـ المتوسطية التي تفترض تحول لبنان الى واحد من مصدري المنسوجات الى اوروبا انطلاقاً مما يتمتع به القطاع اللبناني من قدرة على التصدير.

ويعتقد ابي خليل ان القطاع لا يزال بإمكانه خلق فرص عمل «بشرط منحه التسهيلات الضرورية لتنميته. ووصولاً لهذا الهدف ينبغي على الدولة ان تتخذ اجراءات واضحة ومناسبة تبدأ بمعالجة أخطاء الماضي».

وبعدما كانت الدولة قد قررت في عام 2000، خفض الرسوم الجمركية على المستوردات «بشكل كبير ومخالف لمعايير الانظمة الجمركية الدولية، فرضت رسماً نوعياً قيمته 15 الف ليرة لبنانية على كل كيلوغرام مستورد، لكن هذا الرسم سرعان ما خفض الى 5 آلاف ليرة»، على حد قول خطار، الذي اضاف: «اذا اريد للبنان ألا يكون مصباً لمنسوجات جنوب شرقي آسيا، ينبغي للسلطات اللبنانية اعادة النظر في هذا الرسم، ورفعه، خصوصاً، بالنسبة الى الألبسة الجاهزة التي لا تخضع لأي رسم جمركي».

ويشدد على ضرورة إلغاء الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على المواد الاولية المستخدمة في صناعة النسيج طالما ان لبنان يستورد معظمها. وفي هذا المجال تشير دراسة نقابة أصحاب مصانع النسيج الى «ان لبنان يستورد 80% من القطن من سورية، و60% من القماش من الهند، وباكستان او الصين و80% من النايلون من اوروبا. ومع الضريبة على القيمة المضافة، اصبح المنتج السوري، على سبيل المثال، اقل سعراً من المنتج اللبناني بنسبة 10% ابتداء من يناير (كانون الثاني) عام 2002. الامر الذي يحفز التجار اللبنانيين على ليس فقط شراء البضائع السورية فحسب، بل التركية ايضاً، وخصوصاً الصينية».

وتعتبر الدراسة ان تطبيق «برنامج السيم» القائم على استخدام المواصفات الاوروبية تطبيقاً صحيحاً من شأنه ان يتيح للصادرات اللبنانية القدرة على «اختراق» الصادرات الصينية في الاسواق الاوروبية. ويطالب اصحاب مصانع النسيج الدولة بالتحرك في اتجاه الاتحاد الاوروبي للحصول على دعم في اطار برنامج «يوروميد» على غرار ما هو حاصل مع الدول المتوسطية الاخرى. ويتساءلون: «لماذا تلقت تونس، مثلاً، 632 مليون يورو لدعم قطاعها النسيجي، ولم نتلق نحن شيئاً؟». ويذهب بعضهم الى المطالبة بإيجاد برنامج خاص بدعم صادرات النسيج على غرار برنامج «اكسبورت بلاس» الخاص بدعم الصادرات الزراعية اللبنانية، فضلاً عن المطالبة بتجميد او إلغاء القروض التي منحها البنك الاوروبي للاستثمار عام 2002 في اطار البرنامج اليورو ـ متوسطي الذي يهدف الى دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وكان البنك المذكور قد منح معامل النسيج قروضاً بقيمة مليوني يورو للقرض الوحيد من اجل شراء معامل حديثة. والمشكلة تكمن، بحسب رأي اصحاب المصانع، في ان الدولة اللبنانية قبلت آنذاك بفوائد عالية على هذه القروض (5.69%)، الامر الذي رتب على المؤسسات ديوناً لا قدرة لها على سدادها. وتطالب النقابة ايضاً بأن تخصص لها مساحة معينة في مطار بيروت الدولي من أجل عرض المنسوجات اللبنانية العالية النوعية امام اللبنانيين والأجانب، كما تطالب المؤسسات الرسمية، كمؤسسة الجيش، بشراء الالبسة المصنعة في لبنان.

ويؤكد خطار وجود مشكلات مشتركة مع سائر الصناعات، وهو يقول في هذا المجال انه «بسبب كلفة مرفأ بيروت يباع الخيط المعد للنسيج بـ 2.85 دولار فيما يباع في السوق العالمية بـ 2.70 دولار، وحتى هذا الرقم يبدو مذهلاً اذا عرفنا ان الصين تبيع القميص كاملة بـ2.70 دولار».

ويضيف خطار أن كلفة النقل عالية ايضاً، وهو يؤكد ان نقل مستوعب كبير من المصنع الى مرفأ بيروت يكلف الصناعيين 700 دولار، في حين ان المسافة نفسها في مصر مع مرفأ الاسكندرية تكلف 150 دولاراً. ويرى خطار، في نهاية المطاف، «ان بقاء القطاع اللبناني تنافسياً يفترض التحرك في ثلاثة اتجاهات: تقصير الدورة الانتاجية، الموضة، والنوعية الفاخرة».